ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا قضية النفايات الإسرائيلية المُهربة إلى أراضي الضفة في أعقاب حادثة ضبط شاحنة إسرائيلية مُحمّلة بنفايات صناعية خطرة في محافظة قلقيلية. في وقت تبدو فيه الإجراءات لمحاصرة هذه الظاهرة ضعيفة، رغم تأكيد سلطة جودة البيئة في عام 2015 أنها ستعمل على تنفيذ عقوبة السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، وفق أحكام المادة 13 من قانون البيئة الفلسطيني، بحق كل من يعمل على استيراد النفايات الخطرة إلى الأرض الفلسطينية.
جاء في التقرير المعد من قبل الصحفي فراس الطويل، "في مطلع شهر شباط، ضبطت سلطة جودة البيئة في مدينة قلقيلية وبالتعاون مع الضابطة الجمركية، شاحنة ممتلئة بالنفايات الصناعية، على الطريق بين قريتي كفر ثلت وعزون وكانت خارجة من مستوطنة "كرني شمرون" المقامة على أراضي المحافظة".
تبين بأن الشاحنة تعود لفلسطيني من بلدة كفر برا داخل الأراضي المحتلة عام 48. تقول الضابطة الجمركية أنها استجوبت السائق وتبين بأنه يعمل في مجال تهريب النفايات من المستوطنات الإسرائيلية، فيما قالت سلطة جودة البيئة إنها أعدت المحاضر حسب الأصول، بعد تفريغ طواقم بلدية قلقيلية للشاحنة للوقوف على محتوياتها.
فلسطينيا..ما هو الإجراء؟!
وبين مدير سلطة جودة البيئة في قلقيلية م. عصام القاسم لـ "مركز معا" بأن الشاحنة كانت تحتوي على خليط من مخلفات صناعات كيميائية ودهانات ومياه نار وبطاريات ومخلفات خطرة.
وبالنسبة لمصير السائق والشاحنة المضبوطة أكد القاسم بأنه تم إعادتهما للجانب الإسرائيلي من خلال الارتباط العسكري، وتم إبلاغه برسالة تهديد شديدة اللهجة أنه في حال تكرر الأمر فسيتم اتخاذ إجراءات صارمة، بحيث لن يتم تسليم السائق أو الشاحنة في المرات القادمة وفق تعبيره.
أثمان بخسة
علم "مركز معا" من مصادره أن النفايات الإسرائيلية يتم تهريبها إما من المستوطنات المقامة على أراضي الضفة أو من المصانع الإسرائيلية في داخل الخط الأخضر، ويتم تفريغها في أراض فلسطينية خاصة مقابل دفع مبالغ من المال، لا تتعدى في غالب الأحيان 100 دولار عن كل شاحنة يتم تفريغها، وفي بعض الأحيان لا يتعدى المبلغ المدفوع 50 دولاراً.
وفي الحادثة الأخيرة ورغم إنكار صاحب الأرض التي كانت الشاحنة تنوي تفريغ الحمولة فيها، تبين أن اتفاقاً بين السائق المُهرب وصاحب الأرض على تفريغ الحمولة مقابل 200 شيكل فقط. الأخيرُ أنكر بعد التحقيق معه أي علم له بطبيعة المواد الموجودة في الشاحنة، وزعم أن الاتفاق بينهما كان ينص على إحضار شاحنة محملة بالتراب الأحمر لأرضه الزراعية.
وتؤكد الضابطة الجمركية وسلطة جودة البيئة على وجود مواد خطرة داخل الشاحنة كانت بالفعل مدفونة تحت طبقة من التراب الأحمر، وبعد أن تم تفريغ الحمولة على الأرض، تبين وجود هذه المواد. حيث جرى تحميل المواد مرة أخرى في الشاحنة وإرسالها إلى الجانب الإسرائيلي.
القضاء غير رادع
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها ضبط نفايات إسرائيلية مهربة، يقول مدير سلطة جودة البيئة في قلقيلية وطولكرم عصام القاسم. مضيفاً: "حدثت حالات مماثلة مؤخرا في مناطق شوفة، فلامية، بيت ليد، وعزون. وفي كل الحالات كان أصحاب الأراضي يتقاضون أموالاً مقابل السماح بكب النفايات في أراضيهم، رغم إنكار بعضهم هذا الأمر وعدم معرفتهم بمحتوى هذه الشاحنات".
وعن الإجراءات المتبعة في حالات ضبط نفايات إسرائيلية، يؤكد القاسم أن سلطة جودة البيئة تقوم بإعداد كافة المحاضر والملفات اللازمة والمواد القانونية والتقارير الفنية وغيرها وتقديمها للنيابة العامة التي تحول الملف بدورها إلى القضاء، منتقدا في الوقت نفسه أسلوب تعامل المحاكم مع هذه القضايا، وتابع: "للأسف، القضاء لا ينظر لهذا الموضوع بالأهمية التي يتطلبها، الأمر يرجع في النهاية للنيابة والقضاء، ونحن ينتهي دورنا بعد رفع الملفات. لكن صراحة لا ندري كيف يتم التعامل مع المتهمين في هذه القضايا، رغم أن هناك مواد قانونية تتيح الحكم بالمؤبد على مهربي النفايات الخطرة، لكن يتم الالتفاف على هذه المواد من خلال المحامين عبر إقناع القضاة، ليتم الإفراج عن هؤلاء المتهمين بدفع غرامات بسيطة لا تتناسب مع حجم الفعل الذي اقترفوه".
من ناحية ثانية، أكد القاسم أن سلطته تعكف على إعداد النماذج المتعلقة بالخروقات الإسرائيلية لتقديم شكوى فلسطينية ضد إسرائيل لسكرتاريا اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، بالإضافة إلى تقديم شكوى للارتباط المدني الفلسطيني بهذه القضية . وشدد على أن سلطة البيئة ستلاحق كل من يتعامل مع المقاولين على نقل النفايات الإسرائيلية.
حبر على ورق
كانت سلطة جودة البيئة أكدت في العام الماضي على "أن كل من يعمل على استيراد النفايات الخطرة إلى الأراضي الفلسطينية فستنفذ بحقه عقوبة السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، وذلك وفق أحكام المادة 63 المعطوفة على المادة 13 الفقرة أ من قانون البيئة الفلسطيني". إلا أن هذا الأمر بقي حبراً على ورق دون تنفيذ، ولم يسبق أن أصدر القضاء الفلسطيني أحكاماً بالمؤبد مع الأشغال الشاقة على أي من المتهمين في قضايا تهريب النفايات إلى الأرض الفلسطينية. وفي غالب الأحيان يتم إخراج المتهمين بعد دفع غرامات قليلة تصل في بعض الأحيان إلى قرابة مائتي دينار أردني، الأمر الذي يطرح تساؤلات ملحة عن مدى الجدية في محاصرة هذه الظاهرة التي تفتك بالبيئة والإنسان الفلسطيني.
القضية ليست جديدة..وتتم بغطاء إسرائيلي رسمي
في العقد الأخير برزت قضية النفايات الإسرائيلية بشكل كبير، حيث واصل الاحتلال الإسرائيلي، ممثلا بإدارته المدنية وشركاته ووزاراته، دفن كميات ضخمة من النفايات الصلبة والخطرة في أراضي الضفة الغربية. ولم تكتف سلطات الاحتلال بالمواقع العشوائية التي سيطرت عليها في أراضي الضفة لدفن نفاياتها، إضافة إلى نفايات المستوطنات؛ بل إنها وضعت اليد على مزيد من الأراضي لذات الهدف. وذلك بالرغم من أن المعاهدات الدولية تمنع بوضوح نقل النفايات من الدولة المحتلة إلى الأراضي التي احتلتها.
وتؤكد المصادر الإسرائيلية أن كميات النفايات الإسرائيلية التي تدفن في أراضي الضفة آخذة في الازدياد، وبخاصة مخلفات البناء التي يبلغ سعر دفن الطن الواحد منها في الضفة 30 شيكلا. وتتسبب النفايات الإسرائيلية التي تلقى في جوانب الطرق والأراضي الفلسطينية المفتوحة، فضلا عن المكبات العشوائية، دون أية معالجة، في أذى بيئي وصحي خطير، وبخاصة تلويث الأراضي والأجواء والمياه الجوفية الفلسطينية.
أراضي الضفة..مكبات رخيصة!
ويكمن الدافع الأساسي وراء ظاهرة تصدير وتهريب النفايات الإسرائيلية من إسرائيل إلى الأراضي المفتوحة في الضفة الغربية في أن أسعار دفن النفايات الإسرائيلية في الضفة أقل بكثير من الأسعار المفروضة في المكبات الإسرائيلية المرخصة.
الجدير بالذكر، أن مجلة "آفاق البيئة والتنمية"الصادرة عن مركز معا، كانت قد كشفت في آذار عام 2008 عن شاحنات إسرائيلية تفرغ حمولاتها من النفايات الإسرائيلية في أراضي قرى شقبا، ونعلين، وقبية الواقعة غرب رام الله، حيث يعمد بعض الفلسطينيين في هذه القرى، بسبب الحاجة والفقر وعدم الوعي البيئي والصحي والوطني، إلى تأجير أراضيهم الزراعية لشركات إسرائيلية مختصة بالتخلص من النفايات الإسرائيلية، والسماح لعشرات الشاحنات التابعة لهذه الشركات بإلقاء نفاياتهم يوميا لقاء مبلغ زهيد من المال. ويتم بعد ذلك حرق هذه النفايات الخطرة التي تحوي مخلفات كيماوية وطبية وصناعية وغذائية، فتنبعث منها غمامة كبيرة من الغازات والروائح الغريبة والسامة.
ستبقى الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة مكباً لنفايات الاحتلال بمختلف أشكالها، في حال استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه دون اتخاذ إجراءات فلسطينية حقيقية وتنفيذ العقوبات الرادعة بحق المتورطين، ناهيك عن ضرورة توعية المجتمع المحلي بمخاطر هذه الظاهرة وضرورة رفضها وعدم السماح للمقاولين الإسرائيليين و"المنتفعين" من الفلسطينيين باستغلال أراضي القرى والإضرار بالبيئة والصحة.