كم شعرت بالغربة على متن طائرة تعود بي من غربة. وجدت نفسي فيها غريبة عن كل من فيها. هل هو العمر أم هو طول البعاد أو نضج التجربة، أم تراني بالفعل تعرضت لصفعة ثقافيةحولت إنسانيتي إلى شخصية متعجرفة متعالية.
يا أيتها الأسفار، ماذا عساك تفعلين بي؟
في الطائرة، شاهدت بأم العين عينة من مجتمع خلتني نسيته. فهذا لاه بجهازه المحمول وتلك تتعارك مع ما رزقت من أطفال، وحديث تعارف هنا وعراك أطفال هناك.
طفل دون الخامسة يتطاول على والدته بألفاظ نابية ويلقى لا مبالاة وعدم اكتراث من والديه.
وفتىً أمضى رحلته استكشافا بمرافق الطائرة
وشابة ممتعضة من إزعاج الأطفال
وسيدة تتجاذب أطراف الحديث مع من أسعده حظه بمجاورتها.
فوضى عارمة تعم المكان إثر رحلة عبر الزمان،
ترك كل راكب فيها بصمة، تلخص تحصيله العلمي من مدرس التمدن!
اعتراني شعور بأنني وبهبوط الطائرة سأعبر بوابة الحضارة.
على الأرض كانت الأمور أجمل وأبسط
وسارت بكل سلاسة
وهنا راجعت نفسي لأبدأ من جديد رحلتي الثقافية بذهنية مختلفة.
في الأسفار اكتشاف للذات وتصالح معها
وإدراك من علُي أن من على هذه الأرض يستحقون الحب والاحترام، والحياة الأفضل....
في غمرة الاشتياق تجولت هنا وهناك، بين ما يداعب الذكريات ويسحر الاستكشافات.
وبين هذا وذاك تجارب إنسانية ثرية
في العاصمة العريقة التي استقبلت من يسعى للرزق ومن أغلقت في وجهه بوابات الأمل
لاجىء يصطف على أبواب الأمل قبل تجد الضياء طريقها إلى النهار
وضيف اختار أن يلتزم هذا البيت واحترم أهله وشارك في عجلة اقتصاده
وآخر فر من ضيق الحال في بلاده ليعمل في غير بلاد،
وقد حوله بؤسه ليائس قانط من رحمة الله
في زحمة العاصمة تداخلت كل الأصوات
إلا من صوت غريب يضرب موالاً من على بسطة الخضار
"آه آه ... ملعون أبو الفقر اللي حوجنا للأنذال"
انتفض بدني مما سمعت
أيعقل أن يلعن إنسان من استقبله وفتح أمامه أبواب الرزق!
ألا يعلم أن الرزق يبحث عمن يتوددون إليه وليس الحاقدين عليه
هل هذه هي الحقيقة التي لطالما غفلنا عنها!
هل نحن حقاً شعوب لم تتعلم الحب ولا تعرف معنى الود
أم هو ضيق الحال الذي حولنا إلى حاقدين أشرار!
ألم يحن الوقت بعد لندرك أننا أخطأنا فيما نشأنا عليه من قيم؟
ألم نشعر بعد أن المحبة هي أساس الحياة الهانئة؟
أليس أجدر بنا أن ننعم بقيم المودة والتسامح والصفح؟
وأن قمة الطاعة الإلهية تكمن في محبة الإنسانية.
وأن العبرة الدنيوية ما هي إلا رحلة نترفع فيها عن المشاعر الغرائزية لنسعد براحة وجدانية.