الأحد 1/5/1446 هـ الموافق 03/11/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أوروبا تدخل عصر التفكّك

فولفجانج مونشاو من بروكسل:

الآن يوجد احتمال حقيقي أن نظام الاتحاد الأوروبي لضبط الحدود والهجرة سينهار خلال عشرة أيام تقريبا. في السابع من آذار (مارس)، سيعقد زعماء الاتحاد الأوروبي قمة في بروكسل مع أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء التركي.

الفكرة هي إقناع أنقرة بما فشلت اليونان في القيام به: حماية الحدود الجنوبية الشرقية للاتحاد الأوروبي وإيقاف تدفق المهاجرين. كثير من الدبلوماسية تجري خلف الكواليس بين ألمانيا وتركيا، لكن المزاج العام في برلين ليس جيدا.

الإجراءات التي اتخذتها النمسا وهنغاريا وغيرهما من البلدان لحماية حدودها الوطنية أغلقت طريق منطقة البلقان الغربي الذي يسلكه المهاجرون للوصول إلى ألمانيا.

الآن يجد اللاجئون أنفسهم محاصرين في اليونان. بعضهم يغادر إلى إيطاليا عن طريق القوارب. وعندما يصل الذين ينجون من الرحلة إلى هناك، أتوقع أن تغلق سلوفينيا وسويسرا وفرنسا حدودها. في تلك المرحلة، ينبغي لنا ألا نفترض بعد الآن أن المجلس الأوروبي لرؤساء الحكومات هو هيئة سياسية فاعلة.

أزمة اللاجئين التي تخرج عن السيطرة يمكن أن تجعل التصويت في الاستفتاء البريطاني منحرفا. لا توجد وسيلة بحيث يكون الاتحاد الأوروبي قادرا على التعامل مع صدمتين بهذا الحجم في وقت واحد. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في وقت كهذا، لديه القدرة على تدمير الاتحاد الأوروبي.

أنا لا أتوقع مثل هذا السيناريو المشؤوم، لكنه ليس مستحيلا أيضا. الاتحاد الأوروبي على وشك مواجهة واحدة من أصعب اللحظات في تاريخه. الدول الأعضاء فقدت الإرادة لإيجاد حلول مشتركة للمشاكل التي يمكنها حلها على مستوى الاتحاد الأوروبي ـ لكن ليس وحدها. عدد سكان الاتحاد الأوروبي الذي يفوق 500 مليون نسمة يمكن بسهولة أن يستوعب مليون لاجئ سنويا. لا توجد دولة عضو في الاتحاد تستطيع أن تفعل ذلك وحدها، حتى ألمانيا.

الاتجاه نحو الحلول الوطنية واضح بشكل خاص في أوروبا الوسطى والشرقية. في الأسبوع الماضي استضافت النمسا مؤتمر منطقة البلقان الغربية لدعم سياساتها الخاصة بالحد من عدد اللاجئين. فيكتور أوربان، رئيس الوزراء الهنغاري، يجري استفتاء لمنع اتفاق تقاسم حصص اللاجئين الذي طرحته بروكسل وبرلين. الهنغاريون سيدعمونه بالتأكيد.

ميركل يجب أن تتلقى الكثير من اللوم. سياسة الباب المفتوح الخاصة بها كانت مناهضة لأوروبا من حيث إنها فرضتها من جانب واحد على بلادها وعلى بقية أوروبا. لم تشاور سوى المستشار النمساوي، فيرنر فايمان.

الاتحاد الأوروبي يواجه خطر التعرض لأربعة تمزقات. أنا لا أتوقع أن تحدث جميعا، لكنني سأشعر بالدهشة إن لم يتحقق أي منها. الأول هو تفكك بين الشمال والجنوب بسبب اللاجئين. ما يسمى نظام شينجن للتنقل الخالي من جوازات السفر، الذي يشارك فيه 26 بلدا أوروبيا، يمكن أن يتوقف إلى أجل غير مسمى أو يصبح نسخة مصغرة لا تضم سوى ألمانيا وفرنسا وبلدان البينلوكس. وإيطاليا لن تكون جزءا منه.

الصدع الثاني بين الشمال والجنوب هو اليورو. لم يتغير أي شيء هنا. أصداء أزمة منطقة اليورو لا تزال قائمة والموقف اليوناني غير مستدام اليوم بقدر ما كان في فصل الصيف الماضي.

الثالث هو انقسام بين الشرق والغرب. هل سترغب المجتمعات المفتوحة في أوروبا الغربية أن تكون مرتبطة باتحاد أوثق بكثير مع أمثال أوربان، أو غيره من القوميين في أوروبا الوسطى أو الشرقية؟

أخيرا، هناك خروج بريطانيا من الاتحاد. ليست هناك وسيلة لمعرفة نتيجة الاستفتاء البريطاني. استطلاعات الرأي غير مفيدة بقدر ما كانت خلال الانتخابات العامة العام الماضي. الأهم من ذلك، أن النقاش الجدي لم يبدأ حتى الآن. الأحداث ستتدخل. والوقائع أو الأكاذيب الجديدة ستظهر. التصويت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى استفتاء آخر في السويد أو الدنمارك، ما يضيف مزيدا من عدم اليقين.

أزمة اللاجئين التي تخرج عن السيطرة هي في النهاية أكثر خطرا على مستقبل الاتحاد الأوروبي من اليورو المفكك. ما يجعل أزمة اللاجئين محفوفة بمخاطر أكثر من الناحية السياسية هي أن فرنسا وألمانيا هذه المرة على طرفي نقيض من الحجة.

في مؤتمر الأمن في ميونيخ الشهر الماضي لم أفاجأ عند سماح مانويل فالس، رئيس الوزراء الفرنسي، يؤكد مجددا على معارضته لمزيد من حصص اللاجئين، لكنني فوجئت عندما سمعته ينتقد ميركل بشكل مباشر. قال إن فرنسا لم تكن هي من دعت اللاجئين. المأزق السياسي فيما يتعلق بالمهاجرين يخبرنا أن الحدود المفتوحة في الاتحاد الأوروبي تتعارض مع السيادة الوطنية فيما يتعلق بالهجرة. سيكون على الدول الأعضاء أن تختار. وستختار السيادة. بعد ما يقارب 60 عاما من التكامل الأوروبي، نحن ندخل عصر التفكك. ليس بالضرورة أن يؤدي إلى انفصال رسمي للاتحاد الأوروبي - هذا أمر غير مرجح للغاية - لكنه سيجعل الاتحاد الأوروبي أقل فاعلية.

ما هو مؤكد أن أزمة اللاجئين تضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى النقاش البريطاني. فليس من الواضح ما هو نوع الاتحاد الأوروبي الذي يطلب من الشعب البريطاني البقاء فيه، أو مغادرته. الخطر يكمن في المستقبل.

2016-03-01