مارتن وولف من لندن:
ماذا يمكن أن يفهم المرء من صعود دونالد ترامب؟ من الطبيعي التفكير في المقارنات مع الديماجوجيين الشعبويين في الماضي والحاضر. من الطبيعي، أيضا، التساؤل لماذا قد يختار الحزب الجمهوري متنمرا نرجسيا كمرشحه للرئاسة.
على أن هذا لا يتعلق فقط بالحزب، بل يتعلق أيضا ببلاد عظيمة. الولايات المتحدة هي الجمهورية الأعظم منذ روما، ومعقل الديمقراطية، وضامنة النظام العالمي الليبرالي. إذا أصبح ترامب رئيسا، سيكون ذلك بمثابة كارثة عالمية. حتى إذا فشل، فقد جعل ما لا يمكن تصوره أمرا يمكن قوله.
ترامب هو مروج توهم جنون الشك، ومعاد للأجانب وجاهل. وتتكون أعماله من إقامة الآثار القبيحة لإرضاء غروره. كما ليست لديه أي خبرة في المناصب السياسية. البعض يقارنه بالشعبويين في أمريكا اللاتينية. كما يمكن اعتباره أيضا سيلفيو برلسكوني الأمريكي، وإن كان بدون السحر أو الفطنة التجارية. على أن بيرلوسكوني، على عكس ترامب، لم يهدد أبدا بمحاصرة وطرد ملايين الناس. لذلك فإن ترامب غير مؤهل بشكل فاضح، ليتولى المنصب السياسي الأكثر أهمية في العالم.
مع ذلك، كما يجادل روبرت كاجان، أحد المفكرين المحافظين الجدد، في مقالة قوية في صحيفة واشنطن بوست، أن ترامب أيضا هو وحش فرانكشتاين للحزب الجمهوري". يقول كاجان إنه النتيجة الوحشية "للعرقلة القوية" في الحزب، وشيطنته على المؤسسات السياسية، وتودده مع التعصب و"أعراض اضطرابه الخفيف عنصريا" بشأن الرئيس أوباما.
ويضيف: "من المفترض أن نعتقد أن فيلق ترامب من الناس ’الغاضبين‘ هم غاضبون بسبب ركود الأجور. لا، إنهم غاضبون بسبب كل الأشياء التي أخبرهم الجمهوريين أن يكونوا غاضبين بشأنها في الأعوام السبعة والنصف الماضية".
كاجان محق لكنه لا يذهب بعيدا بما فيه الكفاية. هذا لا يتعلق بالأعوام السبعة والنصف الماضية. هذه المواقف شهدناها في التسعينيات، مع إدانة الرئيس كلينتون. في الواقع، تعود إلى استجابة الحزب الانتهازية لحركة الحقوق المدنية في الستينيات، لكن مع الأسف، أصبحت أسوأ، وليس أفضل، مع مرور الوقت.
لماذا حدث هذا؟ الجواب هو أن هذه هي الطريقة التي حصلت فيها الطبقة المانحة الغنية، المكرسة لأهداف خفض الضرائب وتقليص الدولة، على الجنود المشاة والناخبين التي بحاجتهم. هذه، إذن، "شعبوية بلوتو": اتحاد النخبة الثرية مع الشعبوية اليسارية.
ترامب يجسد هذا الاتحاد، لكنه فعل هذا عن طريق التخلي جزئيا عن أهداف السوق الحرة، والضرائب المنخفضة والحكومة المتقلصة لمؤسسة الحزب، التي لا يزال منافسوه غير المستقلين ماليا يتشبثون بها. وهذا يمنحه ميزة على ما يبدو لا يمكن تجاوزها. حيث يشكو المحافظون النخبة من أن ترامب ليس محافظا. بالضبط. هذا أيضا صحيح بالنسبة لقاعدة الحزب.
ترامب سيء للغاية، لكن في بعض النواحي، فإن سياسات منافسيه الإثنين الرائدين، السيناتور كروز والسيناتور روبيو، هي سيئة بالقدر نفسه. كلاهما يقترحان تخفيضات ضريبية تنازلية للغاية، تماما مثل ترامب. حتى إن كروز يرغب في العودة إلى معيار الذهب. يقول ترامب إن المريض ينبغي ألا يموت في الشارع. ويبدو أن كروز وروبيو غير متأكدين من ذلك إلى هذه الدرجة.
مع ذلك، ظاهرة ترامب ليست مجرد قصة حزب واحد. بل تتعلق بالبلاد وكذلك، لا محالة، بالعالم. أثناء إنشاء الجمهورية الأمريكية، كان الآباء المؤسسون يدركون مثال روما، حيث جادل ألكسندر هاميلتون في الأوراق الفيدرالية بأن الجمهورية الجديدة ستكون بحاجة إلى "مسؤول تنفيذي حيوي".
وذكر أن روما نفسها، مع تكرارها المتأني للمناصب القضائية، قد اعتمدت في وقت شدتها على منح السلطة المطلقة، وإن كانت مؤقتة، لرجل واحد، يدعى "ديكتاتور".
الولايات المتحدة لن يكون فيها مثل هذا المنصب. بدلا من ذلك، سيكون فيها مسؤول تنفيذي يمثل كيانا واحدا: الرئيس كملك منتخب. الرئيس يملك سلطة محدودة، لكنها كبيرة.
بالنسبة لهاميلتون، فإن خطر السلطة المفرطة سيتم احتوائها من قبل "أولا، اعتماد واجب على الشعب، وثانيا، مسؤولية واجبة". خلال القرن الأول قبل الميلاد، أدت ثروة الإمبراطورية إلى زعزعة استقرار الجمهورية الرومانية.
في النهاية، أغسطس، وريث الحزب الشعبي، أنهى الجمهورية وثبت نفسه كإمبراطور. لقد فعل ذلك عن طريق الحفاظ على جميع أشكال الجمهورية، وفي الوقت نفسه استغنى عن معناها.
من الحماقة الافتراض أن القيود الدستورية ستؤدي إلى استمرار رئاسة شخص تم انتخابه لأنه لا يفهمها ولا يؤمن بها. محاصرة وترحيل 11 مليون شخص يعتبر بمنزلة مؤسسة قسرية هائلة.
هل سيتم منع رئيس تم انتخابه لتحقيق هذا الهدف، وإن كان الأمر كذلك، من قبل من؟ ماذا نفهم من حماس ترامب لوحشية التعذيب؟ هل سيجد أشخاصا على استعداد لتنفيذ رغباته أم لا؟
ليس من الصعب على قائد عازم القيام بما لا يمكن تصوره سابقا من خلال ملاءمته للظروف الطارئة. كل من أبراهام لينكولن وفرانكلين ديلانو روزفلت فعلا بعض الأمور غير العادية في زمن الحرب، لكن هاذين الرجلين عرفا حدودهما. هل سيعرف ترامب حدوده أيضا؟ المسؤول التنفيذي "الحيوي" الذي اقترحه هاميلتون هو أمر خطير.
كان الرئيس المحافظ المتشدد بول فان هيندينبيرج هو الذي جعل هتلر مستشارا لألمانيا في عام 1933. ما جعل الحاكم الجديد قوة تدميرية كبيرة لم يكن فقط أنه كان مجنونا بالشك، لكن أيضا لأنه سيطر على قوة عظمى. ترامب قد لا يكون هتلر، لكن الولايات المتحدة أيضا ليست ألمانيا في عهد فايمار. إنها بلاد أكثر أهمية بكثير حتى من ذلك.
قد لا يزال ترامب سيفشل بالفوز في الترشيح الجمهوري، لكن، إن فعل، سيكون على النخبة الجمهورية أن تسأل نفسها أسئلة صعبة - ليس فقط كيف حصل هذا، لكن كيف ينبغي أن تستجيب بشكل صحيح.
باستثناء ذلك، سيكون على الشعب الأمريكي أن يقرر نوع البشر الذين يرغب في إيصالهم إلى البيت الأبيض. الآثار المترتبة على هذا الخيار بالنسبة لهم وبالنسبة للعالم ستكون عميقة. فوق كل شيء، قد لا يتبين أن ترامب فريد من نوعه.
"قيصر" أمريكي قد تجسد الآن. وهو يبدو اليوم على أنه خطر حقيقي مثير للقلق. ومن الممكن أن يعود مرة أخرى في المستقبل.