رام الله-الوسط اليوم:ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي / معا الأوضاع المعيشية الصعبة والحياة البدائية، من لنية تحتية بدائية، وخطوط اتصال ومواصلات مفقودة، ومستوطنات تلف جهاتها الأربع، واعتداءات متكررة وترحيل قسري، تلك حال قرية يانون الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة نابلس على بعد 18 كم والتي لا تلمح فيها أي مؤشرات نمو تطويرية رغم طبيعتها الخلابة، لا سيما بعد دمجها مع بلدية عقربة، ما ساهم في تغييب معاناتها عن الأنظار.
شطب عن الخارطة
لمعرفة اسباب اهمال القرية، تحدث راشد مرار رئيس مجلس قروي يانون لمعدة التقرير عزيزة ظاهر قائلاً، قرية يانون تقسم إلى قسمين، يانون الشمالية والتي كان اسمها "عين يانون" وسميت بهذا الاسم لوجود عين ماء فيها، علمًا انه بعد تصنيف هذه المنطقة ضمن المنطقة المصنفة (ج) حسب تقسيمات أوسلو حوّل الاسرائيليون اسمها إلى "خربة يانون"، وقبل أربع سنوات تم شطبها عن الخارطة، ويمنع البناء في يانون الشمالية نهائيا وتسكنها 6 عائلات وعددهم 37 نسمة إضافة إلى وجود مدرسة القرية بهذا الجزء، أما القسم الثاني هو يانون الجنوبية والمعروف "يانون التحتا" المصنفة ضمن المنطقة (ب) فتسكنها 10 عائلات وعددهم 42 نسمة، وبهذا يكون عدد البيوت المسكونة بقرية يانون 16 بيتا وعدد سكانها 79 فردا".
خمس بؤر استيطانية
يتابع مرار: "يانون قرية زراعية تبلغ مساحتها 16450 دونماً، تمتد حدودها من قرية عورتا وحتى منطقة الأغوار، تم مصادرة 13 ألف دونم لصالح المستوطنات المحيطة بها، أما الأراضي المتبقية فيصنفها الاحتلال ضمن مناطق "سي" ويمنع أصحابها من زيارتها إلا بالتنسيق المسبق، فيانون محاصرة بمستوطنة ايتمار التي أقيمت عام 1983 على أراضي عورتا والقرى المحيطة، وخمس بؤر استيطانية تشعبت عنها خلال انتفاضة الأقصى الثانية مثل "جدعونيم" من الجهة الشمالية و "جفعات عولام افري آران" من الجهة الغربية وبؤر أخرى أطلقت عليها أرقام مثل "777" من الجهة الشرقية ومن الجهة الشمالية الشرقية "776" ومن الجهة الشرقية الجنوبية "778" تعتليها جميعها الأبراج العسكرية لمراقبة ومتابعة تحركات أبناء القرية.
الخنازير سلاح المستوطنين
مع دخول فصل الشتاء، يضيف التقرير، تتزايد معاناة المزارعين في قرية يانون جراء إطلاق المستوطنين قطعان الخنازير البرية باتجاه الأراضي المزروعة، يقول مرار: "جرائم المستوطنين تتنوع وتتطور وأدوات حربهم غير محدودة، فمن عمليات القتل المباشر إلى حوادث الدهس على الطرقات ومن حرق المحاصيل الزراعية وقطع الأشجار وتجريف الأراضي إلى إطلاق الخنازير على أراضي المزارعين".
ويرى مرار أن إطلاق الخنازير على أراضي يانون يعتبر سلاحاً شيطانياً رهيباً مضمون الفعالية، وقد بدأ المستوطنون باستخدامه بهدوء وبعيدا عن الأضواء منذ سنوات، وهو سلاح موجه لا يلحق الضرر بالمستوطنين، نظرا لوجود الأسلاك التي تحيط بمستوطناتهم من كل الجهات، ويضيف مرار" تضررت مزروعاتي كما حال مزارعي يانون من الخنازير ففي العام الماضي زرعت خمسة دونمات وتلفت كلها بسبب الخنازير، وفي فصل الشتاء تأكل الخنازير محصول الفول وكل ما نقوم بزراعته من قمح وشعير تأكله الخنازير ولا يبقى سوى 20% من المحصول".
بدوره قال امجد الخراز من سلطة جودة البيئة: "نظرا لضعف إمكانيات السلطة ونظرا للقيود التي تفرضها سلطات الاحتلال على تحرك السلطة في المناطق المصنفة (سي) يصعب السيطرة والقضاء على الخنازير، فمن المنتظر أن تتحول هذه الحيوانات الخطيرة في غضون السنوات القليلة القادمة إلى وباء كبير يهدد البيئة والأرياف الفلسطينية ويهدد المناطق الزراعية إذا لم يتم السيطرة عليها، ولا تهاجم الخنازير فقط المزروعات بل تهاجم المزارعين وتتسبب بقتلهم كما حصل في قرية سبسطية ".
يانون تكتسي بالخضار
يتمويل من حكومة أبو ظبي وبالشراكة مع وزارة الحكم المحلي حظيت قرية يانون بمشروع تركيب بيوت بلاستيكية بتكلفة 70 ألف دينار، وعن هذا المشروع تحدث مرار:" تم تقديم بيت بلاستيكي لكل عائلة في يانون بمساحة نصف دونم وقد استفادت جميع العائلات، بهدف دعم سكان القرية وتعزيز صمودهم أمام مضايقات المستوطنين سيما أن رجال القرية جميعهم مزارعون ولا يوجد موظفين فيصعب علينا مغادرة القرية تحسبا لأي هجوم طارئ من المستوطنين على نسائنا وأطفالنا، ونقوم بزراعة جميع أنواع الخضروات ونبيعها في أسواق حسبة نابلس".
وعن الأسمدة المستخدمة تحدث المزارع كمال بني جابر صاحب بيت بلاستيكي في يانون الفوقا الواقعة ضمن المنطقة (سي): "جميعنا في يانون مزارعون ولدينا مزارع أغنام وبركسات دواجن وقد استغلينا روث الأغنام وزبل الدجاج في تسميد التربة والمزروعات رغم أنها تحتاج إلى مياه بنسبة كبيرة وسعر كوب الماء في يانون 9 شيقل، ومن هنا أطالب المسؤولين في سلطة المياه بضرورة الالتفات أكثر إلى وضعنا وتخفيض أسعار المياه وخاصة أنها أصبحت بطريقة الدفع المسبق حتى يتسنى لنا الاستفادة من البيوت البلاستيكية والاستمرار بالعمل بها فأنا احتاج إلى أكثر من 1000 شيكل مياه بالشهر إضافة إلى التكاليف الأخرى".
ويشاطر المزارع اليانوني علام أبو أسامة زميله بني جابر رأيه بضرورة تخفيض سعر كوب المياه في يانون وضرورة التفات المسؤولين لقريتهم، مشيرا إلى انه يستخدم الأسمدة العضوية " الكمبوست " بعد تخمير زبل الدواجن والأغنام وتجهيزه للتسميد إضافة إلى استخدام القليل والمسموح به من الأسمدة الكيماوية أحيانا، ويذكر أبو أسامة انه وقبل شهر "ولولا عناية الله" لقامت قطعان الخنازير بتدمير بيته البلاستيكي بعد مهاجمته إلا انه وبمساعدة أهل القرية قد استطاعوا صدها".
أبقار مجندة
تطرق مرار إلى معاناة أهل يانون من أبقار المستوطنات التي تجتاح أراضي يانون بطريقة عشوائية وتأكل بطريقها الأخضر واليابس ولا تفرق بين شجرة زيتون وشجرة بلوط، وتعود ملكيتها لحارس مستوطنة "جدعونيم" الأمر الذي تسبب بتخريب شجر الزيتون وإفساد الموسم، كما وتهاجم البيوت البلاستيكية، وفي فصل الصيف محاصيل القمح والشعير وتفسد مواسم الحصاد، ويضيف" أنها أبقار مجندة ومدربة حيث يعلقون في رقبة كل بقرة قلادة تحمل جهاز تنصت وتسجيل وأحيانا كاميرات لمتابعة كل كبيرة وصغيرة في يانون.
احتياجات يانون
مازالت قرية يانون تفتقر إلى الكثير من الخدمات التطويرية، كالمواصلات والاتصالات، حيث تفتقر البلدة لوجود خطوط هواتف لقلة عدد المشتركين فشركة الاتصالات الفلسطينية لا توفر الخدمة لأقل من مئة مشترك معها كما أشار مرار، ويتابع: "يواجه طلبة يانون الجامعيين مشكلة بالغة بالوصول إلى جامعاتهم لعدم وجود خط مواصلات من يانون إلى نابلس وبالعكس، ما يكلف الطالب وقتا وجهدا وكلفة عالية بالوصول إلى عقربة ومن ثم إلى مدينة نابلس، وتفتقر البلدة لوجود مركز صحي أو سيارة إسعاف، الأمر الذي يؤخر من إسعاف بعض الحالات الطارئة.
وعن المشكلة الأبرز التي تعاني منها يانون يقول: " يانون تفتقر إلى وجود طرق زراعية تسهل من وصول المزارعين إلى أراضيهم حيث تمنعنا السلطات الإسرائيلية من شق أي طريق زراعية وتصادر المعدات في أحيان كثيرة". وقد طالب الجهات المسؤولة في المحافظة بضرورة توفير جرار زراعي وباجر لخدمة أهالي يانون وتعزيز صمودهم في أراضيهم، وتقديم الدعم كالأعلاف للمزارعين وخاصة أن 90% من مراعي يانون مصادرة".
دمج يانون مع عقربة
وحول مشروع دمج مجلس قروي يانون مع بلدية عقربة يقول مرار: " قرار دمج قرية يانون مع بلدة عقربة التي تبعد عنا 5 كم كان بمثابة طعنة في ظهر القرية، فعملية الدمج ساهمت في تهميش القرية وشطبها من الوجود لتراجع المشاريع الداعمة فغيبت الأنظار عن يانون، وكثيرٌ من الدول المانحة عزفت عن تقديم المشاريع الداعمة للقرية، وبذلك تكون يانون قرية مهمشة محلياً وعربيا ودوليا".
وفي نفس السياق تحدث نائب رئيس بلدية عقربة بلال عبد الهادي" بعد دمج يانون مع بلدية عقربة قمنا بتزويدهم بخدمة الكهرباء وشبكة مياه، إلا أن إمكانية المساعدات المقدمة لها من الدول المانحة أصبحت محدودة بعد عملية الدمج التي انعكست سلبا على أهالي يانون، خاصة بعد هجرة حوالي 20 عائلة من يانون إلى عقربة بعد تسليمهم إخطارات هدم لبيوتهم وتضييق الخناق عليهم وعلى ممتلكاتهم".
يدوره أكد محافظ نابلس أكرم الرجوب أن المحافظة تبدي اهتماما كبيرا بموضوع يانون وتعزيز صمود الأهالي في وجه المستوطنين والاستيطان، وأنهم على استعداد تام لعمل كل ما يلزم من اجل حماية الوجود الفلسطيني في يانون، وتلبية كافة احتياجاتهم ومطالبهم، مشيرا إلى عرقلة السلطات الإسرائيلية الكثير من المشاريع التطويرية في يانون مثل شق الطرق الزراعية وإعادة تأهيل طريق يانون عورتا والتي يقع جزء منها في مناطق مصنفة (ب) وأخرى في مناطق مصنفة (ج)، وهذا يتطلب موافقات إسرائيلية للعمل فيها، موضحا أن إعادة افتتاح الطريق أمام أهالي يانون يوفر عليهم العناء الكثير ويحيي المنطقة بأكملها، ويعزز صمودهم في أراضيهم التي وضع المستوطنون يدهم عليها وأصبحت مرتعا لأبقارهم".
أصغر مدرسة في العالم
ويضيف التقرير أنه في بيت قديم مساحته لا تتجاوز 130 متراً مربع، مكون من ثلاث غرف تم ترميمه حديثا، يتلقى سبعة طلاب فقط من أبناء يانون تعليمهم الأساسي بإشراف طاقم تدريسي بعدد الطلبة، الأجواء في المدرسة مختلفة عن أي أجواء أخرى، ويواصل مرار "تتبع مدرسة يانون إلى وزارة التربية والتعليم، وتفتقر إلى الكثير من الاحتياجات الأساسية التي تمكنها من تطوير العملية التعليمية، كالحواسيب وآلات التصوير، والملعب والساحة، ويمنع الاحتلال عمليات التوسعة في المدرسة لوقوعها في المنطقة (ج)، الأمر الذي دفعنا لبناء سقف المدرسة من الزينكو خشية إقدام سلطات الاحتلال على هدمها، ووجود المدرسة يؤكد صمودنا في وجه الاستيطان ومقاومتنا له وتشبثنا بأراضي القرية".
تراث مندثر
وأشار التقرير أيضاً إلى أن في قرية يانون العديد من الأماكن الأثرية التي تكسبها أهمية دينية وتاريخية، وهي تعاني من إهمال كبير من الجهات المسؤولة، وكنا في مجلة آفاق البيئة والتنمية وخلال إعداد تحقيق عن المسارات البيئية في عدد سابق قد زرنا مقام النبي نون برفقة راشد مرار، ودخلنا معه إلى غرفة المقام الواقع على قمة جبل شرق يانون، وفيها قبر النبي نون عليه السلام وبئر عميق جدا "لو رميت فيه حجرا لن تسمع له صوتا"، ويحتوي المقام على بقايا محراب وبقايا مسجد، وبالقرب منه مازالت شجرة النبي نون شامخة بشموخ يانون وشاهدة على قدسية المكان.
وقد استصرخ مرار المسؤولين في وزارة السياحة والآثار والجهات المعنية للاهتمام بالمكان وإعادة ترميمه، ونوّه إلى أن هذا المقام غير معروف للسياحة المحلية والأجنبية وطالب بضرورة شق مسار بيئي يصل بين بلدتي عقربا وصولا إلى قمة جبل يانون لإبراز هذه المنطقة للمجتمع المحلي والخارجي من خلال تسيير مجموعات سياحية إليه لتثبيت الوجود الفلسطيني بالمكان والاضطلاع على معاناة أهل يانون عن كثب.
وبالقرب من المقام تقع مقبرة عثمانية صغيرة لا يتجاوز عدد القبور فيها عشرين قبراً، ويوضح مرار أن هذه القبور كانت تغطيها شجرة خروب كبيرة أقدم لصوص الآثار والعابثين على إحراقها وتخريبها فظهرت المقبرة الإسلامية بشواهدها المنقوش عليها آيات من القرآن، ولكن حرمة الأموات لم تمنعهم من نبش القبور وتحطيم شواهدها وإخراج رفات وعظام المدفونين فيها وبعثرتها هنا وهناك، مؤكداً أنها جريمة ارتكبت بحق أموات مقبرة البشناق العثمانية دون رادع.