قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران والذي أعلن عنه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إثر الاعتداء على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران أكد تأزّم العلاقات السياسية بين الرياض وطهران، وفي حال استمر التصعيد الإعلامي المتبادل والاصطفاف المذهبي والطائفي بنفس الوتيرة التي هو عليها اليوم؛ فقد يجد البلدان نفسيهما في مواجهة عسكرية مباشرة تترك آثاراً جيوسياسية لسنوات مقبلة على المنطقة بأسرها.
لا شك بأن الأزمات السياسية المفتعلة والتي تضرب المنطقة بقسوة منذ ما يربو على عقد من الزمن، والتي بدأت أولى خيوطها باحتلال العراق وغرس الطائفية المقيتة بين أبنائه، والانقلاب على إرادة الشعب الفلسطيني، مرورا بعزل الرئيس المصري محمد مرسي، ومن ثَمّ استخدام سياسية الأرض المحروقة ضد الشعب السوري، وليس أخيرا بإشعال الصراع اليمني، إنما تهدف إلى دفع شعوب المنطقة إلى أُتُون صراعات سياسية ومذهبية، تعمل على تقسيم المُقَسَّم وتجزئة المُجَزَّأ فتحرف بَوْصلَتها عن قضية احتلال فلسطين، التي تمثل نقطة إلتقاء جامعة لشعوب المنطقة، وتحول دون نهضتها أو استقرارها علاوة على تبديد مواردها وثرواتها، وتُدخِلُها في تيهٍ مُظلمٍ من التشتت والمعاناة.
أتخيل قادةَ دولة الاحتلال الاسرائيلي يترنّمون طرباً، باعتبار دولتهم السرطانية المستفيد الأول من نار الاصطفاف المذهبي والطائفي التي تنتشر كالهشيم بين شعوب المنطقة، والتي امتدت من العراق إلى لبنان فسوريا فاليمن، وكذلك بوتيرة أقل في بعض دول الخليج، ونتج عنها إعادة الدول العربية لترتيب أولوياتها، حيث أضحت قضية تهويد القدس ومعاناة الشعب الفلسطيني في ذيل تلك الأولويات، وتراجع اهتمام الاعلام العربي بقضايا فلسطينية بارزة على شاكلة انتفاضة القدس والاستيطان في الضفة وحصار غزة، وبات الفلسطينيون يصرخون من الألم فيرتد صدى صوتُهم دون مجيب.
تورط القيادة الفلسطينية سابقاً في صراعات كانت بمنأى عنها، وخوضها في نزاعات خاضتها أنظمة وشعوب المنطقة، أضعف من حالة التضامن السياسي والمعنوي مع الشعب الفلسطيني، فمن تجربة المشاركة في الحرب الأهلية اللبنانية، إلى تجربة أحداث أيلول في الأردن، مروراً بتجربة دعم النظام العراقي في احتلال الكويت والتي نتج عنها طرد جماعي للفلسطينيين آنذاك، وغيرها من التجارب التي دفع الفلسطينيون ثمنها ألماً ومعاناة، الأمر الذي يدفعهم اليوم إلى التفكير مليّاً في المآلات السياسية لأي موقف سياسي قد يُقدمون عليه فيما يتعلق بالصراعات المستحدثة في المنطقة.
أُدرِكُ أن قادة السلطة والفصائل الفلسطينية قد يتعرضون على حدٍّ سواء إلى ضغوط من هذا الطرف أو ذاك، وقد تُعرَضُ عليهم إغراءاتٌ سياسيةٌ أو اقتصادية هم بأمسّ الحاجة إليها في هذه المرحلة، كما أنهم قد يتعرضون لتهديد مُبَطّن أو مُعلَن بهدف دفعهم إلى اتخاذ قرار مؤيد لهذا الطرف أو ذاك، لكن التضحيات الأليمة التي دفعها الفلسطينيون نتيجة تجاربهم السابقة، وفي ظل تغَوُّل الاحتلال وإصراره على عدم الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، تُجبِر الفلسطينييين على الحياد وعدم الانجرار ولو بكلمة نحو استعداء هذا الشقيق أو ذاك.
ختاماً ربما يجدر بقيادة السلطة الفلسطينية وكافة قادة الفصائل وناطقيها الاعلاميين الحذر الشديد أيضاً قبل إطلاق تصريحاتهم السياسية ذات العلاقة بقضايا المنطقة، فمنطقتنا العربية باتت حُبلَى بالمشكلات، وهي ترقد فوق صفيح ساخن من أزمات متتالية ما إن تنطفئ إحداها هنا حتى تشتعل أزمة أخرى هناك.