الثلاثاء 4/4/1446 هـ الموافق 08/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
زمن العجاف....ميساء البشيتي

زمن العجاف

سنة .. سنتان .. سنوات من عمرنا مرت كلمح البصر .. ربما .. لكنها كانت بكل تأكيد سنوات عجاف .

كنا فيما مضى حين تحاصرنا أزمة ما أول ما يظهر منا هو كتلة متدفقة من الشجاعة.. تسري في دماءنا ، تعلن للملأ أننا سنقهر الأزمات ، سنتصدى لها ، سنطيح بها .

 حدث هذا .. نعم حدث هذا ولا أنكر لأننا فعلاً كنا نتسم بالشجاعة الحقيقية والقوة التي لا تقهرها أزمة أو أزمات .. لم نكن نلحظ فيما مضى .. ربما لأننا صرفنا كل الاهتمام للنجاح الكبير الذي حققناه في الانتصارات الخرافية على الأزمات .. لو أمعنا النظر قليلاً لوجدنا أن هذه النجاحات وهذه الانتصارات لم تكن خالية من بعض الانكسارات ومن بعض الهزائم .

 لا شيء يدخل النفس ويخرج منها إلا ويترك أثراً بسيطاً فيها ! ومع تراكم الأزمات يأخذ هذا الأثر في الاتساع شيئاً فشيئاً ويصبح له تأثيراً ونفوذاً علينا ؛ فننصاع إليه  بإرادتنا دون أن نحاول مقاومته أو التمرد عليه .

في الماضي حين كنا نخرج من الأزمة كنا نسامح الجميع ، نفتح صفحة بيضاء ونكتب فيها يومياتنا من جديد .. أما ما حصل في الأزمة الأخيرة فقد كان غير عن كل تلك الأزمات .. لم نسامح الجميع كعادتنا .. لم نسامح أحداً !

الطيبة اختفت من تعاملنا مع الآخر ، لم نعد نلتمس الأعذار للآخرين ، لم نعد نغفر هفواتهم ، لم يعد لمبدأ " حسن النية " أي وجود على السطح .

 فقدنا لغة العتاب .. لم نعد نتعاتب كالسابق .. أصبحنا لا نتعاتب أبداً ؛ فترسخت الخلافات بيننا  .. وعلت حتى أصبحت كالسد .. أخذت تمتد طولاً وعرضاً  في وجوهنا فلم نعد نرى من الآخر أي شيء!

أصبحنا أقواماً عصبية المزاج .. سهلة الاستفزاز .. صعبة التعامل .. لا شيء يرضيها .. لا شيء يستدر عطفها أو يستميل ودها .

لم تعد الذكريات الجميلة توقظ فينا أية أحاسيس أو مشاعر .. بل لم نعد نفتح علب الذكريات أصلاً .

لم نعد ننتظر الأحبة على قارعة الطرقات أو تحت الشرفات .. لم نعد نغفو قرب الهاتف في انتظار رنينه .. لم نعد ننتظر ساعي البريد ونلح عليه في السؤال

 "هل من مكتوب لي ؟ "  .. لم نعد نرددعلى مسامع الآخر  هذه الأغنية أسمعها لأجلك فقط ، لأنها تذكرني بك .. لم نعد نقول خطرت على بالي أو مرَّ طيفك في منامي .. لم نعد نسأل الليل عن أحد .. لم نعد نُعدُّ فناجين الصباح لأحد .. لم نعد ننتظر حبات المطر أن تدق نوافذ المساء ولا حتى االزوابع أن توقظ بزمجرتها قلوباً غابت في سباتها .

لم نعد نتشارك الفرح مع أحد .. لم نعد نتقاسم إلا الأحزان .. لم نعد نذكر إلا الأخطاء .. لم نعد نحاسب إلا على الهفوات .. ما عاد يسكننا إلا الأرق والقلق .. ما عادت لنا لغة نتحدث بها سوى لغة الخصام في زمن العجاف .

 

2016-02-17