الأربعاء 12/4/1446 هـ الموافق 16/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
موظفي غزة.. بين إستمرار المعاناة ومواصلة العطاء!...جبريل عوده

 

 الدراسة التي تناولت الآثار النفسية والإجتماعية والإقتصادية المترتبة على أزمة رواتب موظفي قطاع غزة التي أعدتها الإدارة العامة للتخطيط بوزارة الشؤون الاجتماعية , وكشفت عن نتائج صادمة توضح حقيقة المعاناة التي يعيشها الموظف في غزة , بمثابة صرخة مدوية تطلق على مسامع المسؤولين القريب منهم والبعيد عن قطاع غزة , لما لها من أثار خطيرة على واقع الحياة اليومية والمستقبل المنظور معاً, فالمعاناة التي يعيش فصولها موظفي غزة أصبحت أثارها  خارج  حدود التجاذب الحزبي , وتصارع المصالح بين طرفي الإنقسام السياسي , وتهدد حالة السكينة المجتمعية وتزعزع عوامل الإستقرار, بل وتلقي بظلالها الكئيبة على كافة نواحي الحياة الفلسطينية الإجتماعية والنفسية والأمنية والإقتصادية في قطاع غزة .

 

الموظفين في مؤسسات السلطة الفلسطينية في قطاع غزة  , والذين يطلق عليه المصطلح الدارج " موظفي غزة " , هم الذين أصروا على إستمرارهم في تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين في قطاع غزة , وجزء كبير منهم موظفين في السلك الحكومي قبل تسلم حركة حماس الحكومة العاشرة بعد الإنتخابات التشريعية في عام 2006م , وآخرين تقدموا للوظيفة العامة في ظل القرار اللاعقلاني والغير مدروس بدعوة الموظفين للإستنكاف وعدم القيام بواجبهم الوظيفي , وإستخدام عصى الترهيب والتخويف عبر سياسة قطع الرواتب , لكل من يستمر في إداء واجبه الوظيفي في المؤسسات والوزارات الحكومية بعد أحداث الإنقسام المشؤومة في شهر يونيه 2007م , فلا يمكن أن تُترك المستشفيات والمدارس والوزارات المتعددة , بدون موظفين لتقديم الخدمة للمواطن, وكذلك سلك الشرطة والأمن وهو من الخدمات الملحة للإنسان , ولعل توفير الأمن والطمأنينة مقدم على الأكل والشرب في كثير من الأحيان , فنهض موظفي غزة بهذا الهم الوظيفي , وسدوا الثغرة وأعانوا شعبهم , وخدموه في أحلك الظروف حيث الحصار والحروب الثلاثة , وقلة الإمكانيات وشح الموارد , ومع ذلك حافظ الموظفين في قطاع غزة على كيان السلطة من مؤسسات ووزارات وإمكانيات وموارد , بل تطور العمل إدارياً وفنياً في مجال تقديم الخدمة للمواطن عبر تلك المؤسسات بالرغم من الحصار الجائر , وأهم من ذلك شكل الموظفين بتواجدهم في ميدان العمل الوظيفي , سياج الحماية والضمانة لشعبهم في قطاع غزة في كل الأزمات , وأن التخلي عنهم والإستهتار بجهدهم وجهادهم الوظيفي يشكل نكران للجميل , لا يقره عاقل ولا يقبل به كل ذي فطرة سليمة .

ولعل أخطر ما جاء في تلك الدراسة أنها أظهرت أن 92,36% من أفراد العينة الذين لديهم أبناء في المدارس يشعرون بالحزن والأسى عندما لا يستطيعون إعطاء أطفالهم مصروفهم المدرسي، و71,66% منهم غير قادرين على متابعة أبنائهم اجتماعياً.

وبينت أن 84,94% يشعرون بالقلق على مستقبلهم الوظيفي، وقال 65,75% من أفراد العينة الذين لهم أبناء في الجامعات إن أزمة الرواتب أثرت على دراسة أبنائهم, وأن 75,15% من أفراد العينة الذين يدرس أبناءهم في الجامعات أو المدراس غير قادرين على دفع الرسوم الدراسية المدرسية أو الجامعية، و48,51 % توقف أبناؤهم عن الذهاب للجامعات.

فهل هذه هي المكافأة التي نقدمها لمن ساهموا في علاجنا عبر المستشفيات الحكومية على مدار عشر سنوات ؟ , هل هذا هو جزاء من أشرفوا على تعليم أجيالنا في المدارس الحكومية لعشر سنوات ؟ وإستطاعوا إنجاز إمتحانات الشهادة الثانوية التوجيهي , وفقاً لأعلى مستويات النزاهة والشفافية , وعبر تنسيق مستمر بدوائر الوزارة في حكومة رام الله , حيث كانت مصلحة ومستقبل الطالب من أولويات العمل في السلك التعليمي , هل هو رداً للجميل لرجل الأمن الذي وفر لنا أجواء من الأمن والأمان غير مسبوقة , وحارب الجريمة والمخدرات , وأنهى تغول العائلات ورجال العصابات في الشارع الفلسطيني , وهو من ساهم في رد المظالم وقمع الظالم  ولعل ملفات المحاكم والشرطة تشهد على إنجاز كثير من القضايا وإحقاق الحقوق للمواطنين , ورجال الأمن والشرطة كان لهم جهد كبير , وتضحيات جسام في القضاء على المشاكل العائلية الكبيرة, والتي لازالت ذاكرتنا حية بمشاهدها الفظيعة , وكيف كانت العائلات تستخدم الأسلحة الرشاشة في خلافاتها لأحقر وأصغر الأسباب , فالأمن نعم إلهية سخر الله عزوجل رجلاً لتحقيقها في واقعنا , أفليس أقل ما يقدم لهم أن تقر الحكومة الفلسطينية بأمانهم الوظيفي وأن تصرف رواتبهم.

ويقع واجباً علينا كفلسطينيين أفراداً وفصائل وأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني , ورجال السياسة والإقتصاد والوزراء في الحكومة والرئاسة الفلسطينية , أن ننصف هؤلاء ليس عطفاً منا أو إستجداء منهم , بل من باب إقرار الحقوق وإزالة المظلمة , وأن نسعى بكل طاقاتنا ألا تسقط غزة عبر إستهداف موظفيها والتضييق على قوت أطفالهم , وأن كنا جميعاً نؤمن بالوحدة الوطنية, فلا يجب أن نتوقف عند بعض الإعتراضات البسيطة و التي لا تخدم المسار الفلسطيني العام , فهل من حل جذري لهؤلاء الموظفين يقيل عثرتهم في زمن الوحدة والوفاق؟ وأن تقبل الرئاسة الفلسطينية بإعتمادهم ضمن كشوفات حكومة الوحدة القادمة ! فالحل كما قال أحد العالمين  بشؤون المقاطعة بسيط وبجرة قلم , أم أن المعضلة أكبر من جزئية موظفي غزة , فالمخطط في عقول البعض يستهدف إلغاء الأخر تمهيداً لشطبه عن الساحة السياسية ! فإعتقادي هذا خيار عقيم لا مولده يرجى منه , وفي الختام كل الشكر لموظفي غزة ولجهودهم المضنية في خدمة شعبهم وحمايته .

كاتب وباحث فلسطيني

1-3- 2016م

 

2016-03-01