بالرغم من وعدي لقرائي الأعزاء بأن مقالتي اليوم ستكون بعنوان " الدخول إلى الممنوعات في السلك الدبلوماسي الفلسطيني" إلا أنه يبدو أن رئيس تحرير وكالة معاً الأستاذ ناصر اللحام أراد أن يقول للشارع رسالة ما ، فوجدت أنه من الأمانة الأخلاقية أن أفند رسالته حتى لا تمر مر الكرام حيث أنه كاتب له إحترامه وتقديره والكثيرين في أوساط الشارع الفلسطيني يتمنون له أن يحافظ على مصداقيته.
في مقالة له بعنوان "ضغوطات عربية وخلافات قد تدفع بالرئيس للعودة لمصافحة نتانياهو" نشرت بالأمس على موقع وكالة معاً الإخبارية، حاول الأستاذ ناصر اللحام أن يقدم الرئيس محمود عباس بصورة جديدة محاولاً أن يجمل أسباب ما صرح به الرئيس مؤخراً من تصريحات مستفزة أثارت مشاعر أبناء شعبه ضده، لفتح الباب أمامه للنزول عن الشجرة للذهاب إلى المفاوضات خالي اليدين بدون أن تتحقق له أي من شروطه.
أولاً أود القول بأنني لم ألتقي الأستاذ ناصر اللحام في حياتي إلا مرة واحدة وكانت في مقر إقامته في نيويورك عام 2012 عند التصويت على قرار إنضمام فلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة ، وحسب ما أتذكر بأن الرجل كان يرتدي معطفاً أسوداً أنيقاً وكان يسير برفقة د. صائب عريقات وعندما صافحته لم يكن وجهه يعبر عن سعادة بالغة بما حدث بل كان يعبر عن قلق ولربما كان ذلك إنعكاساً عما كان يدور في عقله وفي داخله بعد أن إكتشف حقيقة المسرحية التي تم تمريرها في الأمم المتحدة في حينه من خلال بروباجندا الضغوطات الهائلة التي تعرض لها الرئيس عباس في الساعات الأخيرة قبل التصويت في حينه !، كما كانت قناعة الجميع بما فيهم الوفد الضخم الذي تم إستدعائه من عدة دول لحضور مراسم التصويت على حساب ميزانية السلطة بزوجاتهم وأولادهم في حينه، بأن ما حصل لا يتعدى حبر على ورق ولن يأتي بأي جديد وهذا ما أثبتته الأيام اللاحقة حتى يومنا هذا!.
ثانياً لا أدري من هم الزعماء العرب الذين قصدهم الأستاذ ناصر اللحام الذين يعتبرون الرئيس محمود عباس شخصية غير موغوب فيها!، ولماذا يعتبرونه كذلك وهم يرون فيه الرجل الأمثل لهم عند أميركا وعند إسرائيل وهو الرئيس العربي الأكثر مقابلة مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بل لربما أصبح صديق شخصي له وهذا لا يعيبه، فهل من الممكن لأحد أن يصدق بأن الرئيس عباس كان يريد في أي وقت أو لا يزال يريد أن يعاقب إسرائيل بعد كل ما سمعه الناس منه على الملأ عبر شاشات التلفاز؟!، ولماذا لم يجرؤ على فعل ذلك طوال السنوات الماضية؟!، وإن كان يرى الأستاذ ناصر اللحام بأنه قد فعل!، فليعطي للشعب الفلسطيني مثالاً واحداً على ما الذي فعله الرئيس عباس بالضبط في هذا السياق، سوى بيع المزيد من الأوهام التي لم يثمر أي منها عن شئ يذكر!.
ثالثاً : يبدو أن كاتب تلك المقالة الركيكة لم يكن الأستاذ ناصر اللحام نفسه كما عرفناه بقوة أسلوبه وحياديته الكاملة ، أو أنه لربما أراد منها أن تلحق بما يسمى كذبة أبريل، فأراد أن يمازح شعبنا بخزعبلات لا يمكن أن يصدقها عقل، وهو يتحدث عن أنه بسبب أن العرب لا يريدون محاربة إسرائيل لم يتمكن الرئيس عباس من فعل ذلك بطائراته الورقية ودباباته البلاستيكية وشعبيته المنهارة!، لذلك فضل أن يجوب العالم ليحاكمها في محكمة الجنايات الدولية ، علماً بأن مصروفات الطاقم المكلف بمتابعة ملف هذه المحكمة دفعته دولة عربية خليجية وقيمته خمسة مليون دولار كمنحة غير مستردة.
وهنا لا بد التطرق بإستفاضة أكثر حول ما ذكره في مقالته بخصوص نقطة الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية بالتحديد، لذلك نقول للسيد ناصر اللحام بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس والطاقم المكلف من قبله بهذا الملف يعلمون جيداً أكثر من غيرهم ، بأنه يحق لأي دولة من دول مجلس الأمن الدائمة العضوية تأجيل أي قضية تتبع لمحكمة الجنايات الدولية لمدة سنة كاملة وأن هذا متوقع الحدوث في السنة التي تلي فتح أي ملف رسمياً ، مما يعطي الحق لأي دولة من هذه الدول التقدم بطلب في سياق صلاحياتها كدولة عظمى تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن وذلك لتأجيل أي قضية من الجانب الفلسطيني ضد إسرائيل حسب المصالح التي تربطهما، وبالتالي لن تستطيع المحكمة البدء في أي اجراءات موسعة أو البدء في التحقيق إلا بعد مرور سنتين على الأقل من تقديم القضية في حال توفرت الظروف الملائمة لذلك ولم يستمر الضغط بطلب التأجيل ووضع العراقيل أمام البدء بالمحكمة في أحسن الأحوال، فما الذي فعله الطاقم بالمكلف بهذا الملف منذ تأسيس اللجنة الوطنية المكلفة بمتابعة هذا الملف قبل عام ونيف حتى يومنا هذا؟!.
كما أن هناك أيضاً ما يؤكد على عبثية الجانب الفلسطيني بهذا الملف ، وهو أنه بالرغم من إدراكه لهذه الحقيقة وبدون الدخول بتفاصيل أكثر عمقاً كما ذكرها خبراء قانونين ، من الواضح أنه حتى لو تم النظر في القضايا والتأجيلات التي ستمر فيها الشكاوي المقدمة من الجانب الفلسطيني ، فإنه لن يتم البث فيها قبل مرور عشر سنوات على أحسن تقدير وهذا ما ذكره وأكده وزير الخارجية الفلسطيني في عدة لقاءات متلفزة ، وفي النهاية سيتضح بأن المحكمة في حالة التوافق جدلاً مع طلب الجانب الفلسطيني ستكون عاجزة عن الإدانة لإسرائيل، ولكن لربما يكون هناك أحكام ضد شخصيات إسرائيلية فقط متهمين بإرتكاب جرائم حرب وفق معاهدة روما 1998، وهذا لن يكون ملزماً لها بالتنفيذ حيث أنها ليست عضو في محكمة الجنايات الدولية، وبالتالي ما هي البطولة في ذلك التي تحدث عنها الأستاذ ناصر اللحام وأين المحاكمة التي إستطاع الرئيس عباس أن ينفذها ضد الإحتلال الإسرائيلي؟!، والسؤال بشكل أوضح ، هل يعتقد بأن ذلك ممكن أو حتى يستطيع الرئيس عباس أن يتجرأ على فعلها؟!.
كما أنني أستغرب هنا من الأستاذ ناصر اللحام وهو ينساق وراء رواية المستوى الرسمي بأن الرئيس عباس يتعرض لحملة تشويه من أجل إفساح المجال للبديل قاصداً بذلك عضو المجلس التشريعي محمــد دحلان، وهذا يعيبه لأن الصورة باتت واضحة بأنه لو لم يكن دحلان من أبناء غزة لما علقت على شماعته كل هذه الإتهامات الباطلة من أجل تظليل الشارع وضمان المحافظة على مصالح السلطان ، وهذا معيب لكاتب وإعلامي كبير أن يسقط في مستنقعها لأنها باتت مفضوحة وغير مقنعة!.
أخيراً ، في تقديري أنه لا أحد يستطيع أن يمنع الرئيس عباس من أن يقابل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو أو غيره من أجل صناعة السلام إن كان ذلك ممكناً، ولكن يبدو أن الأحداث تتسارع في الساحة الداخلية الفلسطينية ، لذلك من الأجدر بمن يريد صناعة السلام فعلاً لا قولاً فقط ، عليه أن يتذكر بأن السلام يصنع بين الشعوب وليس بين أفراد، وبالتالي عليه أن يبدأ بالتصالح مع شعبه المتعطش لهذا السلام ليستعيد الثقة به بعد تدنيها، وهذا يفرض علينا سؤال للأستاذ ناصر اللحام حول مدى إعتقاده بأن الشعب الفلسطيني لا زال مستعداً لأن يقبل محمود عباس كرئيس يمكن أن يفاوض عنه وهو بات مؤمناً بأنه الشخص الذي قمعه وأمر بسلب حقوقه وإغلاق بيوته العامرة وسكت على تجويع أبنائه وهدم مستقبل أطفاله ولا زال عاجزاً عن إتخاذ قرار بإنهاء الإنقسام ؟!، فهل هذا هو النموذج من الرؤساء يستحق الدفاع والتطبيل من أجل التظليل أم أنه يحتاج إلى النصيحة لضرورة العودة لشعبه من خلال الحفاظ على كرامة أبنائه وإعادة حقوقهم المسلوبة؟!، اليس كذلك يا ناصر؟!.