الثلاثاء 1/6/1446 هـ الموافق 03/12/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
هموم المرأة العربية في مجموعة '|رفرفة'لبشرى خلفان...رائد الحواري

 

تقدم لنا "بشرى خلفان" في مجموعتها القصصية هموم المرأة العربية، فكل من يطلع على هذه لمجموعة يعلم حجم المأساة التي تعانيها، فهي في قصة "رفرفة" كانت الطفلة محل رهان بين الأب والشيخ الغني، الأول راهن بابنته والثاني بماله، وبعد أر بح الرهان طالب بالطفالة، وعندما أخبره الأب بصغر سنها اجاب: "ستنضج في فراشه" ص66، وبعد أن دخل عليها هذا المتوحش ومارس دور الذكر على أنياه، أصابها نزيف شديد، وأمر الطبيب بنقلها إلى المستشفى، لكن أهلها رفضوا ذلك، وتقدمت العجائز برتق الثقوب وخياطة الجرح، في هذه القصة كانت ذروة الاحتجاج على واقع المرأة العربية، فهي بنظر المجتمع ليست أكثر من شيء يباع ويشترى.

 ما يحسب لهذه القصة اللغة الجميلية التي قدمها لنا الكاتبة، والصور الفنية التي عبر عن الحالة التي تجري في الأحداث، فتصف لنا ليلة دخلتها على هذا المتوحش بهذا الشكل: "لم أكن قد رأيته من قبل، تخيلته قريب الشبه بابن عمي، وسيما، قوى البنية، رائق الضحكة، لكن الرجل الذي أدخلت عليه كان هائلا، مدبوع الوجه، حاد التقاسيم، ميت النظرة" ص 61، بهذه المفاجأة السلبية تكتشف الطفلة الجحيم الذي وقت فيه، فلبس لها إلا أن تقاومه بما لديها من وسائل، وهذه كانت وسيلتها، "فمددت راحتي في وجهه، واجهته بالطلاسم، لكنه لم يخف، كانت ركبتاي ترتجفان، أغمضت عيناي لأتجنب نموه نحوي، وعندما فتحتهما، كنت ملقيه على الفراش، وكان ثوبي قد انحسر إلى أعلى، أحسست بألم حاد، تحسست جسدي فارتطمت باللزوجة الحمراء" ص62، مشهد من أصعب المشاهد التي ذكرت في المجموعة، الرجل المتوحش ليس زوجا، بل مغتصب، هو لا يبالي سوى بإثبات ذكورته على الطفلة، من هنا لم يهتم لما أصابها من نزيف حاد، ولم يراعي التقدم منها بالتدريج، بل اقتحمها اقتحاما وهي طفلة، ليست مهيأة لمثل هذا الفعل، لكن مجتمعنا العربي الذي لا يعرف سوى ممارسة الجنس، ومع أيا كان لم يأبه بحال الطفلة.

تصف لنا الكاتبة حال الطفلة بعد أن رحلت مع مفترسها إلى المدينة بهذا الوصف: "وفي المدينة أصبحت جارية مطيعة، أعرف كل واجبات ولا أسأل عن شيء" ص63، بهذه المشاعر المؤلمة تحدثنا الطفلة المغتصبة عن حالها، فهي تدين الأهل والمجتمع والدولة وكل من يقبل أن تغتصب طفلة من قبل عجوز هرم يمتلك المال ليس أكثر، فهي في قولها "أصبحت جارية" كانت تريد أن تفضح  جريمة الاغتصاب الذي حدث، وجريمة البيع الذي حصل، بين الأب والتاجر.

وأعتقد بأن هذه القصة لوحدها قادرة على إيصال فكرة احتجاج وصرخة الكاتبة على الظلم الحاصل للمرأة العربية في منطقتنا، وأيضا من نستشف القدرة الابداعية التي تتمتع بها الكاتبة، فهناك لغة شيقة، وصور أدبية قادرة على إمتاع المتلقي وجعله تشعر بأنه أمام نص أدبي بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

في قصة "أزرق للحزن" تتحدث الكاتبة عن هموم المرأة التي تتخلف عن الحمل، فهي ليست عاقر، لكنها  حملها يتأخر،  فما يكون من الزوج إلا أن يتزوج عليها، فهو الذكر ويعيش في مجتمع ذكوري، من هنا لا يأبه لمشاعرها، فيجري بنهما هذا الحوار وترد الزوجة بهذه الكلمات: "  لكن فراشي ضيق لا يتسع لأكثر من جسد واحد.

ـ توقفي عن أذيتي..

ـ كيف أوذيك؟ وأنا مصلوبة هنا كجذع النخلة الميتة" ص10، إذن "بشرة خلفان" تصر على إيصال صرختها/ احتجاجها على المجتمع والقوانين التي تبح مثل هذا الأمر، وكأنها بهذه القصة تريد أن يلغى تعدد الزوجات، ومهما كانت الأسباب، وبهذا تكون قد طرحت فكرة التمرد، الثورة على كل ما هو متعلق بالمرأة، أن كان من منطلق ديني أم من منطلق عادات وتقاليد، فهي ترد أن يكون الرجل لمرأة واحدة، والمرأة لرجل واحد.

في قصة "البريسم" والتي تعني خيوط من الحرير تستخدم للتطريز، تحدثنا عن الموت الذي يلاحق كل من له علاقة ببطلة القصة، فكأن الموت، الوحدة هي القدر المكتوب على المرأة العربية، فلا يكفيها ما تتعرض له من قهر الزوج والمجتمع والقوانين لها ، فيأتي الموت ليكمل هذا المأساة.

قصة "المطلة" قصة خارجة عن موضوع المرأة وهمومها، فتحكي لنا قصة الإيمان بالعطاء من قبل الطفلة الصغيرة وأبوها الفقير، لكن بعد أن تم تشويه هذا العطاء من خلال المكافأة بزيادة العلامات للطالبات المتبرعات، نجد الطفلة تعيد ريالها إلى جيبها ولا تقدمه للمعلمة، فالقصة تحمل شيئا من الرمزي من خلال نهاية القصة "ثم أخرجت يدها فارغتين وأجابت بهزة من رأسها وهي تنظر مباشرة في عيني الوكيلة" ص19، بهذا النهاية تختم لنا الكاتبة قصة التبرعات المدرسية لبناء مظلة اقي الطالبات من حرارة الشمس.

قصة "الآخذون" ترسم لنا الكاتبة ما تعانيه المرأة العربية من عنف على يد الرجل، فتصف لنا الطريقة الشرسة التي تعامل بها، " ها أنت تقبض على ضفائري، وأنا أصعد الدرج ورأسي مائل إلى الخلف، ضفائري الهابطة حتى الأرض تكنس عتبات الشفقة بالوهم،... تشد ضفائري الملتوية حول رسغك فتسحلني ورائك" ص20 و21، هذا طريقة التعامل مع المرأة في المجتمع الذكوري، فهي أحقر من دابة، وتعامل على هذا الأساس، لا شيء يحميها في مجتمع يمتلك القوانين والشرائع الدينة التي تبيح للذكور أن يقوموا بكل ما يريدونه.

تصف لنا الكاتب واقعها في بيت الزوج بهذا الشكل: "ـ قولي ما تريدين ما دمت بين جداران غرفتك، لكن في الخارج احذري من الصديق قبل العدو ومن نفسك قبل..." ص22، المرأة هنا مجرد سجينة قابعة بين أربع جدران ليس لها أي حرية خارج هذه الجدران، فهذا المشهد يعمق المأساة التي تعانيها المرأة في المجتمع الذكوري.

في هكذا واقع مؤلم كان لا بد من وجود لمسة حنان، قوة روحية تساعد الضحية على البقاء والصمود في سجنها، فكان الأم هس هذه القوة، "عندما تكبرين وتزهر حقول الثمار في جسدك ستحملقين لساعات في انعكاس ماء البحر وستبحثين عن رفيق يساعدك في جني ثمار روحك من الضياع" ص23، فهنا الكلمات تحمل فكرة الحمل والانجاب بطريقة رائعة جدا، وهي من أروع الصور التي جاءت في المجموعة، فكأن الأم فيلسوفة، تحكي بالترميز، لكنها توصل فكرتها بطريقة مذهلة.

قصة "اسطرلاب" تحكي عن الواقع العربي والواقع الغربي، فتصف لنا حالنا بهذه الشكل، "رجع القبطان العربي إلى بلدته مخلفا عند موته بيتا من الشعر وخنجرا علاه الصدأ، وترك فيما ترك دخان المدفع على أرض الخريطة" ص26، بهذا الطرح الرمزي يصف لنا الكاتبة ما آلت إليه الأوضاع في المنطقة العربي، فنحن نعيش على متخلفات من الأدب القديم، نباهي بها، والواقع الجديد بحاجة إلى قوة نارية تفرض ارادتها على الأرض.

في قصة "رائحة لا تشبة أحدا" تحدثنا عن الزوج الذي يشك بزوجته بعد أن أنجبت له بنتا بعيون خضراء، فيبدأ بالبحث عن أقاربها لكي يتأكد بأن هناك عامل وراثي جعل من عيون المولودة خضراء، لكنه يعجز عن ذلك فيهجر زوجته ويتخلى عن عائلته ويذهب ليجد عن البغايا ما يلبي طموحه الجنسي.

قي قصة "هن" نجد الحديث عن المحرمات التي تجعل من الفتاة محرومة من ممارسة أي فعل يشير إلى فرحتها أو سعادتها، فمفهوم الممنوح والعيب مهيمن في القصة، "تذكرت حين أهتز جسدها في المرة الأولى للطبل، حبستها أمها بين جدران غرفتها يومين كاملين وحذرتها:

ـ لا تقليدي الجواري فاقدات الحيا

ـ بنات العرب لا ينكشفن على الليل" ص36، بهذا المحذورات والمنوعات يتم حرمان الفتاة من ابداء أي شكل من أشكال الفرح والبهجة، فهي تعيش في مجتمع يحرم هذه الأعمال ولا يبيحها.

في قصة "وشيجة اللون" تحدثنا الكاتبة عن مشاهر المرأة عندما يكون زوجها متعلق بأخرى، فهي تريد الزوج أن يكون لها وحدها، كما هو يريدها، فتصف لنا حالها بهذا الشكل: "لكني لم أكن أعرف كيف أعاملك وظل امرأة أخرى بلوح في خلفية المشهد، كيف لي أن أنظر في عينيك، وعيناك لها" ص43 و44، بهذا الطرح يتم تكسير مفهوم تعدد النساء في حياة الرجل.

في قصة "صرير الأبواب المحكمة" تحدثنا عن حالة المرأة بعد أن تموت والدتها ويمرض الأب والأخ في الغربة، ففي هذه القصة تقول لنا بأن المرأة أكثر صلابة وقوة من الرجل، حيث تتحمل كل هذا العبء وحدها ودون مساعدة من أحد.

في قصة "مطارة"  تكشف لنا فساد الشرطة ورجال الأمن فهم لا يقلون فساد عن المجرمين، القصة تتحدث عن فتاة تتعرض للمطارة من قبل سيارة تعرف لونها ونوعها ورقمها، تذهب إلى المخفر لتقدم بلاغ، فتجد  الشرطي غير مهم بالموضوع ويرد عليها بسخرية، وبعد أسبوع تعود إلى المخفر لتعرف أين وصلت قضيتها، لكنها تجد عين الشرطي يتكلم باستهتار، تخرج من المخفر إلى ساحة الكراج، تجد السيارة التي كانت تطاردها،  فتحدث فيها أضرارا تعبيرا عن سخطها، وانتقاما من الشرطي الذي كان هو من يطاردها.

القصة الأكثر جمالية في المجموعة هي قصة "ريا" وهي حكاية شعبية، كتبت عن الفتاة الأميرة التي تحب رجلا عاديا، لكن الممنوعات والمحظورات تحول دون إتمام العلاقة بينهما. 

المجموعة من منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، دار الفارس للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى 2004            

2016-01-06