افتتح الشاب التونسي بوعزيزي بدمه الأبواب لثورة جديدة غيرت مفاهيم وقيم وأعادت كل المصطلحات إلى مختبر البحث من جديد لمحاولة إيجاد بدائل حتى للمسميات فبعد أن كانت كلمة ثورة تنتمي بالمطلق لجهة اليسار بات من الصعب اعتبارها كذلك فقد تمكن الإخوان المسلمين في كل المنطقة من قيادة الأحداث فصعدوا بالثورة الجماهيرية أو ما اسمي بالربيع العربي إلى سدة الحكم في تونس ومصر وقادوا الأحداث في سوريا وليبيا وباتت الحركات الدينية بشتى أنواعها المحرك الرئيس لما يجري وبات الانتماء لما يسمى بالثورة في سوريا يعني الانتماء لمعسكر السعودية وقطر وتركيا بينما لا يلتقي هؤلاء في مصر بحيث تقف السعودية هناك ضد المشروع الاخواني الذي تدعمه تركيا حليفتها في سوريا والعراق واليمن ويصمت الجميع عن الدور الأمريكي في العراق حتى من قبل قوى معروفة بمعاداتها للمشروع الأمريكي كحزب الله وتلتقي حماس مع السعودية وتركيا في سوريا بينما تختلف مع السعودية وتلتقي مع تركيا فيما يخص مصر وتغازل إيران كلما كان الموضوع عن القضية الفلسطينية ومعاداة إسرائيل.
قبل اقل من عقد كان مجرد ذكر كلمة ثورة ترعب القوى الامبريالية وحلفائها الرجعيين واليوم صارت امريكا وحلفائها قادة الثورات بل وصانعيها وبات تأييد امريكا لثورة هنا او هناك يعتبر ضروريا واساسيا لنجاحها بل وبات لإسرائيل دور علني في دعم ما يسمى بهذه الثورات وبات لها الحق الذي ظل غائبا وممنوعا ومعيب لعقود طويلة في ان تتدخل بالشأن العربي وتدلي بدلوها بالراي بل وتشارك وتؤيد هذا الفعل وترفض وتمنع وتعارض ذاك الا يعني ذلك جليا ان المفاهيم عن الثورة ودورها قد انقلب بالمسميات والمفاهيم, وان كان الجوهر الغائب لا زال صحيحا ويبقى.
شرارة بوعزيزي ايقظت الشارع العربي من جانب وكشفت عن مرض عضال كان قد اصاب مقومات الثورة الاجتماعية في المنطقة حتى النخاع فبعد ان شاركت كل بقايا اليسار والقوى الليبرالية في مقدمات الثورة ودفعها للأمام وجعلها حالة جماهيرية يصعب كسرها تبين بجلاء ان الدفع الحقيقي كان بقوى اخرى محافظة كالإخوان المسلمين او ان دور قوى اليسار الفاعل قد غاب كليا وبقي من دورهم ما بشروا به بالعناوين وفي المقدمة العنوان العام للثورة في حين غاب كليا عن هذا العنوان مفاهيم اليسار وحلت محلها المفاهيم التي ظلت تسعى لجذب الجماهير بالفعل وفي الشارع وهي المفاهيم المحافظة وفي المقدمة الاخوان المسلمين وحلفائهم وهم – أي الاخوان المسلمين - تمكنوا في البداية من ادارة نحالف متماسك وناجح ضم الى جانبهم عديد القوى الليبرالية وحتى اليسارية او ذات الجذور اليسارية الا انهم عادوا وانقلبوا عليهم بسبب من نشوة غير مدروسة للنصر في مصر تحديدا مما شجع العديدين على الانقلاب على هذا التحالف والالتفات مرة اخرى الى مركز قوة مرفوض تاريخيا بعرف اليسار وهو العسكر الذين استغلوا الفشل في ادارة التحالفات لدى الاخوان المسلمين وانقلاب الحلفاء عليهم لينقلبوا هم على الثورة ويعاودوا الامسك بها ولينكشف ارتباطهم المطلق بالمشروع الامبريالي الامريكي في المنطقة وقد باتت الامور وكان كل التضحيات التي قدمها الشعب المصري جاءت لمصلحة انقلاب عسكري على حكم مبارك الذي ينتمي لهم في الاصل لا اكثر او انه اعادة تجميل للوجه الامريكي القبيح ودوره في مصر ولذا غازل العسكر في البداية روسيا الاتحادية لما تحتفظ به من تأثير عاطفي استلهمته من الاتحاد السوفياتي في الشارع العربي الحالم بمعاداة امريكا من خلال قوة الاخرين لا اكثر.
أي صورة مهشمة هذه للثورة انجبتها حركات ما يسمى بالربيع العربي, فأنت في فلسطين وسوريا حليف استراتيجي لحزب الله ورافض للمشروع السعودي القطري التركي ( الأمريكي ) هناك وعلى حدود سوريا مع فلسطين المحتلة تجد قوى مثل النصرة ظهيرا لها متمثل بالاحتلال الإسرائيلي وتجد بنفس الوقت دعما سعوديا تركيا فيما يحارب حزب الله المشروع الأمريكي الإسرائيلي في لبنان وسوريا وفلسطين ويصمت عن هذا المشروع في العراق وكذا تفعل إيران التي تحارب وبقوة ضد المشروع الأمريكي في سوريا وتصمت عنه في العراق أو حتى تتحالف معه عند الحاجة.
الموقف الأمريكي نفسه يتطابق مع الموقف السعودي التركي في سوريا ويتناقض معه في العراق ويقف صامتا بلا موقف في اليمن ويدير الأمور بلا إدارة في ليبيا للوصول بها إلى المحرقة ويقدم نموذجا للديمقراطية في اليمن ويتغير بلا توقف في مصر فمن مؤيد للانتفاض على مبارك إلى مؤيد لحكم الإخوان ورافض للسيسي الذي بدا في بداية عهده صديقا لروسيا مختلفا مع الموقف الأمريكي إلى حلفاء من طراز رفيع حاليا فيما يغرق الإخوان في السجون وأحكام الإعدام وبات الحديث الأمريكي عن الشرعية فجأة في خبر كان.
المصريين يعلنون دعما واضحا للفلسطينيين في الضفة الغربية ويعملون على مضايقة حماس في قطاع غزة ولا يخفون علاقتهم بمعارضين للرئيس عباس من داخل فتح وكذا تفعل الإمارات العربية المتحدة التي تختلف مع قطر وتركيا في مصر وتصبح هناك حليفا للسعودية لتعود للاختلاف معها في سوريا ثم لتختلف مع قطر حول التحالفات والتناقضات مع او ضد حماس والسلطة الفلسطينية بقيادة فتح فهي ضد قطر لاحتضانها حماس ومع معارضي الرئيس عباس من فتح في نفس الوقت.
الغرابة في ما يدور في المنطقة العربية أن اللاعبين الأساسيين وهم السعودية ومصر وقطر والإمارات ومعهم تركيا هم حلفاء بالمطلق للمشروع الأمريكي في المنطقة ومع ذلك يتم ذر الرماد في العيون هنا وهناك فتظهر تركيا وقطر كحلفاء لحماس والقضية الفلسطينية في الوقت الذي يقيمون أوثق العلاقات والروابط مع تل أبيب وواشنطن فهم يظهرون وبالعلن احتضانهم لحماس وقيادتها وكأنما لا يخشون الموقف الأمريكي بالمطلق وتظهر أمريكا وكأنها تأخذ مواقف متناقضة هنا وهناك.
والأغرب من كل هذا ان أهم لاعبين اليوم في المنطقة العربية هما قطر والامارات أي انهم اصغر دولتان عربيتان وكان الحال يشير الى ان القادم هي هذه العناوين وان دول كبيرة وقوية مثل السعودية ومصر في طريقهما الى الانقسام كما يحاك اليوم ضد سوريا وكما هو قائم بالفعل في العراق في حين تصمت بشكل لافت دول مثل المغرب والجزائر وكان لسان حالها يقول الي بيته من زجاج يسكت احسن فأمريكا لا تحتمل حتى القاء الحلوى عليها الا ما تريده من هذه الحلوى والا فإنها ستعتبرها حجارة ومن النوع القاسي ايضا.
والسؤال هو هل أمريكا اليوم مربكة وبلا موقف وهي غير مكترثة بما تقوم به قطر وتركيا كحماة وحلفاء للتيارات الدينية بالمنطقة بما في ذلك ما يشاع عن مواقف تركيا المؤيدة لداعش واستقبال محطة الجزيرة القطرية لضيوف يدافعون علنا عن داعش وأبو بكر البغدادي ومشروعهم بعكس مصر التي تفتك بهذه التيارات وتتحالف مع السعودية وتركيا في اليمن ولا تتفق معهم في سوريا وسائر هذه الأطراف تدور في الفلك الأمريكي علنا أم أن الإدارة الأمريكية تقسم ادوار مكوناتها فهناك من يوجه الإدارات السياسية الرسمية والسلطات الحاكمة في الدول العربية ممثلا بوزارة الخارجية وهناك من يدير أنشطة ومواقف الجيوش ممثلا بوزارة الدفاع ومن يدير أنشطة ومواقف القوى والأحزاب والفصائل ممثلا بالمخابرات المركزية, وهذه المكونات الثلاث تقوم بإدارة أنشطة تبدو في بعض الأحيان متناقضة كليا في حين يبدو أن أمريكا تلعب لعبة إستراتيجية واضحة بعد أن غاب عن الساحة العدو الأقوى ( الاتحاد السوفياتي ) فهي تظهر وكأنها تحارب نفسها هنا وهناك لتحقيق أهدافها فما دام المنافس المكافيء قد غاب فلا بد إذن من الإبقاء على حالة المنافسة فأمريكا صار أفضل لها ألف مرة أن تدير حروبها ضد حروبها ما دام السلاح للطرفين لصالحها ولصالح حلفائها وما دام المتقاتلين جميعا يعملون لصالحها أو أن المنتصر فيهم سيكون لصالحها وتلعب روسيا الاتحادية للأسف دور المموه حتى وان كان دون قصد منها فيترك لها أن تصارع وتفعل وتؤثر في سوريا بينما لا تجدها بالمطلق في ليبيا والعرق, وتقوم بدور الداعم لانقلاب السيسي لرفعه إلى مستوى الثورة ثم لا تجد بينهم أي علاقة بعد فترة بسيطة وهي تحارب حربا ضروس في سوريا وتقف أمريكا وحلفائها مترددين هناك تاركين لها كل الساحة.
منذ عرفت الأحزاب والقوى الثورية أرقام حسابات البنوك وقنوات الدعم من الأنظمة العربية النفطية أيا كانت ومن القنوات الأمريكية والأوروبية بات الحديث عن الثورة يشبه الحديث عن لعبة ( لوجو ) يركبها مشتريها بماله كما يشاء ولم تعد الثورة كلمة تحمل نفس معناها القديم فمن أسمى الأنظمة العربية يوما بالرجعية عليه أن يتذكر أن الرجعي أكثر هو من يحالف الرجعية وينفذ مشاريعها بمسمياته الثورة اخطر مليار مرة من رجعية صاحب المصلحة الجذرية برجعيته كطبقة حاكمة أو فاعلة أو كدولة مصالح استعمارية وحين كان الثوار يمولون أنشطتهم البسيطة والثورية من قوت أبنائهم كانوا بحاجة للنصر ليأكلوا الخبز وأولادهم أما اليوم فان النصر الذي قد يأتي قد يجلب معه انسداد قنوات الدعم فهم إذن لا يرغبون به ولا يعملون من اجل تحقيقه لأنه سيأخذ معه بسكوت أبنائهم الذين نسوا الخبز بسبب ديمومة الثورة الكلامية المصرة على عدم تحقيق النصر.
قوى الثورة اليوم في الوطن العربي باتت تختبئ خلف واجهات من منظمات المجتمع المدني تتلقى الدعم المشروط من منظمات امريكية واوروبية او حتى من دافعين بالوكالة مثل قطر والسعودية وقد غيبوا كليا عن الفعل كل برامجهم الثورية واحلامهم التي غنوا لها وجعلوا شعوبهم تأمل بها طويلا لصالح دكاكينهم التي اختزلوها من دكاكين لفئات وشرائح وطبقات الى إقطاعيات صغيرة طفيلية لأفراد منتفعين وغاب الدور الثوري الفاعل لهذه القوى وباتت تشبه الى حد بعيد المؤسسات الاعلامية الغريبة بل والفاشلة حتى في ادارة الشارع والتأثير عليه على قاعدة لنواصل العيش هذا اليوم ونترك الغد للغيب وامريكا.
انقلاب المفاهيم
الثورة من تقدمية المحتوى الى رجعية الاسم
بقلم
عدنان الصباح
افتتح الشاب التونسي بوعزيزي بدمه الأبواب لثورة جديدة غيرت مفاهيم وقيم وأعادت كل المصطلحات إلى مختبر البحث من جديد لمحاولة إيجاد بدائل حتى للمسميات فبعد أن كانت كلمة ثورة تنتمي بالمطلق لجهة اليسار بات من الصعب اعتبارها كذلك فقد تمكن الإخوان المسلمين في كل المنطقة من قيادة الأحداث فصعدوا بالثورة الجماهيرية أو ما اسمي بالربيع العربي إلى سدة الحكم في تونس ومصر وقادوا الأحداث في سوريا وليبيا وباتت الحركات الدينية بشتى أنواعها المحرك الرئيس لما يجري وبات الانتماء لما يسمى بالثورة في سوريا يعني الانتماء لمعسكر السعودية وقطر وتركيا بينما لا يلتقي هؤلاء في مصر بحيث تقف السعودية هناك ضد المشروع الاخواني الذي تدعمه تركيا حليفتها في سوريا والعراق واليمن ويصمت الجميع عن الدور الأمريكي في العراق حتى من قبل قوى معروفة بمعاداتها للمشروع الأمريكي كحزب الله وتلتقي حماس مع السعودية وتركيا في سوريا بينما تختلف مع السعودية وتلتقي مع تركيا فيما يخص مصر وتغازل إيران كلما كان الموضوع عن القضية الفلسطينية ومعاداة إسرائيل.
قبل اقل من عقد كان مجرد ذكر كلمة ثورة ترعب القوى الامبريالية وحلفائها الرجعيين واليوم صارت امريكا وحلفائها قادة الثورات بل وصانعيها وبات تأييد امريكا لثورة هنا او هناك يعتبر ضروريا واساسيا لنجاحها بل وبات لإسرائيل دور علني في دعم ما يسمى بهذه الثورات وبات لها الحق الذي ظل غائبا وممنوعا ومعيب لعقود طويلة في ان تتدخل بالشأن العربي وتدلي بدلوها بالراي بل وتشارك وتؤيد هذا الفعل وترفض وتمنع وتعارض ذاك الا يعني ذلك جليا ان المفاهيم عن الثورة ودورها قد انقلب بالمسميات والمفاهيم, وان كان الجوهر الغائب لا زال صحيحا ويبقى.
شرارة بوعزيزي ايقظت الشارع العربي من جانب وكشفت عن مرض عضال كان قد اصاب مقومات الثورة الاجتماعية في المنطقة حتى النخاع فبعد ان شاركت كل بقايا اليسار والقوى الليبرالية في مقدمات الثورة ودفعها للأمام وجعلها حالة جماهيرية يصعب كسرها تبين بجلاء ان الدفع الحقيقي كان بقوى اخرى محافظة كالإخوان المسلمين او ان دور قوى اليسار الفاعل قد غاب كليا وبقي من دورهم ما بشروا به بالعناوين وفي المقدمة العنوان العام للثورة في حين غاب كليا عن هذا العنوان مفاهيم اليسار وحلت محلها المفاهيم التي ظلت تسعى لجذب الجماهير بالفعل وفي الشارع وهي المفاهيم المحافظة وفي المقدمة الاخوان المسلمين وحلفائهم وهم – أي الاخوان المسلمين - تمكنوا في البداية من ادارة نحالف متماسك وناجح ضم الى جانبهم عديد القوى الليبرالية وحتى اليسارية او ذات الجذور اليسارية الا انهم عادوا وانقلبوا عليهم بسبب من نشوة غير مدروسة للنصر في مصر تحديدا مما شجع العديدين على الانقلاب على هذا التحالف والالتفات مرة اخرى الى مركز قوة مرفوض تاريخيا بعرف اليسار وهو العسكر الذين استغلوا الفشل في ادارة التحالفات لدى الاخوان المسلمين وانقلاب الحلفاء عليهم لينقلبوا هم على الثورة ويعاودوا الامسك بها ولينكشف ارتباطهم المطلق بالمشروع الامبريالي الامريكي في المنطقة وقد باتت الامور وكان كل التضحيات التي قدمها الشعب المصري جاءت لمصلحة انقلاب عسكري على حكم مبارك الذي ينتمي لهم في الاصل لا اكثر او انه اعادة تجميل للوجه الامريكي القبيح ودوره في مصر ولذا غازل العسكر في البداية روسيا الاتحادية لما تحتفظ به من تأثير عاطفي استلهمته من الاتحاد السوفياتي في الشارع العربي الحالم بمعاداة امريكا من خلال قوة الاخرين لا اكثر.
أي صورة مهشمة هذه للثورة انجبتها حركات ما يسمى بالربيع العربي, فأنت في فلسطين وسوريا حليف استراتيجي لحزب الله ورافض للمشروع السعودي القطري التركي ( الأمريكي ) هناك وعلى حدود سوريا مع فلسطين المحتلة تجد قوى مثل النصرة ظهيرا لها متمثل بالاحتلال الإسرائيلي وتجد بنفس الوقت دعما سعوديا تركيا فيما يحارب حزب الله المشروع الأمريكي الإسرائيلي في لبنان وسوريا وفلسطين ويصمت عن هذا المشروع في العراق وكذا تفعل إيران التي تحارب وبقوة ضد المشروع الأمريكي في سوريا وتصمت عنه في العراق أو حتى تتحالف معه عند الحاجة.
الموقف الأمريكي نفسه يتطابق مع الموقف السعودي التركي في سوريا ويتناقض معه في العراق ويقف صامتا بلا موقف في اليمن ويدير الأمور بلا إدارة في ليبيا للوصول بها إلى المحرقة ويقدم نموذجا للديمقراطية في اليمن ويتغير بلا توقف في مصر فمن مؤيد للانتفاض على مبارك إلى مؤيد لحكم الإخوان ورافض للسيسي الذي بدا في بداية عهده صديقا لروسيا مختلفا مع الموقف الأمريكي إلى حلفاء من طراز رفيع حاليا فيما يغرق الإخوان في السجون وأحكام الإعدام وبات الحديث الأمريكي عن الشرعية فجأة في خبر كان.
المصريين يعلنون دعما واضحا للفلسطينيين في الضفة الغربية ويعملون على مضايقة حماس في قطاع غزة ولا يخفون علاقتهم بمعارضين للرئيس عباس من داخل فتح وكذا تفعل الإمارات العربية المتحدة التي تختلف مع قطر وتركيا في مصر وتصبح هناك حليفا للسعودية لتعود للاختلاف معها في سوريا ثم لتختلف مع قطر حول التحالفات والتناقضات مع او ضد حماس والسلطة الفلسطينية بقيادة فتح فهي ضد قطر لاحتضانها حماس ومع معارضي الرئيس عباس من فتح في نفس الوقت.
الغرابة في ما يدور في المنطقة العربية أن اللاعبين الأساسيين وهم السعودية ومصر وقطر والإمارات ومعهم تركيا هم حلفاء بالمطلق للمشروع الأمريكي في المنطقة ومع ذلك يتم ذر الرماد في العيون هنا وهناك فتظهر تركيا وقطر كحلفاء لحماس والقضية الفلسطينية في الوقت الذي يقيمون أوثق العلاقات والروابط مع تل أبيب وواشنطن فهم يظهرون وبالعلن احتضانهم لحماس وقيادتها وكأنما لا يخشون الموقف الأمريكي بالمطلق وتظهر أمريكا وكأنها تأخذ مواقف متناقضة هنا وهناك.
والأغرب من كل هذا ان أهم لاعبين اليوم في المنطقة العربية هما قطر والامارات أي انهم اصغر دولتان عربيتان وكان الحال يشير الى ان القادم هي هذه العناوين وان دول كبيرة وقوية مثل السعودية ومصر في طريقهما الى الانقسام كما يحاك اليوم ضد سوريا وكما هو قائم بالفعل في العراق في حين تصمت بشكل لافت دول مثل المغرب والجزائر وكان لسان حالها يقول الي بيته من زجاج يسكت احسن فأمريكا لا تحتمل حتى القاء الحلوى عليها الا ما تريده من هذه الحلوى والا فإنها ستعتبرها حجارة ومن النوع القاسي ايضا.
والسؤال هو هل أمريكا اليوم مربكة وبلا موقف وهي غير مكترثة بما تقوم به قطر وتركيا كحماة وحلفاء للتيارات الدينية بالمنطقة بما في ذلك ما يشاع عن مواقف تركيا المؤيدة لداعش واستقبال محطة الجزيرة القطرية لضيوف يدافعون علنا عن داعش وأبو بكر البغدادي ومشروعهم بعكس مصر التي تفتك بهذه التيارات وتتحالف مع السعودية وتركيا في اليمن ولا تتفق معهم في سوريا وسائر هذه الأطراف تدور في الفلك الأمريكي علنا أم أن الإدارة الأمريكية تقسم ادوار مكوناتها فهناك من يوجه الإدارات السياسية الرسمية والسلطات الحاكمة في الدول العربية ممثلا بوزارة الخارجية وهناك من يدير أنشطة ومواقف الجيوش ممثلا بوزارة الدفاع ومن يدير أنشطة ومواقف القوى والأحزاب والفصائل ممثلا بالمخابرات المركزية, وهذه المكونات الثلاث تقوم بإدارة أنشطة تبدو في بعض الأحيان متناقضة كليا في حين يبدو أن أمريكا تلعب لعبة إستراتيجية واضحة بعد أن غاب عن الساحة العدو الأقوى ( الاتحاد السوفياتي ) فهي تظهر وكأنها تحارب نفسها هنا وهناك لتحقيق أهدافها فما دام المنافس المكافيء قد غاب فلا بد إذن من الإبقاء على حالة المنافسة فأمريكا صار أفضل لها ألف مرة أن تدير حروبها ضد حروبها ما دام السلاح للطرفين لصالحها ولصالح حلفائها وما دام المتقاتلين جميعا يعملون لصالحها أو أن المنتصر فيهم سيكون لصالحها وتلعب روسيا الاتحادية للأسف دور المموه حتى وان كان دون قصد منها فيترك لها أن تصارع وتفعل وتؤثر في سوريا بينما لا تجدها بالمطلق في ليبيا والعرق, وتقوم بدور الداعم لانقلاب السيسي لرفعه إلى مستوى الثورة ثم لا تجد بينهم أي علاقة بعد فترة بسيطة وهي تحارب حربا ضروس في سوريا وتقف أمريكا وحلفائها مترددين هناك تاركين لها كل الساحة.
منذ عرفت الأحزاب والقوى الثورية أرقام حسابات البنوك وقنوات الدعم من الأنظمة العربية النفطية أيا كانت ومن القنوات الأمريكية والأوروبية بات الحديث عن الثورة يشبه الحديث عن لعبة ( لوجو ) يركبها مشتريها بماله كما يشاء ولم تعد الثورة كلمة تحمل نفس معناها القديم فمن أسمى الأنظمة العربية يوما بالرجعية عليه أن يتذكر أن الرجعي أكثر هو من يحالف الرجعية وينفذ مشاريعها بمسمياته الثورة اخطر مليار مرة من رجعية صاحب المصلحة الجذرية برجعيته كطبقة حاكمة أو فاعلة أو كدولة مصالح استعمارية وحين كان الثوار يمولون أنشطتهم البسيطة والثورية من قوت أبنائهم كانوا بحاجة للنصر ليأكلوا الخبز وأولادهم أما اليوم فان النصر الذي قد يأتي قد يجلب معه انسداد قنوات الدعم فهم إذن لا يرغبون به ولا يعملون من اجل تحقيقه لأنه سيأخذ معه بسكوت أبنائهم الذين نسوا الخبز بسبب ديمومة الثورة الكلامية المصرة على عدم تحقيق النصر.
قوى الثورة اليوم في الوطن العربي باتت تختبئ خلف واجهات من منظمات المجتمع المدني تتلقى الدعم المشروط من منظمات امريكية واوروبية او حتى من دافعين بالوكالة مثل قطر والسعودية وقد غيبوا كليا عن الفعل كل برامجهم الثورية واحلامهم التي غنوا لها وجعلوا شعوبهم تأمل بها طويلا لصالح دكاكينهم التي اختزلوها من دكاكين لفئات وشرائح وطبقات الى إقطاعيات صغيرة طفيلية لأفراد منتفعين وغاب الدور الثوري الفاعل لهذه القوى وباتت تشبه الى حد بعيد المؤسسات الاعلامية الغريبة بل والفاشلة حتى في ادارة الشارع والتأثير عليه على قاعدة لنواصل العيش هذا اليوم ونترك الغد للغيب وامريكا.