الخيارات الوطنية في الساحة الفلسطينية محدودة , وإنشغال لقاءات المصالحة وحصرها في تفاصيل الحكم لا يؤسس لأرضية صلبة تقودنا لإنهاء الإنقسام, بما أن تجربة السلطة تحت سطوة الإحتلال من أكبر المصائب التي حلت بالشعب الفلسطيني ,وكان لها مردودها السلبي على القضية الفلسطينية , بل وأثرت علي طبيعة القضية التحررية وجوهر أدواتها المشروعة, فإن المطلوب من الحوارات الفلسطينية الإتفاق على المشروع الوطني الفلسطيني وأدوات إنجازه.
فلقد أضر المسلك التفاوضي بالصورة التاريخية لمظلومية الشعب الفلسطيني, الذي كان يسعى بكل صور النضال والمقاومة , من أجل إنهاء وإزالة الإحتلال عن أرضه , فها هو الفلسطيني وفقا ً لإتفاقية أوسلو يرضى بالفتات من وطنه مقابل سلطة شكلية في مهب الإحتلال ,فما خسرناه بإنشاء السلطة الفلسطينية على الأرض المحتلة وفقاً لإتفاقية أوسلو ؟ هو توافقنا الفلسطيني والذي إخُتطف لصالح مشروع التسوية , فبعد أن كانت جميع فصائلنا الفلسطينية تؤمن بخيار الكفاح المسلح لإزالة الإحتلال كإستراتيجية لا نكوص عنها, أصبحت بعض فصائلنا تؤمن بالمشروع الأمريكي للمنطقة القائم على أساس أن التسوية مع الإحتلال خيار إستراتيجي , وأن "إسرائيل" جزء من الجغرافيا العربية , يجب الإعتراف بها وإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة معها, ومع ذلك وعبر أكثر من عشرون عاماً لم يحقق المسار الأمريكي للفلسطيني شيء ذو قيمة , حيث أن مخطط التسوية كان يصب بروافده المتعددة , في مصلحة الكيان الصهيوني ومحاولات دمجه في محطيه العربي , وبإعتراف منظري الفريق التفاوضي أن النتيجة على الصعيد الوطني الفلسطيني صفر كبير , ولعل الجواب الأكثر وضوحاً على فشل نهج التسوية, هو إنطلاق الشعب الفلسطيني بإنتفاضات وهبات جماهيرية ويخوض الشباب الفلسطيني اليوم إنتفاضة القدس, ذلك الحراك الثوري كشف عوار المسار التفاوضي وفشله, لتؤكد الجماهير من جديد رفضها لهذا المسار العبثي, وإيمانها بالخط المقاوم لمواجهة إجراءات الإحتلال وإعتداءاته على الأرض والمقدسات والإنسان في فلسطين , وهنا تمكن أهمية الحوار الجاد على البرنامج الوطني الفلسطيني والإتفاق علي محدداته الرئيسية وأدوات التنفيذ وصولاً للهدف الوطني المجمع عليه , بعيداً عن التمسك بالسلطة الشكلية التي لا تقدم أي مساهمة جادة في طريق إنجاز الإستقلال والحرية للوطن والمواطن .
وفي زحمة الأحداث الفلسطينية وإشتعال الأوضاع الميدانية في مدن الضفة المحتلة عبر فعاليات إنتفاصة القدس , وتمسك السلطة بمسارها التفاوضي وحفاظها على التنسيق الأمني مع الإحتلال , وتواصل اللقاءات الأمنية والسياسية بين قادة السلطة والقادة الصهاينة , يدور الحديث مؤخراً عن جولات للحوار في العاصمة القطرية الدوحة , بين طرفي الإنقسام السياسي الفلسطيني , وتتضارب الأخبار الواردة حول نتائج هذا الحوار, وتتعلق عليه آمال كثيرة في توحيد الصف الفلسطيني , ولكن الملاحظ في الحوارات بين حركتي حماس وفتح أنها تنحصر في آليات الحكم وإدارة الواقع الحياتي اليومي للفلسطينيين بعيداً عن البرنامج السياسي, والمطروح في الحوارات لا يتجاوز ترتيب الحالة الإدارية للحكومة بعيداً عن معالجة الإنقسام السياسي الحاد , وهنا تمكن عوامل الفشل لأي حوارات لا تعالج أساس المشكلة وحقيقة المعضلة الفلسطينية وهي سياسية بإمتياز, فالإصرار على ثنائية الحوارات لا يفيد في تخطي الإنقسام الحقيقي وهنا نؤكد أنه من المفيد إشراك الفصائل الفلسطينية الوازنة وذات التأثير في الحوارات, ومما لاشك فيه أن الحوارات الثنائية تتركز في محاولة طرفيها تحقيق الإنجاز الخاص لفريقه على حساب الطرف الأخر , وميدانهم هو مؤسسات السلطة والحكومة, في إطار ما يسمى بتقسيم الكعكة , ومن المؤكد حتى لو تم التوقيع على أي إتفاق بين حركتي حماس وفتح , فأن الإنقسام السياسي سيستمر, وذلك لإنعدام الرؤية الشاملة لترتيب الأوضاع الفلسطينية في إتفاق ثنائي , وهنا تمكن أهمية الحوار الفلسطيني الشامل والذي يتركز على آلية العمل الوطني الفلسطيني بحلتها الجديدة , من خلال إعادة ترتيب البيت الفلسطيني عبر تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية , وإشراك كافة الفصائل الفلسطينية في مؤسسات المنظمة من خلال آلية يتم التوافق عليها ,ولتكن الإنتخابات في مقدمتها, لإختيار قيادة جديدة مجمع عليها فلسطينيا , يتم فرزها بواسطة إنتخابات عامة يشارك فيها الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده .
ومن البديهي أن الحل الوطني لحالة الشرذمة السياسية, يكمن في ترتيب الأولويات الفلسطينية , بشمولية تتضمن مسارات العمل الوطني في معركة التحرير التي يخوضها شعبنا ضد الإحتلال , فما كان يتم عليه الحوار قبل سنوات لا يصلح لأن يكون بداية للحوار الآن , فشعبنا بحاجة إلى الوحدة الشاملة التي تضمن إستمرارية حالة الوفاق الوطني ومواجهة أي مخاطر تعترضها مرتكزاً في ذلك إلى قاعدة صلبة ,قوامها الوحدة الحقيقة على الأهداف الوطنية, فالأولوية الملحة هي توحيد الخطاب السياسي الفلسطيني القائم على الحقوق والثوابت الوطنية, والذي يتبنى كل الخيارات والوسائل في سبيل إسترداد الحق الفلسطيني وفي مقدمتها المقاومة المسلحة .
ولعل الأسلم فلسطينيا والأكثر ضرورة على صعيد المصلحة الوطنية العليا , هو الإتفاق على برنامج سياسي وطني مرحلي , من خلال عقد حوار فلسطيني شامل لا يستثني أحد, يكون هدف الإستراتيجي رسم المستقبل الفلسطيني وفقاً لرؤية جماعية , يساهم الكل الفلسطيني في إنجاحها ويكون عنوانها الخلاص من الإحتلال البغيض.
كاتب وباحث فلسطيني
23-2-2016م