لا نريد أن نبدأ سطور مقالتنا هذه بالحديث عن التطور الصادم الناتج عن الموقف السويدي الجديد لأنه يبدو أن حبال الكذب قصيرة جداً ، لذلك لابد من البدء بالإشارة إلى أنه بالرغم من محاولة رئيس الدبلوماسية الفلسطينية رياض المالكي بيع الوهم لقيادته من خلال تسويق نجاحات للدبلوماسية الفلسطينية غير مسبوقة ، سرعان ما أوضحتها الوقائع تباعا بأنه كان يقوم بدور مخادع ويبيع وهماً فارغ المضمون من الأسس المهنية الراسخة والتي كان يتوجب أن تبنى على قواعد من العلاقات والمتابعة المتينة ، حيث أن الأحداث المتلاحقة في الأيام القليلة الماضية أثبتت ذلك .
فمثلاً ، بعد تصريحات عائلة الضحية الفلسطيني عمر النايف الذي قتل في سفارة فلسطين في صوفيا التي أكدت فيها على تدخل وزير الخارجية الفلسطيني شخصياً في حرف بوصلة التحقيق ومحاولة تزوير نتائجه ، نفت السفيرة الإسرائيلية في العاصمة البلغارية أي علاقة لبلادها بهذه الجريمة، كما أكد على ذلك مسؤول أمني إسرائيلي حسب ما أوردت وكالات الأنباء عندما ذهب بعيداً بالتأكيد على براءة الإحتلال من التورط في هذه الجريمة وذلك من خلال التعبير عن رفضه وإستهجانه للطريقة الهمجية التي قتل بها النايف، مما أضفى على الموضوع شكوكاً كبيرة حول أن الجريمة جنائية وليس سياسية، حيث أن جميع المعلومات الراشحة حول الموضوع تشير إلى خلافات حول مسببات وجود النايف في السفارة وضيق بعض أفراد طاقمها من تواجده فيها ، مما جعلهم يمارسون عليه ضغوطات هائلة لإخراجه منها، وهنا من البديهي أن يؤدي ذلك إن كان هو السيناريو الذي حدث فعلاً ، لربما إلى تصادم قد يكون أدى إلى النتيجة النهائية وهي جريمة القتل!، وبالتالي ليس غريباً أن توجه أصابع الإتهام جميعها إلى تورط السفارة الفلسطينية من جهة وتحميل المسؤولية إلى وزارة الخارجية ممثلة بوزيرها من جهة أخرى ، لذلك صدرت بيانات عن الكثير من المؤسسات الفلسطينية وعن الجبهة الشعبية التي كان ينتمي إليها عمر النايف، والتي طردت من صفوفها في السابق رياض المالكي الذي يشغل منصب وزير الخارجية الفلسطيني الحالي بسبب شبهات غير مقبولة تنظيمياً في حينه كما قيل، وذلك بالمطالبة بإقالة هذا الوزير ومحاكمته بالتوازي مع إقالة السفير الفلسطيني في العاصمة البلغارية صوفيا.
أيضاً من المدعاة للسخرية هو ما تباهى به رياض المالكي رئيس الدبلوماسية الفلسطينية سابقاً حول إنضمام فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية ، لكن كما يبدو أن صوته خفت بعد كشف حقيقة الفضيحة والدور المشبوه الذي لعبه في هذا السياق ، وهو يعرف مسبقاً بأنه لا يمكن له أن يحقق أي نتيجة سوى مكاسب مادية له من خلال إستغلال الفريق الذي كلفه كأدوات طيعة بدون أن يكون مؤهلاً في مجال القضاء والعدل لمتابعة قضايا تهم العدالة من المفترض أن تقدم إلى هذه المحكمة بمهنية عالية الدقة.
أيضا، من المهازل التي تثير السخرية حيث أن الرجل بات يتخبط ويبحث عن أي مسرحية يبيع من خلالها وهماً جديداً ، حيث أنه يحاول في هذه الأيام أن يعيد لنفسه الإعتبارمن خلال محاولة الحصول على عضوية في محكمة التحكيم الدائمة التي مقرها لاهاي والتي تختلف في عضويتها عن العضوية في محكمة العدل الدولية، حيث أن هذه المحكمة ليست مفتوحة للدول فقط للحصول على العضوية فيها، بل، وللأطراف الأخرى أيضاً ، حيث أنها تقدم خدمات لتسوية النزاعات المتعلقة بأمور مختلفة من الدول والكيانات والمنظمات الحكومية الدولية وأطراف من القطاع الخاص ، ومع ذلك لا زال الرجل يتلقى الصفعات واحدة تلو الأخرى، بالرغم من أن فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة إلا أنه لا زال يواجه صعوبة بالغة في إحتواء التحديات التي تواجهه في تسجيل إسم فلسطين كعضو في هذه المحكمة!.
أيضاً في تطور يؤكد على وجوب منح الدبلوماسية الفلسطينية الحالية لقب الفاشلة بجدارة ، وذلك بعد التراجع المفاجئ والصادم لوزيرة الخارجية السويدية ، مارغوت وولسترم، عن تعاطفها المطلق مع الشعب الفلسطيني، وبالمقابل تأكيدها على دعمها الكامل لحق إسرائيل كقوة إحتلال بالدفاع عن نفسها وبأنها تعارض مبدأ المقاطعة لبضائعها!، مما يعني أن تراجعاً دبلوماسياً فلسطينياً حاداً قد حصل مقابل تفوق دبلوماسي إسرائيلي كبير، مما يعني أن ترهلاً وخللاً كبيراً وتخبطاً وضعفاً وإهتزازاً وعدم ثقة بدأ يظهر جلياً بأنه يجتاح الدبلوماسية الفلسطينية لربما عن قصد جعلها تبدو خاوية ومترنحة، أصبحت بحاجة إلى مراجعة جوهرية!.
لم يكن ذلك فقط، بل هناك ما يشير للعجب أيضاً ، فبعد أن طبل ورقص وغنى وغرد عبر الإعلام قبل عدة أيام من العاصمة المصرية القاهرة وهو فرحاً بالدعوة لمؤتمر دولي للسلام سرعان ما تبين تراجعاً حول فكرته في الموقف الفرنسي الراعي للفكرة من الأساس ، حيث أنها تبنت عوضاً عن الدعوة لعقد هذا المؤتمر بأن يكون هناك محاولة حشد للمواقف التي من الممكن أن تدعم فكرة عقد هذا المؤتمر، وهناك شتان بين المفهومين!، لا بل ذهب الموقف الفرنسي بعيداً ، فبعد أن أعربت فرنسا بأنها ستعترف بالدولة فلسطينية إن أخفقت جهود السلام التي ستقوم بها ، قررت عوضاً عن ذلك بأنها لن تعترف "تلقائيا" بالدولة الفلسطينية في حال فشل مبادرتها من أجل إعادة إطلاق عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل!، فعن أي نجاح يتحدث رأس الدبلوماسية الفلسطينية، ونحن نرى الأصدقاء للشعب الفلسطيني قبل غيرهم يتراجعون؟!.
أيضاً، نقل عن أحد الدبلوماسيين الذين يمثلون أحد الدول المانحة للسلطة الفلسطينية في مجالات مهمة جداً، بأن رئيس الوزراء الفلسطيني بدأ مهاجماً سياسة هذه الدولة أمام وفد من رجال الأعمال الذين أرادوا أن يقدموا مساهماتهم في الإستثمار والبناء في مناطق السلطة، وذلك بناءاً على توصيات قاصرة من وزارة الخارجية الفلسطينية تدل على عدم الخبرة في القدرة على الإحتواء وإستثمار مثل هذه المناسبات للتأثير إيجابياً على المواقف السياسية ، فما كان من الوفد إلا الإستهجان والرفض للإسلوب الذي تم مخاطبتهم به!، فهل هذه هي دبلوماسية ناجحة أم عقم في الفكر الدبلوماسي الفلسطيني بمجمله وجهل بمتطلبات نجاحه؟!.
أخيراً ، في القمة الإستثنائية للمؤتمر الإسلامي التي عقدت مؤخراً في العاصمة الأندونيسية جاكرتا للتباحث حول القضية الفلسطينية ، لم يكن يرتقي الحضور حتى لمستوى قمة مصغرة، حيث تغيب غالبية الزعماء العرب والمسلمين عن هذه القمة ، لا بل لم تشارك الكثير من الدول حتى على مستوى وزراء خارجيتها !، مما يعد صفعة في وجه الدبلوماسية الفلسطينية التي جعلت الإهتمام العربي والإسلامي بالقضية الفلسطينية يتهاوى من خلال الإدارة الفاشلة التي تدير هذه الدبلوماسية.
السؤال هو بدون تفاصيل أخرى ، إلى متى سيبقى هذا الحال ؟!، نتمى أن يكون هناك القرار الفوري الذي لا يقل عن تجميد جميع مهام هذا الوزير حتى يتم البت بأمره إما بالإقالة وإما بالذهاب للمحاكمة وهو الخيار الأرجح والأكثر قبولاً وإنتظاراً من قبل الكثيرين من الشرائح المجتمعية من أبناء الشعب الفلسطيني، وذلك لنزع فتيل الغضب والمساعدة في حل أزمات متراكمة!.