يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس مصراً على أن يمضي قدماً في تفتيت حركة فتح وفي تحدي مشاعر أبناء شعبه ، فكيف لا وهو الذي لازال يضرب القانون عرض الحائط حتى وصلت جرأته في إحتقار كل ما هو عمل مؤسساتي، مما أدى إلى التساؤل من هو الحاكم الفعلي لمؤسسة الرئاسة ومن الذي يظلله ليفعل ذلك ويشجعه على تجريد هذا العمل من معناه، فصقل أفعاله بعنوان الديكتاتورية التي بلغت المدى عندما أمر قبل أيام بمحاصرة النائب في المجلس التشريعي د. نجاة أبو بكر والأمر بإعتقالها متجاوزاً أصول العمل بالقانون وإحترام الحصانة للنائب البرلماني المنتخب من قبل الشعب .
يقال أن الرجل يفتعل مثل هذه الأزمات بين الحين والأخر للتغطية على حدث كبير، ولوحظ أن تزامن الزوبعة التي رافقت قضية النائب أبو بكر جاءت متزامنة مع تصفية مواطن فلسطيني مطلوب للإحتلال لجأ للإحتماء في أحد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وهي سفارة فلسطين في العاصمة البلغارية صوفيا، وذلك بطريقة مشبوهة لا زال يحوم حولها الغموض والتساؤل إن كانت تتعلق بحادث سياسي وأمني أم هو جنائي؟!، ولكن الإفراج المفاجئ عن نصف مليار شيقل من أموال المقاصة التي كانت محتجزة لدى الجانب الإسرائيلي تثير التساؤل لدى المراقبين حول حقيقة ما حصل وهل هذا هو نوع من المكافئة نتيجة القيام بالمهمة على أكمل وجه أو تسهيل تنفيذها بدون عناء أو دليل ؟!.
لذلك لو رجعنا قليلاً للماضي القريب سنجد أن الرئيس عباس كان يخرج قضية خلافه مع النائب في المجلس التشريعي والقيادي الفتحاوي محمــد دحلان كلما أراد أن يشغل الرأي العام بقضية جانبية من أجل تمرير شئ ما فارغ المضمون يبيعه للشارع الفلسطيني المتعطش لأي نجاح ليعطيه زخماً غير مستحق، وهذا لوحظ خلال السنوات الماضية من خلال مسلسل الأوهام التي سرعان ما تبينت بأنها بلا قيمة ولا تتعدى سوى خطاب ناري ووثيقة تضاف إلى الأرشيف لا تستحق الحبر الذي كتبت فيه تجلب إمتيازات محصورة في شخصه وببطانته، وكرر ذلك أيضاً مع رئيس الوزراء السابق رجل الدولة المخضرم د. سلام فياض عندما أغلق المؤسسة الأهلية التي يشرف عليها قبل أن يعاد إفتتاحها بأمر من المحكمة العليا ، كما فعل ذلك أيضاً مع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه عندما أقاله بشكل مهين وغير قانوني ومزاجي للغاية ليقدم نفسه ديكتاتوراً غير مألوف من قبل بهذه الحدة مع خصوم اليوم الذين كانوا حلفائه بالأمس، كما حاول فعل نفس المضمون مع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء جبريل الرجوب ولكنه يبدو أنه عجز عن ذلك ، فإكتفى بتحجيم ظهوره في الإعلام الرسمي.
بالأمس وبشكل مفاجئ خرج علينا من خلال الناطق الإعلامي بإسم مؤسسة الرئاسة ليفتح جبهة أخرى من الخصومة، عندما حقر من تصريحات عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي من خلال الرد على تصريحاته بخصوص المساعدات الإيرانية لأسر ضحايا هبة القدس قائلاً بأنه لا يمثل إلا نفسه!، علماً بأن لقاء عباس زكي مع الجانب الإيراني وجدول اللقاء لا يمكن أن يكون قد تم من وراء ظهر الرئيس عباس أو حتى لا يمكن لعباس زكي أن يتفق على شئ يتجاوز الخطوط الحمراء التي يقرها ويحددها الرئيس نفسه.
هنا لابد من التأمل بحقيقة ما حصل ، حيث أنه يبدو من التصريحات الإيرانية حول إيصال تلك المساعدات لمستحقيها حسب ما يرى الجانب الإيراني بغض النظر عن الإتفاق معها أو التحفظ عليها من ناحية الشكل والمضمون، بأنها وضعت الرئيس محمود عباس بحرج كبير بعد أن خرجت إلى الإعلام أدى إلى شعوره بالقلق من ردة فعل المملكة العربية السعودية التي ذهب إليها مؤخراً ليبدي لها الولاء والطاعة، بعد أن تجاهلته وحرمته من زيارتها لفترة طويلة، وذلك في خصومتها مع الجمهورية الإيرانية ، لذلك يبدو أن الموقف الحاد من الرئاسة على تصريحات عباس زكي يندرج في أحد إحتمالين لا ثالث لهما:
الأول : هو تبادل الأدوار واللعب على الحبال لتجاوز غضب المملكة العربية السعودية من هذه العلاقة بعد فضحها وبعد أن تبين للرئاسة بأنها لن تحصل على شئ من الأموال سوى خيبة الأمل والفضيحة عندما أعلنت إيران بأنها لن ترسل الأموال عبر قنوات السلطة الرسمية بل من خلال قنواتها الخاصة!.
الثاني : هو أن الرئاسة الفلسطينية كانت نائمة في العسل ولم يكن لديها علم بما دار في بيروت خلال إجتماع الجانب الإيراني مع الفصائل الفلسطينية هناك -وهذا مستبعد-، وبالتالي شعرت بالغبن وقررت أن تتبرأ من الموضوع لتخرج بأقل الخسائر وهو الحفاظ على علاقتها مع المملكة العربية السعودية حتى لو كان ثمن ذلك التضيحة بعباس زكي وإهانته من خلال تحقير ما صرح به!!.
إن كان الإحتمال الأول هو الصحيح فلا أعتقد أن المملكة العربية السعودية غافلة عن الدور المتلون والغير مضمون للرئيس عباس وقدرته على اللعب على الحبال وبيع المواقف من خلال تبادل الأدوار، وبالتالي في تقديري أنها تعرف كيف تقدر مصالحها من خلال علاقتها بالشعب الفلسطيني وإلتزامها إتجاهه وليس من خلال الرئيس الذي تعرفه جيداً وتعرف بأنه لم يعد يملك ذلك الثقل السياسي في الشارع الفلسطيني إلا من خلال ديكتاتوريته وقمعه الذي يشير إلى أن مرحلته بدأت تتهاوى وأصبحت مرفوضة جملة وتفصيلا في الشارع الفلسطيني.
أما إذا كان الإحتمال الثاني هو الأرجح، فيعني ذلك أننا أمام مرحلة خصومة جديدة وصراع أخر ولكن هذه المرة مع ثعلب خليلي أخر ليس سهلاً عليه أن يمرر الإهانة بدون متابعة بل لربما يعمل على إعادة الصفعة بما يليق بها من خلال الإبتعاد عن الرئيس والدخول في التحالفات التي تقف في مواجهته، مما يعني أن الصراع سيكون أكثر حدة ولربما يؤدي إلى تفكك جبهة الرئيس ، خاصة إن كان عباس زكي قد قرأ الواقع جيداُ بأن الرئيس عباس يعيش نهاية مرحلته بكل معنى الكلمة وبأن صموده وتخبطه الذي يحاول أن يظهره عبر الإعلام لن يطول أمام التحديات التي تواجهه وباتت تتصاعد في وجهه على كل المستويات بشكل علني وغير مسبوق!.
السؤال هو ، هل سيتجاوز جميع خصوم الرئيس عباس خلافاتهم ويلتقون على مبدأ ضرورة إنهاء مرحلته ويتغذوا به قبل أن يتعشى بهم فرادى وما هو شكل النهاية ، وهل سينتهي الأمر بالمحكمة أم اللجوء، أم أن الرئيس عباس سيفوز عليهم بالضربة القاضية لهم ولحركة فتح بمجملها ؟!.