أثارت تصريحات الرئيس محمود عباس حول تمسكه بالتنسيق الأمني وما قاله اللواء ماجد فرج جدل وضجة، تصريحات جديدة قديمة تعبر عن رؤية السلطة وما أنتجته أوسلو وإفرازاتها، وغياب الرؤية الوطنية الجامعة، وتعبر عن إستمرار نهج الإقصاء والتفرد والتمسك به، ومحاولة كل طرف استلاب الآخر ما يملكه من عوامل قوة لإضعافه، وتعبر عن ما وصلنا له من انهيار في النظام السياسي، والجمود الفكري والسياسي، وعدم القدرة على تجديد ذواتنا بالوقوف مطولاً أمام التحديات والمخاطر التي تهدد مشروعنا وهويتنا الوطنية، ومراجعة سنوات الماضي العجاف.
عشرون عاماً ولم ننتج سوى الهزيمة والتدهور على مستوى مشروعنا الوطني وقضيته ولم نحقق الحد الأدنى من طوحنا بوطن وحرية وكرامة، وكل ما حققناه سلطة بائسة بحاجة إلى إعادة تفكير جدي في بنيتها ومشروعيتها.
يعيش ما يسمى النظام السياسي الفلسطيني حال من التيه والنفاق وعدم قدرته على الخلاص من العجز المقيم فيه، الرئيس محمود عباس في كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر العام الماضي تحدث عن معاناة الفلسطينيين والجرائم والإنتهاكات التي ترتكبها إسرائيل والمستوطنين بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وضرب أمثلة بقتل الطفل محمد ابو خضير حرقا في القدس، وحرق عائلة دوابشة، وهدد بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل.
وتزامن خطابه مع إرهاصات الهبة الشعبية واندلاع مواجهات في القدس والضفة الغربية على إثر الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، ودار جدل وتحليلات وتفسيرات لخطابه خاصة فيما يتعلق بالتهديد بقطع العلاقة مع الاحتلال ووقف التنسيق الأمني بناء على قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير.
ووجهت إسرائيل اتهامات للرئيس عباس والسلطة الفلسطينية بالتحريض على العنف، وما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من هبة تحولت من جماهيرية سلمية كما أرادها الرئيس لفترة زمنية محددة لاستثمارها إلى هبة من عمليات الطعن والدهس يقوم بها فتية وفتيات منهم عدد كبير لم يتجاوزوا السادسة عشر من أعمارهم.
إسرائيل محقة في أن الرئيس عباس يحرض على العنف وحرض الفلسطينيين على الانتفاض في وجه إسرائيل وكذلك وسائل الإعلام التابعة لحركة فتح والسلطة، وعليه ان يفتخر بذلك وأن لا يهرب من هذه التهمة النبيلة، فهو من يدعو للمقاومة الشعبية السلمية. وعند عودته إلى رام الله استقبل استقبال الأبطال، وبدأ التغني والقول ببدء مرحلة جديدة من العلاقة مع الإحتلال، فهؤلاء الفتية والفتيات صدقوا الرئيس وحركة فتح واستمروا في الخروج بمسيرات جماهيرية والقيام بمواجهات مع الجنود الإسرائيليين على الحواجز، وعندما غاب العمل الوطني الجامع بالمقاومة الشعبية والسلمية المنظمة توجهوا للعمل الفردي والتضحية بأنفسهم بطعن السكاكين وما يملكون من أدوات حادة.
وبعد سقوط 100 شهيد وشهيدة تذكرت القيادة الفلسطينية ان هؤلاء الفتية والفتيات لا يقوموا بعمل وطني، إنما يقدموا على الانتحار مجاناً، وأين كنتم عندما تركوا وحيدين يعيشون الوحدة واليأس والإحباط وغياب الأمل والعمل الوطني الجامع، والاستثمار في هذه الطاقات المغيبة عن عمد، وعزلهم عن المشاركة في أي عمل وطني وهم يعيشوا حياة البؤس والقتل والاعتقال اليومي ويشاهدوا تهويد القدس والاعتداء على المقدسات ومن دون أي حماية، ماذا تنتظرون منهم؟
القيادة لم تفكر بالعمل الجامع وتوجيه خطاب وطني حقيقي والتهديدات والمخاطر التي تحيط بنا، ولم تتخذ خطوات حقيقية لتوحيد الصف، وفضلت التعامل مع الشعب الفلسطيني وهؤلاء الفتية بأنهم خطر عليها، وعلى أنفسهم وإستمرت كعادتها بالمعالجة الأمنية لحالة وطنية ليست فريدة من نوعها، إنما هي امتداد للمقاومة والنضال الفلسطيني، وشكلت ظاهرة في فضح عجز كل مكونات النظام السياسي.
عكس الجدل القائم غياب الأمل والأفق لإتمام المصالحة وإنهاء الإنقسام، ويبدو ان القيادة متمسكة بمواقفها ولا تريد التغيير الحقيقي وغياب الاستراتيجية الوطنية والوحدة وإنهاء الإنقسام وعجز القيادة والفصائل عن تقديم خطاب وطني جامع، وفتح نقاش وحوار وطني عميق لإعادة الإعتبار للقضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني وإصلاح النظام السياسي على أساس الشراكة الحقيقية وعدم الاستفراد والإقصاء