هناك من اعترض على حديث حماس السياسي والعسكري، عن شبكة الأنفاق والتهديد بها، وهي تلك التي قامت بتشييدها وسواء المثبّتة في بطن القطاع أو المتجهة إلى إسرائيل، باعتبارها من إنجازات المقاومة، وقد يكون للمعترضين مبررات، ترتكز على أنها من الأسرار العسكرية التي لا يجوز الكشف عنها، وعلى أن الحديث بشأنها لا يعدو كونه حالة من التسيّب الأمني والفلتان الإعلامي، وبالتالي إعطاء ذريعة مسبقة لإسرائيل، باتجاه تشغيل حرب مجنونة ضد القطاع وبلا أي تمييز.
وبنفس الصيغة – تقريباً- واجه الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" اعتراضات، بشأن إعلانه خلال خطابه الأسبوع الفائت، عن أن لدى حزبه القدرة (تُماثل قنبلة نووية) على ضرب حاويات الأمونيا الكبيرة المتواجدة في المنطقة الصناعية في خليج حيفا، في حال اندلاع حرب جديدة، وهناك مبررات أيضاً، بأن لا يجوز الكشف عن قوّة الحزب الصاروخية، أو إعطاء إسرائيل الفرصة لتفادي أي مخاطر محتملة، أو عن خشية من أن يكون الإعلان عنها والحديث بشأنها، حافزاً أمام إسرائيل لاكتساب المزيد من الإدانات الدوليّة ضد تلك التهديدات.
ربما نجمت تلك الاعتراضات عن تسرعٍ وعجلة، باعتبار أن التهديدات لم تكن جزافاً، أو من غير هدف، بل جاءت عن قصد وإصرار، وسواء من حماس أو "نصر الله" وذلك رغبةً في إذكاء الحرب النفسيّة باتجاه إسرائيل، فبالنسبة لحماس فإن التحدث حول الأنفاق وبإسهاب غير مُمل، يأتي ترتيباً على اعتقادها بأنها هي الرابحة في هذا المجال، بسبب أن الإسرائيليين (ككل)أكثر عرضة للتأثّر بها من العرب والفلسطينيين، وفي ضوء أن بات لديهم، بأن الأنفاق الواصلة إلى أسفل مخادعهم، ماهي إلاّ مصانع للسلاح ومسارات للمقاومة، وأماكن آمِنة للمحتجزين الإسرائيليين لدى الحركة.
وهي – الأنفاق- وإن تمّ العلم عن بداياتها، فلا أحد يعلم بمساراتها، ولا إلى أين تنتهي، والتقدير نفسه ينطبق على حزب الله، الذي قصد ردع إسرائيل عن شن أي حرب، من خلال تهديده باستهداف حاويات الأمونيا، باعتبارها أقرب وأبلغ أثراً لدى الإسرائيليين من استهداف منصات الغاز في عرض البحر.
أي كيان قائم، وسواء كان دولة أو أي جهة تُواجه مشكلات عدائية، تمنح حيّزاً ما للحرب النفسية، وإن كان بنسبٍ مختلفة تهبط وتصعد تبعاً للقوّة التي تملكها، والوقت وكميّة الحاجة إلى تلك الحرب، وخاصة بالنظر إلى فاعليتها، والتي غالباً ما تفيض عن الحرب العسكرية ذاتها، بحيث تحول دون اندلاع النار بين أطراف كانت على شفا الهاوية، وتضع حداً للنار المشتعلة.
اعتمدت إسرائيل منذ نشأتها على الحرب الدعائية، وعلى المستويين السياسي والعسكري، حيث داومت على تنبيه العرب والفلسطينيين وجهات مُعادية أخرى، إلى قوّة الردع التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي، واستمرّت على التهديد بتطبيقها على الأرض، في مُقابل احتوائها المواقف والتهديدات العربية التي تنطلَق باتجاهها.
وكانت شهدت الفترة الماضية المزيد من التهديدات الإسرائيلية، لأغراض نفسية، تُوحي بأنها على استعدادٍ للقيام بتهديم ما تبقى من قطاع غزة في حال اضطرت إلى ذلك، أو تلك التي تهتم بشأن شن حرب غير مسبوقة، ضد الأراضي اللبنانية، وخاصة ضد منطقة الضاحية الجنوبية في قلب العاصمة بيروت، باعتبارها مركز تنظيم حزب الله، حيث يضم كبار قادته ومؤسساته السياسية ووسائله الإعلاميّة.
حتى هذه الأثناء، فقد أفاض وزير الجيش الإسرائيلي "موشيه يعالون" ورئيس أركانه "غادي آيزنكوت" وقياديين آخرين، بالحديث عن أن الجيش الإسرائيلي، يمتاز بقوة ردعٍ فائقة، تُمكّنه من غير جهدٍ يُذكر، التهام أي أعمال عسكرية عدائية، ومن ثم تحقيق النصر، ما يعني أن على المقاومة، وسواء في الشمال (حزب الله) أو في الجنوب (حماس) المحافظة على الهدوء.
برغم قوّة الردع التي تحدّثوا عنها، والظهور بعدم الانشغال كثيراً بالتهديدات المُستلمة، إلاّ أن تأثيراتها بدت بالغة، فبالإضافة إلى التأثيرات النفسية الكبيرة التي غمرتهم قبل طوافها أنحاء إسرائيل، جعلتهم يُفكرون جدّيّاً، بإيقاف أو تبطيئ أي نوايا عدوانية، وسواء ضد القطاع، أو ضد الأراضي اللبنانية، حيث يتعذّر القيام بعمل عدائي باتجاه القطاع، طالما لم تجد مسألة الأنفاق حلولاً ناجعة للقضاء عليها.
كما أن التهديد باستهداف الحاويات، أصبح بمثابة الرباط الذي أوثق أيديهم إلى خلف ظهورهم، من القيام بمغامرة عسكرية ضد الأراضي اللبنانية أو ضد التنظيم على الأقل، وفي ضوء تعوّدهم على صدقيّة التهديدات التي يقوم بالإعلان عنها "نصر الله"، حيث اضطرّوا لأن يُفكّروا كـ (مبدأ أمان)، بنقل تلك الحاويات – وربما غيرها - إلى أماكن بعيدة.
خانيونس/فلسطين