رام الله -الحياة اللندنية: سرعان ما تبين أن الخبر الذي أشيع حول إصابة الرئيس محمود عباس بجلطة دماغية غير صحيح، لكنه ذكّر الفلسطينيين بأن رئيسهم تجاوز الثمانين عاماً، وأن مغادرته المشهد لأي سبب كان سيتركهم في فراغ بسبب عدم وجود نائب للرئيس، وعدم وجود برلمان يمكن لرئيسه أن يتولى رئاسة السلطة لمدة شهرين تجرى خلالها الانتخابات الرئاسية، وفق ما ينص عليه النظام الأساسي للسلطة.
وترافق الخبر مع ظهور سلسلة أزمات وخلافات داخلية، منها إبعاد ياسر عبد ربه عن منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واستبداله بصائب عريقات، وإغلاق مؤسسة يديرها رئيس الوزراء السابق سلام فياض. وتوّجت هذه الصراعات بهجوم غير مسبوق شنه أحد أبرز قيادات حركة «فتح»، اللواء جبريل الرجوب، على الرئيس عباس، عبر محطة التلفزيون الرسمي، وصل حد وصف قراراته الداخلية والخارجية بـ»المتخبطة».
ويرى كثير من المراقبين في هذه الأنباء المتواترة إشارات قوية على بدء معركة الخلافة على رئاسة السلطة الفلسطينية، بخاصة أن عباس عبر عن رغبته في الاستقالة في حال عدم تدخل المجتمع الدولي للضغط على الحكومة الإسرائيلية.
وأظهر عباس إشارات قوية على أنه يفضل صائب عريقات لخلافته. ومن هذه الإشارات أنه اختاره لموقع أمانة سر منظمة التحرير، وهو الموقع الذي شغله عباس في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات وأهّله لخلافة عرفات فور وفاته.
وعلى رغم أن عريقات واحداً من أكثر السياسيين ولاء لعباس، لكنه لا يتمتع بدعم كبير في حركة «فتح» التي انتمى إليها متأخراً. ويقول العديد من قادة «فتح» الأقوياء أنهم يعارضون بقوة ترشيح عريقات لخلافة عباس، و"أن مغادرة الرئيس الحلبة تعني مغادرة فريقه وفي مقدمهم عريقات" بحسب قول أحد كبار قادة «فتح».
الحصان الرابح
ومقابل عريقات يقف القائد الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي «حصاناً رابحاً» في أي سباق انتخابي قادم، إذ يتصدر جميع استطلاعات الرأي العام. وتقول مصادر مقربة من البرغوثي الذي يمضي حكماً بالسجن المؤبد خمس مرات (مدى الحياة)، أنه حسم أمره وسيخوض الانتخابات الرئاسية في حال إجرائها. ويرى كثيرون في البرغوثي صورة شبيهة بالقائد الجنوب أفريقي نلسون مانديلا الذي قاد معركة النضال ضد العنصرية من سجنه إلى أن اضطر النظام إلى إطلاق سراحه، وعقد معه اتفاقاً يقضي بإنهاء نظام الفصل العنصري في تلك الدولة. ويقول مقربون من البرغوثي أنه يستطيع تعيين نائب أو أكثر له لإدارة السلطة الوطنية من السجن في حال فوزه في الانتخابات.
ويرى رئيس مركز البحوث والدراسات السياسية والمسحية خليل الشقاقي في مروان البرغوثي المرشح الأبرز لخلافة عباس نظراً لأنه يتمتع بـ"الشرعية الثورية" و"الشرعية الدستورية"، مشيراً إلى وجوده في الأسر على خلفية مواقفه ونشاطاته الوطنية، وتمتعه بشعبية كبيرة تؤهله للفوز في أي انتخابات قادمة. ويعتبر البرغوثي أن توليه رئاسة السلطة هو الوسيلة الوحيدة لتوفير ضغط دولي ومحلي على إسرائيل لإطلاق سراحه.
ومن أبرز المرشحين لخلافة عباس كل من جبريل الرجوب ومحمد دحلان اللذين يتمتعان بقوة كبيرة في حركة «فتح» وفي الشارع الفلسطيني.
ورجوب قائد يتمتع بكاريزما لافتة، ويمتلك العديد من عناصر القوة التي تؤهله للتنافس على خلافة عباس منها أنه عضو في اللجنة المركزية لحركة «فتح» ومسؤول أمني سابق، ورئيس لاتحاد كرة القدم ذي الجمهور الواسع خاصة بين الشباب.
وتميز رجوب في عهدي عرفات وعباس بالمبادرات الذاتية وعدم التبعية.
أما دحلان، فهو في موقع مماثل يؤهله للمنافسة على رئاسة السلطة الفلسطينية، ونجح في السنوات الأخيرة بتعزيز مواقعه في الشارع الفلسطيني خاصة في قطاع غزة ومخيمات اللاجئين في الوطن والشتات.
ويقول مراقبون في قطاع غزة إن دحلان يتمتع بقوة كبيرة في حركة «فتح». وزادت شعبيته بصورة كبيرة في الشارع الغزي بعد فشل كل من حركة «حماس» والسلطة الفلسطينية في المصالحة وفي رفع الحصار عن القطاع وفي معالجة المشاكل الاقتصادية الناجمة عنه.
ويقيم دحلان، الذي يعد من أبرز القيادات الكارزمية المؤثرة، في الإمارات العربية المتحدة منذ خلافه مع عباس قبل خمس سنوات. ونجح من موقعه في هذه الدولة في توجيه الكثير من الدعم المالي للمخيمات الفلسطينية في غزة ولبنان وفي تعزيز مواقعه في حركة «فتح».
ويظهر اسم سلام فياض رئيس الوزراء السابق مرشحاً محتملاً. وتزيد فرص فياض في حال تفجر الخلافات داخل حركة «فتح» وتنافس أكثر من مرشح، وهو أمر غير مستبعد.
ويرى مراقبون أن فياض لديه فرصه للحصول على دعم واسع من المستقلين الذين تزداد أعدادهم يوماً وراء يوم بسبب فشل القوى السياسية في تحقيق الحد الأدنى من الأهداف الوطنية.
ويظهر أيضاً اسم رئيس الوزراء الأسبق من حركة «حماس» إسماعيل هنية في موقع متقدم في السباق الرئاسي. وتشير بعض استطلاعات الرأي العام إلى أن هنية يفوز على عباس في حال إجراء الانتخابات اليوم، كما أنه سيفوز على أي مرشح آخر من حركة «فتح» باستثناء مروان البرغوثي.
لكن حركة «حماس» تقول في اللقاءات الخاصة أنها لن تنافس على مقعد الرئاسة بسبب تعرض حكومتها السابقة إلى حصار دولي بعد رفضها الاستجابة للشروط الدولية خاصة نبذ العنف (المقاومة) والاعتراف بإسرائيل. ويقول مسؤولون في الحركة إنهم يفضلون دعم شخصية مستقلة في الانتخابات القادمة، ما يعزز فرص المستقلين مثل سلام فياض في حال نجاحهم في إبرام اتفاق مع حركة «حماس».
صراع أو وفاق
ويتوقع العديد من المراقبين تفجر الصراعات في حركة «فتح» على خلافة عباس بسبب عدم انتخاب نائب للرئيس سواء في قيادة الحركة أو في منظمة التحرير أو في السلطة.
لكن بعض قادة الحركة يقولون إن الخيار الوحيد المتاح للحفاظ على وحدة «فتح» والمنظمة والسلطة هو قيام اللجنة المركزية باختيار الرئيس أو مرشح الرئاسة في اقتراع سري. وقال أحد أبرز قادة الحركة أنه سيرشح أحمد قريع، رئيس الوزراء الأسبق، وأحد أبرز القادة المؤسسين لخلافة عباس، معتبراً أن «قريع رغم أنه ليس المرشح المثالي لكنه قد يكون مرشحاً توافقياً لتجنب صراع الأقوياء».
عن الحياة اللندنية