لماذا لم تصاحب الثورةَ الرقمية ثورةٌ ثقافية معرفية حضارية موازية؟
سيظلُّ هذا السؤال حاضرا، وليس سهلا الإجابةُ عنه، غير أن كلَّ الذين يتابعون شبكة الإنترنت أمثالي، سيظلون يقولون في أنفسهم:
آه لو كانت هذه التكنلوجيا متوفرة أثناء دراستنا الجامعية، فبالتأكيد سيكون عطاؤنا وإبداعُنا أروعَ مما كان عليه، ويعود ذلك إلى سهولة الحصول على المعلومات!!
إليكم مقتبسا من بعض الرسائل الإلكترونية الموجهة لي شخصيا في بريدي الرقمي الخاص، أختار منها ثلاث رسائل فقط:
الرسالة الأولى تبدأ بلقب كبير: "أستاذي الكبير، المفكر والباحث!! أرجو منكم مساعدتي في اختيار أفكار لرسالة الماجستير التي أستعدُّ لوضع عناوين موضوعاتها، فأنا أرغب في أن تكون عن الشؤون الإسرائيلية...... أنتظر جوابكم"!
الرسالة الثانية:" مساء الخيرات... أرجو أن تكون بخير أستاذي العظيم!.... أنا صحفية، أعدُّ تقريرا عن الهبة الشعبية الفلسطينية، وأرغب في الإجابة عن الأسئلة الآتية: ما دوافع الهبة... وما نتائجها، وما موقف الأحزاب، وما تأثيرها؟.... وما، وما، وما؟.......!!"
الرسالة الثالثة " صباح الخير أيها الكاتب الرائع!!... أنا أرغب في تكتب لي موضوعا، في خمس صفحات عن نظرية الفلاسفة القدماء في طبائع المدن، وهي ضمن بحث أقوم به لمؤتمر علمي عن مدينتنا، أرجو مساعدتي في الإجابة عن الأسئلة: ما معنى طبائع المدن، وما مفهوم المدينة عند الفلاسفة، ومَن أشهر الفلاسفة الذين طرقوا هذا الموضوع........ومَن، ومن، ومن ؟"
أخشى أن أُسأل عن مؤسس النظرية النسبية، ألبرت أنشتاين!!!!
ملاحظة: لا أعرف معظم الطالبين والسائلين، وهم في الغالب قبل أن يسألوا، يطلبون الصداقة في الفيس بوك، ويشرعون في وضع علامات الإعجاب على ما أكتب، وبعضهم يُعلق تعليقات مجاملات.
عندما لا يحظى السائلُ منهم بالرد، فإنه يتحول إلى عدوٍ لدود، حتى أن فتاةً لا أعرفها كتبت تعقيبا على طلبها، بعد يأسها من الرد...."شكرا على تفاعلكم" وهذه الصيغة هي صيغة "ما قبل" الشتيمة!!
إن معظم هؤلاء، وأشباههم ، ممن يرغبون في أن يستهلكوا ساندوتشا ثقافيا جاهزا، مصنوعا في مطعم غيرهم، بطريقة غيرهم، هؤلاء العاجزون للأسف يكثرون في الوسط الشبابي، وهم لا يسعون للفائدة العلمية، ولا للثقافة، بل إنهم يسعون لنيل أثمان ثمارها في سوقٍ يعُجُّ بالكسالى والمقلدين، ممن يسمون أنفسَهم" باحثين"، فمنهم مَن تهُّمُّه الشهادةُ التي سيحصل عليها، أو الأجرة المالية للبحث المقدم إلى الوسيلة الإعلامية، ولا يهمه أن يتعلم آليات البحث والدراسة!!
ولعلَّ أبشعَ خطيئة يرتكبونها في حق أنفسهم، أنهم يعتادون أسلوب الابتزاز والسرقة، والتحريف، والنقل غير الأمين، وهم يظنون أنَّ مَن يُجيبُهم على أسئلتهم سيفرح بالإطراء والثناء، نظير الجهد الذي سيبذله من أجلهم، بغض النظر عن تضحيتة بوقته وجهده!!