بالأمس صرح د. صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالفلسطينية تصريحاً غريباً ولكنه ليس عابراً وله أبعاده ودلالاته حينما أشار بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، أحيا الادارة المدنية الإسرائيلية من جديد، وان يوئاف مردخاي منسق شؤون الحكومة الاسرائيلية في الضفة الغربية بات الرئيس الفعلي للشعب الفلسطيني! ، بالمقابل ظهر الرئيس الفلسطيني محمود عباس متعباً للغاية في إجتماع اللجنة المركزية أول أمس، حيث كان مصراً على التمسك فيما يريد وفيما يرى بلغة التحدي لخصومه وكان يتحدث بلغة عصبية ومنفعلة وهو يؤكد على موضوع التنسيق الأمني ويشير إلى ساعة يده محاكياً الإعلام ومتجاهلاً حساسية هذا الأمر بالنسبة لأبناء الشعب الفلسطيني، وعدم معرفتهم التفصيلية في ضرورياته من عدمها ، كما أنه لم يكن كما بدا للمراقبين يعير أي إهتمام لمستمعيه من أعضاء اللجنة المركزية، أو حتى التشاور معهم بقدر ما أراد أن يرسل لهم رسالة قوية خلاصتها تتمثل بأنه موجود، وسيبقى يفعل ما يريد وهم عبارة عن قادة للإستماع والتصفيق فقط!، كما تم أيضاً ملاحظة أنه أخطأ وتلعثم في الحديث عندما أشار إلى أن هذا العام هو عام 2019 بدلاً من عام 2016 في دلالة على التوتر والإنفعال والقلق!.
هنا، من المفيد أن أستحضر كلمات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل عدة ايام عندما كان يتحدث بطريقة لينة وصارمة في نفس الوقت حين قال أن الثورة المصرية لم تأتي من قِبَل الجميع ولكنها أتت من أجل الجميع !، حيث أنه أراد بذلك القول أن يطمئن الشعب المصري بأن مصر هي فوق الجميع، فعرف بهذا كيف ينفس ويحتوي بعض الإحتقانات وهذه صفة قيادية مهمة للغاية في التعاطي مع مرحلة الأمواج العالية!، كنت أتمنى على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يكون أكثر هدوئاً وأقل إنفعالاً وأشمل إحتواءاً وقدرة على إمتصاص الغضب، لا أن تظهر عليه علامات ضعفٍ هزت من صورته وتخبطٍ أفقد كلامه مصداقيته وتحدٍ شكك بنواياه !، فالتعاطي مع القضية الوطنية يجب أن يكون برحابة صدر أكثر، ولكن لربما أن عامل السن بدأت تظهر أثاره!، لذلك لا أجد أن إصرار السيد الرئيس محمود عباس على الإشارة إلى الجهود الحثيثة التي تبذلها القيادة الفلسطينية في هذه الأيام في إطار السعي لعقد مؤتمر دولي للسلام هي مسألة حيوية وعملية، وفي تقديري أن هذا هو ما يعلمه جيداً بأنه لن يجدي نفعاً ولن يغير شيئاً، وأنا أود فقط هنا أستعين بما طرحه مستمعيه من زواره بخصوص رأيه عندما يسألونه عن الحل فيكون رده بأنه لا حل قريب في إشارة لإدراكه التام بأن الإدارة الأمريكية هي صاحبة القرار في هذا الأمر وهي مشغولة في أمور أكثر أهمية مما يطرحه!! ، كما أن المراهنة على دخول الشقيقة الكبرى جمهورية مصر العربية إلى عضوية مجلس الأمن ينتابه شكوكاً بقدرتها على تحريك هذا الملف ليعود بفائدة وطنية مرجوة سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ظل الظروف القائمة!، حيث أنها طالبت بإنهاء الإنقسام الفلسطيني على أساس حل المشاكل الداخلية التي تجتاح حركة فتح وخاصة فيما يتعلق بالمشكلة الرئيسية القائمة بين الرئيس عباس وعضو المجلس التشريعي محمــد دحلان الذي تربطه علاقات جيدة مع الجانب المصري من جهة وأصبح له نفوذ لا يستهان به في الضفة وغزة من جهة أخرى لتشكيل موقف فلسطيني موحد، ومع ذلك لم تفلح مصر حتى اللحظة بترميم هذا المشكل أو حله!، مما جعلها كما يبدو لم تكن متحمسة لإستقبال الرئيس عباس في الفترة الماضية في إشارة إلى أن هناك عدم رضى ولربما توتر ما في العلاقة! ، وبالتالي وجود الإنقسام في حد ذاته سيكون أهم عوامل الفشل في حشد أليات الضغط من أجل عقد مؤتمر للسلام في هذا الوقت، مع الأخذ بعين الإعتبار أن الظروف الإقليمية والدولية لا زالت غير ناضجة للذهاب في هذا الإتجاه، هذا بالإضافة إلى أن هناك أصواتاً فلسطينية أخذت تفسر هذا التوجه بأنه يتضارب مع مفهوم إعلان الدولة في الأمم المتحدة في عام 2012 كدولة مراقب غير عضو!، وهذا له دلالات عدم الرضى في الساحة الداخلية!.
هنا أيضاً لابد من التطرق إلى ما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية قبل يومين وهي الصحيفة الأكثر شهرة وموضوعية حين نشرت مقال بإسم هيئة تحرير الصحيفة تحت عنوان " حلم الدولتين يتلاشى The Fading Two-State Solution " ، تطرقت فيها إلى أقوال السفير الأمريكي في تل أبيب دانييل شابيرو مؤخراً خلال مؤتمر للأمن الذي قال فيها " أن إسرائيل تخلق بشكل سريع كل يوم حقائق جديدة على الأرض من خلال توسيع المستوطنات على الأراضي الفلسطينية مما يثير أسئلة مشروعة حول نوايا إسرائيل طويلة الأجل بخصوص الإلتزام بحل الدولتين " Speaking at a security conference, Mr. Shapiro said, correctly, that Israel’s quick-moving expansion of settlements on Palestinian lands “raises honest questions about Israel’s long-term intentions” and commitment to a two-state solution ، مما يعطي إنطباعاً بأن قيادة الرئيس عباس أصبحت تواجه تحديات أكثر تعقيداً أدت إلى حالة من العجز في تحقيق أي تقدم في عملية السلام وعدم المقدرة على التعاطي بما تقوم به إسرائيل من مشاريع إستيطانية متسارعة كل يوم ، وعدم تحقيق الأمن للمواطنين الفلسطينيين، وزيادة الشروخ والصراع بين أعضاء القيادة الفلسطينية، بالإضافة إلى الفشل الذريع حتى اللحظة في إنهاء الإنقسام على الساحة الفلسطينية ، أيضا لا بد من عدم تجاهل العمر الزمني للرئيس عباس وقدرته على مواجهة هذه التحديات الضاغطة بقوة في ظل وجود حقائق تقول بأن سيطرته على الشارع لم تعد كما كانت!، وهناك صراعاً بدأ بالفعل على وراثته وكأن الرجل أصبح يقيناً في طريقه لمغادرة المشهد ، وبالتالي هناك حقيقة باتت واضحة بأن المرحلة تمر في حراك الربع ساعة الأخير في ظل مشهد فلسطيني مأزوم!!!.
كاتب ومحلل سياسي
فلسطين.