الجمعة 11/6/1446 هـ الموافق 13/12/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
رحيل يحتاج إلى هدوء وحكمة!!!...م . زهير الشاعر

منذ إنتخابات يناير عام 2005 التي أتت  بالرئيس الفلسطيني محمود عباس حتى اليوم من فبراير 2016 لم يهدأ للشعب الفلسطيني بال وهو يمر بأزمات حياتية وصراعات متلاحقة ، هذا عوضاً عن تقسيم للوطن ومصادرة أراضيه وقمع أبنائه وتشريد الكثير من الأسر وإغلاق البيوت العامرة وتكميم الأفواه  حتى وصل الحال أخيراً للإغتيال في قلب المؤسسات الرسمية.                                                                

كتبنا كثيراً وتحدثنا كثيراً وبدأنا نؤثر في الرأي العام الفلسطيني حتى أصبح الكثيرين يتابعون ما نكتب ويتواصلون مع دبلوماسيين فلسطينين للتساؤل حول دقته وهل هو رأي موجه أم رأي مستقل؟!، واليوم ونحن على ثقة ويقين بأن مصداقيتنا في رأينا نابعة من إستقلاليتنا  النابعة من الإيمان والثقافة والإلمام والإطلاع، نستطيع القول بأن الرئيس عباس في وضع صعب لأن عزلته بين أبناء شعبه قد زادت والفجوة بينه وبين رفاق دربه من القيادة إتسعت وهو أصبح كالشجرة التي تقف في وجه الرياح بدون أغصان قوية لتحيمها، فتتطاير أوراقها في كل مكان ظناً منه أن الجميع يستمع إليه، ولا يريد أن يواجه الحقيقة التي باتت تقول أن الكثيرين بدؤوا ينؤون بأنفسهم عنه ويستعدوا لترك مركبه خاوياً ليغرق به لوحده، حيث أنه لم يعد هناك  أحدٌ يسمعه على الإطلاق  فإكتفى بسماع نفسه  لأنه لا يريد أن يصدق أن العالم يراقب عن كثب وبدأ بالفعل والمضمون يبحث عن البديل!.                                                                              

هنا وبإختصار شديد يبدو المشهد لكل ذي بصيرة بأن الشارع على وشك الإنفجار إن لم يكن هناك تغيير ملموس وسريع وأن حالات من الإنفلات الأمني والتمرد القيادي باتت واضحة وعلى الأبواب، فما الذي يريده الرئيس عباس وهو يعرف أكثر من غيره  بأنه الرئيس الذي أهدر كرامة المؤسسات الوطنية بالرغم من أنه يدرك بأنه صاحب ولاية منتهية وبلا شرعية ، لذلك نود التطرق لحيثيات مرحلته مرة أخرى في عدة نقاط لعل وعسى أن يفهم مغزاها  هو قبل غيره ويقتنع بأن هناك لكل شئ نهاية:                          

أولاً : الرئيس عباس قال يوماً أنه لو خرج إثنين يطالبونه بالرحيل سيرحل فعليه أن يدرك بأن هناك مئات الألاف على الميديا وعبر إستطلاعات الرأي تطالبه بالرحيل ويقولون له بشكل غير مسبوق إرحل وهو لا زال لا يريد أن يصدق بأن الرحيل بات على الأبواب.                                                            

ثانياً : عنوانها كان الإنقسام والتمييز بين أبناء الوطن الواحد وتشكيل حكومات ضعيفة ومعدومة الصلاحية لا تلبي المطلوب منها إلا إسمها فقط كحكومة توافق وهي لا تمت للتوافق بصلة فزادت الأوجاع والألام لشعب مكلوم لا زال تحت الحصار.                                                                                                  

    
ثالثاً : محاولة  
تجميع كل القوى تحت سيطرته لتثبيت حكمه بغض النظر عن إدراكه بأن ذلك سيؤدي إلى تدمير المؤسسات الوطنية الفلسطينية وكأنه ينتقم منها، فكان  حكم الفرد والإستحواذ على المناصب الرسمية وجمعها بيده وحاشيته بالتوازي مع الإطاحة بأي أراء تتعارض مع توجهاته وتوجهات فريقه فتم إستخدام لقمة العيش كسيف ظنه أنه فعال فزاد الظلم وزادت الأحقاد.                                                                   

رابعاً  : تدهورت المؤسسات الفلسطينية والميزانية بشكل كبير تحت حكمه، حيث بلغ حجم العجز في الموازنة في عام 2015 حوالي 700 مليون دولار من خلال تهميش منظمة التحرير الفلسطينية تماماً وتحويلها لبند مصروفات تابعة للسلطة وليس العكس ضمن مكانتها التي تنص على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حتى تم جعلها تمارس العربدة على قوت ولقمة عيش كل من يتعارض مع سياساته في سابقة مخجلة لم تحصل في تاريخ هذه المنظمة على الإطلاق.                                          
خامساً:  لم يقدم حلولاً ملموسة لمعاناة الناس بل كان عنوان مرحلته هو التغول على كرامتهم وتحطيم أحلامهم وجعلهم أذلاء وتابعين كالعبيد ليس من حقهم أن يرفعوا صوتهم.
سادساً : لا يؤمن بالحوار بل يمارس الديكتاتورية حتى مع رفاق دربه مما أدى إلى زيادة الشروخ بينه وبين أعضاء القيادة الفلسطينية نتيجة التعامل معهم بفوقية أدت إلى فقدان الثقة به والبدء بالإبتعاد عنه رويداً رويداً.
سابعاً : لا يوجد لديه خطة سياسية بديلة سوى خيارات مؤجلة ومعقدة التنفيذ في حين أن الشعب لا يستطيع الإنتظار أكثر وليس لديه الإستعداد للتضيحة من أجل الدخول في مقامرات جديدة أثبتت الأيام بأن جميعها كانت خاسرة، بالمقابل عمل على  تعطيل أي وفاق وطني وتجميد اي حراك قد يؤدي إلى إنتخابات عامة من خلال اللعب على فكرة قتل الوقت.                                                                                          

أخيراً والحديث يطول ويطول ، وأمام أكاذيب وزير خارجيته وسفيره حول حالة الإغتيال التي تمت في سفارة فلسطين في العاصمة البلغارية  صوفيا والتي تشير الشبهات إلى أنها جريمة جنائية حيث فضحت الصور التي بثت عبر وسائل الإعلام أكاذيبهم مصداقية روايتهم ، لذلك لا يعتقد أكثر الناس تفاؤلاً أن أمام الرئيس عباس متسع من الوقت للمزيد من المناورات أو ترك الوضع جامداً كما هو ، لذلك في تقديري ومن باب الحفاظ على كرامته لابد  له من إتخاذ القرارات الصائبة والملحة وأهمها الأن وبشكل فوري الإعلان عن إقالة وزير خارجيته رياض المالكي والسفير الفلسطيني في بلغاريا أحد المذبوح والإعلان عن موعد الإنتخابات العامة لإطفاء حالة الإحتقان والغضب،  لضمان إفساح المجال أمامه لترك الساحة كبيراً بهدوء وبكرامة قبل أن تأتي العاصفة والطوفان ويصبح الرحيل عنوانه المحكمة فلا خصوم يغفرون ولا محبين يغضبون بل الجميع سيصبحون من الشامتين الفرحين بشكل الرحيل!!.

م. زهير الشاعر

كاتب ومحلل سياسي

[email protected]

2016-02-29