انتقد الكاتب والصحافي البريطاني ديفيد هيرست, رئيس النظام المصري الحالي عبد الفتاح السيسي في مقالة كتبها بموقع “ميدل إيست آي” ردا على سير السيسي على خطى الراحل معمر القذافي وقوله لمعارضيه ” انتوا مين” اذ عنون مقالته ” السيسي ..من أنت؟”.
وكتب هيرست “القليل من القادة العرب اليوم يرغبون في مقارنتهم بالكولونيل معمر القذافي، الديكتاتور الليبي الذي لقي نهاية مروعة.. عدد أقل يدعو لعقد تلك المقارنة، من خلال الاستشهاد بكلمات تفوه بها القذافي متحدثا من أنقاض مبنى سبق أن دمرته غارات أمريكية جوية عام 1986. واستغل القذافي المشهد ليناهض الثورة الليبية بعد شهر من اندلاعها صارخا: “من أنتم؟”
وقبعت كلمات القذافي في أدنى منازل التاريخ، حيث أنها تمثل تعبيرا عن غضب وعدم إدراك ديكتاتور يفقد قبضته على السلطة.. بحسب ترجمة موقع مصر العربية.
وتابع هيرست: ما الذي جعل السيسي يقتبس تلك الكلمات في خطابه الأسبوع الماضي؟
وقال السيسي: “انتو مين.. قسما بالله اللي هيقرب لها لأشيله من فوق وش الأرض”.
السيسي قال الكثير بخلاف تلك الكلمات، مثل أنه فقط الذي يعرف ما يفعل، ومطالبته لكل مصري التبرع للحكومة بجنيه يوميا صباح كل يوم.. مضيفا “لو ينفع أتباع هتباع” من أجل خاطر مصر، معتبرا أن الوقت ما زال مبكرا لتحقيق الديمقراطية، مطالبا المصريين بالاستماع إليه فحسب.
وأضاف: عبر السيسي عن ذلك قائلا: انا بقول لكل اللي بيسمعني في مصر لو سمحتم ما تسمعوش حد غيري انا بتكلم بمنتهي الجدية ما تسمعوش كلام حد غيري”.
وتخلل الخطاب نوبات من الضحك الهيستيري، وتعنيف الحكومة ودموع الأسى.
هذا الأداء الذي قدمه رئيس مصري في افتتاح مشروع يحمل اسم “استراتيجية مصر من أجل التنمية المستدامة، رؤية مصر 2013” يمثل تحديا للفكرة.
الخطاب لم يكن الوحيد الذي تسبب في إثارة توجس أنصار السيسي تجاه حكمه.
ففي مؤتمر عبر الفيديو، “فيديو كونفرنس”، أخبر السيسي المصريين بضرورة التشقف، أثناء افتتاحه سلسلة من مشروعات التنمية في محافظات مختلفة.
وأشار إلى أن دعم المياه يكلف الدولة 40 مليون جنيه مصري يوميا، واصفا ذلك بالعبء الذي لم تعد الدولة قادرة على تحمله.
لكن في طريقه للمؤتمر المذكور، سارت سيارات موكبه الرئاسي على سجادة حمراء بطول ثلاثة أميال.
العميد إيهاب القهوجي اعتبر أن السجادة الحمراء تجلب البهجة والاطمئنان للمواطن المصري، تجاه قدرة ” شعبنا وقواتنا المسلحة على تنظيم أى شئ يبعث بالراحة فى نفوس المواطنين بشكل عام”.
ولكن أسواق مصر المالية لا ترى الأشياء على هذا النحو، فقد انخفض الجنيه المصري لمستوى قياسي في السوق السوداء، ولامس الدولار مستوى 9 جنيهات، وزادت الضغوط على الحكومة لتخفيض قيمة العملة.
الاحتياطي الأجنبي تراجع إلى النصف منذ ثورة 2011، وتحديدا من 36 مليار دولار في يناير 2011 إلى 16.4 مليار دولار الآن.
ويأتي ذلك بالرغم من ضخ المملكة السعودية والإمارات والكويت أموالا لمصر بلغت زهاء 50 مليار دولار في الفترة من أغسطس 2013 إلى 2014،، وتمويلات إنقاذ مالي أخرى تقدر بـ 12 مليار دولار في مارس 2014.
الاحتياطي الأجنبي الآن يعادل ثلاثة شهور واردات، وهو الحد الأدنى في توصيات صندوق النقد الدولي.
المصادر التقليدية للعملة الأجنبية أصيبت بالجفاف. فقد انخفضت إيرادات السياحة التي تولد من 9 إلى 11 % من العملة الأجنبية بنسبة 46 % الشهر الماضي مقارنة بذات الفترة من العام السابق.
كما تراجعت إيرادات قناة السويس في عام مشروع التوسعة الذي تكلف 8.2 مليار دولار.
الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس كان قد ادعى أن مشروع التوسعة من شانه أن يزيد الإيرادات إلى أكثر من الضعف، لتبلغ 13.5 مليار دولار سنويا عام 2023.
لكن العام الماضي انخفضت الإيرادات السنوية خلاله من 5.5 إلى 5.2 مليار دولار.
الاستثمارت الأجنبية تبلغ الآن 40 % مما كانت عليه عام 2007،.
موقف أحد المستثمرين الأجانب ينبغي أن يقلق السيسي بشكل خاص، فالسعودية تحت قيادة الملك سلمان أثبتت أنها أقل صداقة للسيسي من حقبة الملك عبد الله الذي مول الانقلاب.
ثمة العديد من الأسباب وراء الصقيع بين الرياض والقاهرة. فالإدارة الداخلية لعبد الله كانت تشن حملة عنيفة ضد خلافة سلمان، وكذلك فعل الإعلام الماضي الخانع لهم.
وعلاوة على ذلك، فإن أموال المملكة تنفد جراء الانهيار في أسعار النفط ، التي كانت الرياض وراءه للضغط على منتجي النفط الصخري الأمريكيين للخروج من السوق.
ولكن ربما يتمثل السبب الأهم غير المنطوق في أن الدائرة الداخلية لسلمان لم تعد ترى في السيسي، بشكل شخصي رهانا آمنا.
ولكن تلك الفكرة لا تعني أن السعودية على وشك التخلي عن اعتقادها بأن مصر لا يمكن إلا أن يحكمها فيلد مارشال، لكنها قد تعني أن العاهل السعودي لن يقيم الحداد إذا استبدل الجنرال المصري بآخر، وهو السيناريو الأكثر احتمالا في الوقت الراهن.
الدليل على خط سعودي جديد متشدد يمكن رؤيته بشكل خاطف، لكنه متواجد.
في ديسمبر الماضي، وافقت السعودية على استثمار 30 مليار ريال، أي حوالي 8 مليار دولار، في مصر عبر صناديقها العامة والسيادية، لمساعدة مصر في التغلب على أزمة العملة الأجنبية.
وذكرت بلومبرج أن وعود التمويل تشير إلى أن المملكة ما زالت ملتزمة بدعم مصر بالرغم من أسعار النفط المتهاوية، والحرب في اليمن.
لكن صحيفة المصري اليوم ذكرت الآن أن الجانب السعودي في مجلس التنسيق المصري السعودي رفض عددا كبيرا من المشروعات كانت ستجذب استثمارات بقيمة 8 مليار دولار.
وبحسب مصادر للصحيفة، فإن المفاوضات بين الجانبين صارمة، حيث ينظر إليها الجانب السعودي من منظور تجاري متشدد فحسب.
الأيام التي كان فيها السيسي يتمازح مع مساعديه بشأن حجم الأموال التي يمتلكها الخليج، و “الفلوس اللي زي الرز” ، ولت الآن.
العلامات حول أزمة نقدية مصرية تلوح في كل مكان.
ثمة نقص في الدواء لأن تلك الصناعة ينبغي أن تدفع بالدولار مقابل الحصول على المواد الخام، مع تحصيل رسوم الدواء بالجنيه المصري.
وشهد ديسمبر الماضي نقصا في الأدوية طال 232 صنفا، بينها 43 ليست لها بدائل.
شركة الدواء بيوفارما ذكرت أن الأسعار تحددها وزارة الصحة المصرية، بما يعني أن تكلفة المواد الخام تستقطع من هوامش ربح المنتجين.
التأثير الإجمالي لذلك دفع شركات الدواء إلى عدم صناعة أنواع معينة لتقليل الخسائر.
صحيفة “جولف نيوز” ذكرت أن شركة “إير فرانس غير قادرة على تحويل ما يعادل 100 مليون جنيه مصري من إيراداتها خارج الوطن بسبب نقص الدولار.
وقال المسؤول بالشركة سيس أورسيم: “إنها مشكلة خطيرة جدا لأن كافة إيراداتنا محجوزة في البنك، وفي ذات الوقت فإن التكاليف مستمرة، مثل تأجير الطائرات والوقود وأجور الموظفين، وحقوق التحليق، ..إلخ، والتي ينبغي أن تدفع بالدولار، إذن كيف يمكن افتراض قدرتنا على تحمل مثل هذا الأمر؟”
شحنة من الغاز الطبيعي المسال من شركة “بي بي” تم تحويلها إلى البرازيل في يناير بعد تجميد مصر المدفوعات حتى مارس، بحسب ما ذكرت وكالة إنترفاكس.
وأضاف التقرير أن مصر مدينة بـ 3 مليار دولار لشركات النفط العالمية، في أموال لا يرجح أن تسدد قبل نهاية 2017.
وتدريجيا، يضيق العالم الخناق على السيسي. وهو السبب، في وقت تتعمق فيه أزمة حكمه، وراء ظهوره أكثر انفصالا عن الواقع.
سلوكيات السيسي باتت غير مفهومة حتى بالنسبة لمؤيديه.
الأنسب بالنسبة للسيسي الآن تشكيل حزب حكومي، أو على الأقل مشاركة وطأة الحكم مع قلة من الأوليجاركية، لكنه بالرغم من ذلك يفعل العكس، ويلعب دور الفرعون ذي المسحة الربانية ، والذي يتحمل بمفرده مصير مصر في يده.
هذا الفرعون أحرق طريقه عبر مليارات الدولارات النقدية المستترة.
وخلال ذلك، نبذ السيسي معظم الذين دعموا انقلابه ضد الرئيس الإخواني.
وبمرور الوقت، لن يستطيع السيسي أن يلقي على عاتقهم (الإخوان) مسؤولية الفوضى في مصر.
الانتقادات الصريحة في الإعلام المصري أحد أعراض استياء واسع النطاق بين عشيرته الخاصة.
وفي نهاية المطاف، ستنفذ أعذار السيسي، ولن يجد الكلمات التي يعبر بها مثل القذافي.
سيتساءل السيسي مجددا “من أنتم؟، وحينها سيجد الإجابة.