بعد ان اتيح لروسيا ان تقوم بدور الحامية لمصالحها في سوريا دون ان تقترب من مصالح الآخرين وظلت الولايات المتحدة وحلفائها صامتون الى ان اكملت روسيا على ما يبدو ما اريد لها ان تكمله ثم بدأت جعجعة السعودية وتركيا كصدى لجعجعة امريكا وبدأت الحشود وسمعنا تهديدات روسيا التي وصلت حد التهديد بحرب عالمية وفجأة صمت كل شيء وبعيدا عن كل المرددين للصدى في منطقتنا أيا كانوا اتفقت روسيا وامريكا على وقف اطلاق النار والتزم الجميع دولا وفصائل بهذا القرار عن بعد ودون ان يكون لأي منهم راي فيما حدث.
روسيا الاتحادية ليست ابدا هي الاتحاد السوفياتي والصراع بينها وبين الولايات المتحدة ابدا ليس هو نفس صراع الحرب الباردة او الساخنة بل هي صراع مصالح وتقاسم لمناطق النفوذ وان كانت اتفاقيات سايكس بيكو قد الزمت اصحابها بان يلتقوا ليتآمروا بالسر على المنطقة باسرها فان اتفاق بوتين – اوباما لم يحتاج اكثر من اتصال هاتفي وفي العلن وكأنهما كلاهما وللأسف يقولان لنا انتم غير موجودين وما عليكم الا الانصياع لأوامرنا.
كانت الامنيات ان يكون لروسيا دورها في وحدة الاراضي السورية ومنع التقسيم والتدمير لسوريا ولم يتصور احد ولا في الاحلام ان تأتي النتائج بتقاسم علني للأرض السورية بحيث يتمترس كل في موقعه لتبدأ المفاوضات ولا أحد يدري متى ستنتهي ان كانت ستنتهي فعلا, لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع ان كل في موقعه سيبدأ بتثبيت اركان حكمه وقد يبدأ التفاوض على وحدة الوطن لينتهي بواقع تم تكريسه أساسه تقاسم الوطن السوري بين أهله شكلا وفي الحقيقة بين القوى الكبرى في العالم.
كان الحلم ان تستفيق روسيا الرأسمالية لتقف في وجه الصلف الامريكي وكانت شعوب العالم الفقيرة ستقبل اكثر دورا لروسيا يتنامى وسيقبل فائدة لروسيا اعظم ما دام ذلك سيوقف الصلف الامبريالي الامريكي ولم تكن ولن تكون الشعوب الفقيرة ممنونة للاتحاد الروسي ان هي ساند كفاحها هنا وهناك لتقاسم المكاسب مع الولايات المتحدة او لتبادل الادوار والمصالح كل في منطقته وحسب قدراته فروسيا التي تحركت جيدا في سوريا لنكتشف فيما بعد وبأسرع مما توقعنا انه تحرك محدود الاهداف والمصالح وان روسيا الاشتراكية المعادية للإمبريالية قد تم اعدامها وما يبدو امامنا الان هم احفاد سيئون لتلك التجربة العظيمة اعادوا ترتيب اوراق جدهم لصالح رؤى لا تختلف كثيرا عن الرؤى الرأسمالية هنا وهناك وان أي صراع قد يظهر على السطح مع امريكا لن يكون الا على حجم ونوع التقاسم ومعطياته وادوات تنفيذه.
اتفاق وقف اطلاق النار بين امريكا وروسيا على ارض سوريا تحدث عن الحكم وقوى المعارضة المقبولة على سائر الاطراف الدولية بمعنى القبول العلني ولكنه اخرج القوى التي لم يعلن بعد عن تدجينها رغم ان الجميع يعرف ان لا احد هناك يغرد خارج السرب, لكن بقاء داعش واخواتها له من الاهمية ما يكفي لإعطاء الفرصة للآخرين لترتيب اوراقهم وتثبيت اركانهم في حين يترك لداعش دور لخبطة الاوراق هنا وهناك ويترك للنصرة الحدود الملاصقة لإسرائيل ليتم ترتيب الامر هناك كما يحلو للبعض بالرغبة الامريكية الاسرائيلية ويترك الباب مفتوحا لأمريكا وحلفائها ان هم ارادوا اعادة لخبطة الاوراق من جديد بيد داعش واخواتها ان يصبح ذلك ممكنا, الاتفاق الامريكي الروسي اسقط من أي حساب موضوعة الجولان ولم يأت على ذكر هذا الجزء مهم من الوطن السوري وهو الذي على ما يبدو سيكون الضائع الوحيد في المعادلة الدولية على ارض سوريا ولن يكون غريبا مثلا ان وجدنا اسرائيل تعقد اتفاقا مع النصرة المتمترسة على حدودها لتصبح مناطق النصرة ايضا مناطق خارج الصراعات والقصف وتجد اسرائيل لها جزءا جديدا من كعكة نهشتها ولا زالت منذ عقود.
اتفاق وقف اطلاق النار في سوريا لم يحبط المشروع الامريكي الاسرائيلي هناك بل بالعكس فقد اسس لتكريسه ان استمر هذا الوقف او أعيدت صياغة الصراعات هناك من جديد واكتفت روسيا بدور الحامي لمناطق نفوذها ودارت المعارك بين داعش والآخرين ليتم اعادة التقاسم من جديد وقد نجد اسرائيل لاعب جديد هناك بعد ان صار التحالف معها مشرعنا عند بعض العرب وسيكون لذلك كل التأثير السلبي على فلسطين وقضيتها حين تتعمق اكثر الصراعات في لبنان وتمتد الايادي من جديد الى فلسطين لصراع مختلق غريب على يد السعودية ضد ايران ونحن نرى فجأة اعلان عن نشاط ايراني في فلسطين وعن رجال باتوا يصنفوا كرجال لإيران في بلادنا ودون سابق انذار وكأننا نختلق اختلافاتنا أو نصنعها بأيدينا لتصبح اسرائيل الكاسب الاكبر من كل كارثة في المنطقة بأسرها.