لقد آن لنا أن ندرك أن علاج الأمور بتغطية العيوب والفساد وتزويق المظاهر لا جدوى منه ولا خير فيه، وكل هذا العلاج الخادع من زواج بين الناس أو تقرير خاطئ لن يغير شيئاً من حقيقته الكريهة.
هل يشاركني القارئ الكريم الآن قبل أن أخوض في موضوعي أن الانتماء للوطن يتم تغذيته ونشره بالتربية، ولابد أن تكون لدى كل إنسان وكل كائن حي 'إنتماء' يشعر بإرتباطه بالوطن الذي ولد فيه وترعرع وتربى، ولا يحق تجريد أي إنسان من حالة الانتماء هذه، لأنه ليس لأحد الإدعاء بها دون سواه، وعليه فإن الانتماء حالة رحب أوسع من المواطنة، لأنه قد يكون هناك إنتماء قومي وآخر ديني وآخر إنساني، ولكن لا يمكن أن تتم هذه الحالة الأرحب والأوسع بدون أن تنطلق من حالة الدائرة الأولى ذات الصلة بالحالة التعاقدية مع الأرض التي ولدت ونشأت وترعرت عليها. وكما أعرف أنه لا يمكن أن تكون قومياً جيداً إلا إذا كنت وطنياً جيداً.
قد يسأل القارئ الكريم ما الجدوى من كل هذه الكلمات إذاً ولم يدخل في موضوعه، نعم عزيزي القارئ قد ذكرت في مقدمتي الإنتماء قبل الدخول في موضوعي، وذلك لأن الانتماء للوطن هو السبيل والنجاح للوطن وللشعب، ولم يخطر ببالي يوماً أن أتقاعس أو أنشغل بما انشغلت به اليوم بهموم وطني وأمتي العربية طيلة حياتي وأنا أكتب.
فلماذا نجح الآخرون ولم ننجح بعد؟ لا شك أن حاجاتنا للتنمية البشرية هي مفتاح الأساس إلى تنمية شاملة حقه تعتني ببناء الإنسان الحضاري الذي يشكل القيم الدينية والإنسانية الممتازة والخبرات والمهارات والتقنيات الحديثة كل هذه الأشياء هي الأساس في حدوث نقلات وطفرات نوعية حقيقية في كافة المجالات الحياتية سواء إقتصادية أو فنية أو إعلامية أو تربوية وسياسية أيضاً.
... فلو نظرنا إلى البلاد التي تقدمت ونمت في بضع سنين من قبلنا مثل (اليابان والصين وماليزيا وأندونيسيا) لقد حاربت الجهل والفساد والإشكاليات العقلية التي تسببت في تأخر وتجميل العقل وترسيخ حالة التخلف والضعف والتفكك والتبعية. لقد عملت هذه البلدان على النهوض بالتعليم أولاً ثم الاهتمام بالتكنولوجيا والإصلاح الإداري وفساده والنهوض بالسياسة وتقوية مؤسسات المجتمع المدني والانفتاح والتواصل مع العالم الثالث.
لقد عملت هذه البلدان على إحداث طفرة تحول نوعي كبير في العملية التعليمية، حيث أنها الأساس لأي نجاح في تخريج أجيال جديدة معتمدة على نفسها تستوعب وتحسن التعاطي مع التحديات وتتجاوزها لتحقيق التنمية والنهضة المنشودة، فعملت على تحول من مفهوم قديم إلى مفهوم الانتماء وحب الوطن إلى تعليم يهدف إلى تكديس وحشو أكبر قدر من المعلومات المستفيدة في عقل الطالب وتنمية القدرة على حفظها واستدعاؤها وقت الامتحان.
وبطبيعة الحال أدى كل هذا وذاك إلى تغيير وتطور نوعي وكلي في كافحة عناصر منظومة التعليم المكونة من إدارة ومعلم ومواد علمية. كما أنها اهتمت بالإصلاح الإداري الفاسد، لاشك أن كل تطوير يحتاج إلى تغيير، فالتغيير قبل أن يكون مبدأ إدارياً ملازماً للتطور، فهو سنه كونية متلازمة في كافة مجالات الحياة جميعها. ولابد من التغيير وتضحيات، ولكن من التضحيات تأتي النجاحات في الحياة جميعها التي يصب نجاحها في أن تراعى مصلحة المجتمع وتقدم مصلحة الأفراد والمؤسسات، فهذا في حد ذاته إنجاز وتطوير جزئي وتحول إستراتيجي كبير.
... فكيف نجح هؤلاء ونحن مازلنا نحاول، لقد تقدمت ونجحت هذه البلدان بعد أن أتوا بالإنجليز ليعلموهم بناء السكك الحديدية والفرنسيين ليعلموهم الدستور والقانون، والإيطاليين ليعلموهم الرسم والموسيقى، وأتوا بالألمان ليعلموهم صناعة الأدوية والأمريكان لبناء المدارس والجامعات.
... فها عزيزي القارئ الكريم هذه البلدان تقدمت بسواعد شباب الوطن وأبناء الوطن الواحد، فعملت على وحدة الصف في مواجهة اختبار الوجود والاستقرار والتقدم للوطن والحضارة والمستقبل.
غير أننا جميعاً يجب أن نتحمل جزءاً من الوزر فيما وصلت إليه بلادنا من فساد إداري وتفتيت وتفريق الشعب الواحد وضياع الضمير الرباني قبل المهني لبعض من القيادات الإدارية لإتخاذها الرأي المتخلف والمتعصب وممارسات الفساد مستهلكة سياسات إنتهازية لا تخدم ولا تفيد الوطن.
فمن هنا عزيزي القارئ الكريم نجح الآخرون ونحن ربما نلحق بهم وبنجاحاتهم إذا عالجنا أنفسنا وارتبطنا بوطننا وحبه وإنتمائه في أنفسنا، فلن يغفر الله وأيضاً الوطن لأي أحد تقاعس أو تراجع أو أفسد.
وقى الله مصرنا (الكنانة) من يريدها بسوء وحماها من ردة الظالمين وأبقاها منارة للحضارة والتقدم والاستنارة.
محمد شوارب
كـاتب حـر
[email protected]