" انه عربي ليمت" – هذا ما قاله احد الزعران من مجموعة ضمت خمسين شابا يهوديا هاجموا شاب عربي في القدس وكادوا ان يتسببوا بمقتله لولا ان أسعفه طالب طب يهودي لم يفقد قيمه الإنسانيه.
"عربي هذا مرض" قال مشارك آخر في الاعتداء البربري على الشاب العربي.
لماذا تغضبون من تصريحات الرئيس الايراني حين يقول "سنقذف إسرائيل الى سلة قمامة التاريخ" وتستكثرون على العرب الاحتفال بذكرى نكبتهم؟
اذا كان الاعتداء على الشاب العربي هو المقياس الأخلاقي والتربوي الذي يجري تنشئة الشباب اليهود عليه، من شباب المستوطنات وشباب التلال وشباب الاعتداء على حقول الفلسطينيين وقطع أشجارهم المثمرة وحرقها ولم يسلم منهم لا النبات ولا الحيوان، وأخيرا شباب المدن في الساحات العامة، فما الذي ينتظر العرب في إسرائيل مستقبلا، وما ينتظر الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال؟
لم نسمع حتى اليوم عن عقاب يقدم درساً أخلاقياً للمتطرفين، او عن قلق وزير المعارف على التربية الشاذة، وتعميق الكراهية العمياء للعرب بين الأجيال الشابة كما بينت استطلاعات الراي ان نسبة كبيرة تتجاوز ال 70% موقفهم عدائي من العرب. يتجاهلون الجرائم التي ترتكب في المناطق المحتلة وبعضها من الجنود انفسهم، رغم ان جمعيات انسانية يهودية هي التي توثق الجرائم باشاريط مصورة، فهل تملكون الحق بان تعتبروا ما يقال ضد إسرائيل او اليهود في ايران وغيرها من دول (نحن ايضا كبني بشر نرفضها وندينها بقوة) تحريضاً، وما يرتكب ضد العرب "طوشة عمومية" كما قررت شرطة القدس في اليومين الأولين بعد الاعتداء ثم اقرت امام الحقائق التي لا يمكن تزويرها ان الموضوع "لينش" من زعران نفذوا اعتدائهم لأن "العربي مرض" و "عربي يجب ان يموت"؟
المستهجَن ان رئيس بلدية القدس نير بركات قال انه "يجب إدانة كل عنف شفوي او جسدي من أي طرف كان، وانه يجب انتظار انهاء الشرطة لتحقيقها". وامتنع عن إدانة مباشرة للاعتداء الهمجي الواضح الذي لا يحتاج كثيرا الى تحقيق الشرطة، يكفي تصريحات قادة الاعتداء بانه "عربي ليمت والعرب مرض"، على الأقل كان عليه إدانة هذه التفوهات اللاسامية ضد العرب. ألسنا من أبناء سام ايضا ولنا الحق في رفض كل تفوّه لاسامي ضد الجماهير العربية، في بلاد جعلت مسألة "اللاسامية" سلاحها الدولي الذي تلوح به ضد كل من ينتقد حتى سياسة إسرائيل الاحتلالية والقمعية والعنصرية؟
يبدو ان اللاسامية قررت تغيير منزلها القديم بعد أن ملّها العالم. اليوم يمكن اعتبار اللاسامية ظاهرة إسرائيلية بجدارة يقصد منها العداء للعرب وكل شعوب الشرق الأوسط.
كيف؟
هناك تعبير سياسي هو "لينش" Lynch)) ومعناه: "اعدام من غير محاكمة" وهذا الاصطلاح انتشر في اوروبا القديمة حيث واجهت اقليات كثيرة سياسة اللينش، ومنهم ابناء الشعب اليهودي، وكان اللينش النازي هو القمة. فهل نحن اليوم امام لينش ضد الجماهير العربية؟ ضد العرب عامة في الشرق الأوسط؟ ضد كل من هو ليس يهوديا في الشرق الأوسط، ايران مثلا؟ لا أقول ذلك دفاعا عن نظام الملالي، انما عن ظاهرة العربدة الإسرائيلية وسَنّ رماح الحرب لضرب ايران في مغامرة قد يعرفون كيف يبدأونها، ولكن لا إحد يعرف كيف ستنتهي وما هي إسقاطاتها المستقبلية. لنفترض نجاح ضرب المشروع النووي واعاقته في ايران؟ وانا شخصياً، مثل ملايين الناس في العالم، لا اريد ايران نووية ولا إسرائيل نووية، ونرى الحلّ ببدء تنظيف الشرق الأوسط من السلاح النووي ومختلف أسلحة الدمار الشامل، الإسرائيلية والعربية والايرانية. هل سنواجه بسبب المغامرة العسكرية الإسرائيلية ضد ايران حرباً لسنوات طويلة اخرى تحرق الأخضر واليابس في إسرائيل وكل الشرق الأوسط؟
إسرائيل تتصرف كفرفور دمُه مغفور. هل من ضرورة لاستعراض احداث السنوات ال 64 الماضية بكل ما يتعلق بالنكبة الفلسطينية وسياسة الاضطهاد القومي ضد العرب في إسرائيل؟ هل من ضرورة لتذكير القراء بما جرى في الأسابيع الأخيرة بقذف زجاجة حارقة (مولوتوف) على سيارة تكسي عربية سببت الأصابات الصعبة لعائلة كاملة؟ حستا، ادان قباطنة السلطة تلك الحادثة وسموها "ارهاب يهودي". وماذا بعد؟ هل الإدانة غيرت العقلية التي تحرك الجرائم ضد العرب؟
المقلق أيضا من اللينش الذي تعرض له الشاب العربي ابن السابعة عشر، هو ان مئات المواطنين اليهود شاهدوا اللينش، وشاهدوا الشاب يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة وضربه يتواصل ولم يتدخلوا لوقفه. الجنازة حامية والميت كلب.. هل هذه عقلية وتصرفات مجتمع بشري حضاري؟
السؤال المقلق، وهو يتجاوز كلمات الإدانة التقليدية من رئيس الحكومة نتنياهو ووزرائه أمام غوغائية هذه الجريمة، هل انتهت مهمتهم بادانتها؟
ألم تكن سياستهم الاحتلالية والعنصرية ورفض الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، هي القاعدة الأخلاقية التي غرست بعقلية الشباب اليهود؟ هل جهاز التعليم بريء من هذه النتيجة التربوية والتثقيفية المدمرة اجتماعياً وأخلاقياً لكل الظلال الانسانية لمجتمع بشري حضاري؟ هل التربية التي يتلقاها الشباب اليهود والمجتمع الإسرائيلي بكل مركباته، نقية من المسؤولية المباشرة عن عقلية "عربي ليمت" او بالصيغة القديمة المعروفة "عربي جيد هو عربي ميت"؟
حتى في ألعاب كرة القدم بين فريق عربي وفريق يهودي ترتفع الشعارات العنصرية مثل "الموت للعرب" وأدينت وتكررت وتكررت الإدانة دون خطوات عملية حاسمة هي من واجبات الدولة، ماذا تغير؟ لم ننسَ بعد الاعتداء (اللينش) على العمال العرب في المجمع التجاري المالحة قبل عدة أشهر، أيضا أُدين واعتقل بعض المعتدين، ثم ماذا ؟!
الم تصبح سياسة التحريض ضد العرب سياسة رسمية تتعمق وتتصاعد وتعتبر تسويقا لبعض السياسيين وبعض الأحزاب؟
لماذ يجري تجاهل الدور العنصري التحريضي لرجال الدين اليهود (الحاخامات)، الذين دعوا ويدعون رسمياً لعدم تأجير بيوت للطلاب العرب، ورفض التعامل معهم، وان العرب دخلاء على "ارض إسرائيل"، ويثقفون سوائب المستوطنين على الكراهية والعنف وكأنه أمر من التوراة، وان العنصر اليهودي عنصر ارقى من العنصر الفلسطيني، وهذا أكده وزير التعليم غدعون ساعر في حديثة عن اليهود والفلسطينيين في الخليل (ألا تذكّركم هذه الخزعبلات العنصرية باحداث تاريخية مؤلمة في اوروبا في القرن السابق؟)، وتمادى بعض الحاخامات لحدّ الدعوة الفاشية للقتل المباشر دون ان يحاكموا أو يعزلوا من مناصبهم؟
لا يمكن اعتبار الحادث الأخير خارقاً للقاعدة السياسية والاجتماعية المريضة بوباء العنصرية في إسرائيل. اصبحت العنصرية والعنف هي القاعدة والشكل المميز نسبياً، هنا نجد ترجمة للسياسات العنصرية التي لم تبدأ مع هذه الحكومة، انما تعمّقت مع حكومة لم تقم باي خطوة نحو تغيير واقع الاحتلال والقمع ضد الشعب الفلسطيني، بشكل بات يرى به مفكرون يهود خطراً على مجتمعهم ومصيرهم الانساني ويصفون الحكومة ورئيسها بأنها حكومة "مكانك عد" والبعض يصفها "خلفا در".
المجتمع اليهودي، وخاصة الشباب، يتثقفون سياسياً على سلسلة القوانين العنصرية التى طرحت امام الكنيست، بعضها سحب بضغط من رئيس الحكومة، لأنها غير ملائمة الآن في هذه الظروف السياسية الدولية، ولم ترفض لأنها تشكل اقتراحاً عنصرياً فاشياً.
من الخطوات العنصرية البارزة في الفترة الأخيرة، والتي تثقف على عقلية الاحتلال وعدم شرعية الحقوق الفلسطينية، قرار وزارة المالية، ووزير المعارف بالاعتراف بكلية اريئيل في المناطق الفلسطينية المحتلة كجامعة إسرائيلية. اول جامعة في منطقة محتلة في العالم كله ، بل وفي التاريخ البشري كله. وقد اوقف الاعتراف وزير الدفاع ايهود براك لأسباب لا علاقة لها بفكره الاحتلالي الإستيطاني، انما لأن الظروف السياسية غير ملامة الآن للاعتراف بجامعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد يسبّب الاعتراف مشاكل لدولة إسرائيل وعلاقاتها مع العالم.
هل من المستهجن إذن اعتبار العربي في إسرائيل شيئاً زائداً، مرضاً، يجب ان يموت؟