يبدو أن تفاعلات مقتل المواطن الفلسطيني عمر النايف في مقر سفارة فلسطين في العاصمة البلغارية صوفيا لا زالت تتصاعد ، حيث أمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل يومين في خطوة مفاجئة وفيها تحدي وخروج عن المألوف بقطع مخصصات الجبهة الشعبية التي كان ينتمى إليها الضحية، مما دفع كوادر الجبهة الشعبية للقيام برد تصعيدي غير مسبوق في الساحة الفلسطينية تعبيراً عن غضبهم من إجراءات الرئيس عباس حيث قاموا بالتظاهر ضده وحرق صوره ومطالبته بالرحيل هو ووزير خارجيته رياض المالكي والسفير الفلسطيني أحمد المذبوح.
بعد النفي الإسرائيلي الصريح والواضح عن تورطهم في هذه الجريمة وذلك على لسان السفيرة الإسرائيلية في العاصمة البلغارية التي نفت بدورها في وقت سابق أي علاقة لبلادها بهذه الجريمة، وبعد أن أكد على ذلك مسؤول أمني إسرائيلي حسب ما أوردت وكالات الأنباء في حينه عندما ذهب بعيداً بالتأكيد على براءة الإحتلال من التورط في هذه الجريمة وذلك من خلال التعبير عن رفضه وإستهجانه للطريقة الهمجية التي قتل بها النايف، وهنا لابد من التأمل بذلك حيث أن أجهزة الإحتلال الأمنية إعتادت أن تفاخر وتتباهى بأي عملية أمنية تقوم بها، مما أضفى على الموضوع شكوكاً كبيرة حول أن الجريمة جنائية وليست سياسية، وأن جميع المعلومات الراشحة والشهادات التي تم نشرها عبر الإعلام حول الموضوع أشارت إلى وجود خلافات حول مسببات وجود النايف في السفارة وضيق بعض أفراد طاقمها من تواجده فيها قبل حادثة الوفاة.
لذلك شكلت هذه الحادثة مفتاحًا للصندوق الأسود الذي بدأت محتوياته تتسرب نتيجة تراشق التهم حول تحمل المسؤولية خلف كواليس العمل في السفارات الفلسطينية في الخارج والتي تعتبر مرتعاً للفساد بأشكاله حيث لا يتمتع معظم أفرادها بالمستوى المهني المطلوب للحفاظ على سرية وخصوصية المعلومات التي تتعلق بالعمل الدبلوماسي خاصة أنهم أصبحوا يعيشون حالة صراع حول المناصب والكسب المادي كونه يصرف على هذه السفارات سواء بالارقام الوهمية أو الحقيقية من الأموال الضخمة التي تستزنف من موازنة السلطة الفلسطينية تقدر بنصف مليار دولار سنوياً، ولكن بات ذلك يتم بطريقة تعتمد على التمييز الجغرافي بين أبناء الوطن الواحد لضمان إحتكار القرارت بأيدي غالبيتها مشبوهة وغير نزيهة هذا عوضاً عن أنها غير مؤهلة، هذا بالإضافة إلى عجزها عن القدرة على تقديم الدور المهني المنوط بها لخدمة أبناء الجاليات الفلسطينية في الخارج والذين باتوا لا يكفون عن التعبير عن تذمرهم وشكواهم من الأداء السيء لهذه السفارات التي باتت أقرب لأن تمثل لوناً واحداً جغرفياً على حساب المجمل الوطني في إشارة واضحة ومفضوحة بأن هذا المجال بات مخطوفاً لحساب عصابة تسخره لمكتسباتها المادية بعيداً عن المصلحة الوطنية، مما سهل معرفة كل ما يدور في هذه السفارات لإفتقار طواقمها وموظفيها لمفهوم مبدأ الأمانة المهنية.
في تسارع للأحداث بعد قطع مخصصات الجبهة الشعبية الفلسطينية تحدثت الأنباء أيضاً بشكل مفاجئ عن وقف مخصصات الجبهة الديموقراطية الفلسطينية التي ينتمي إليها السفير أحد المذبوح ولكن تم لملمة الأمر بسرعة وشرحه بأنه لا يتجاوز إطار التأخير في الصرف فقط لا غير ، علماً بأن السفير المذبوح حسب الأوساط الدبلوماسية المطلعة له علاقة مباشرة في الخلافات القائمة حول تحمل المسؤولية في هذه الجريمة.
لذلك كان لابد من البحث في حيثيات ما يختزله الصندوق الأسود ، حيث تقول المعلومات الدبلوماسية من المصادر المطلعة بأنه أثناء صياغة التقرير الذي تم حجبه عن الرأي العام الذي كان يشتمل على سبعة وثلاثين صفحة تم إختزالها في إثنتي وثلاثين صفحة فقط!، تم التدخل في فترات معينة من أجل العمل على إعادة صياغة ما جاء في صفحاته وذلك بتوجيهات من وزير الخارجية الفلسطيني نفسه ، وبدوره لم ينفي وكيل الوزارة د. تيسير جرادات الذي كلف بمهام رئيس لجنة التحقيق بأن وزير الخارجية د. رياض المالكي إتصل به بالفعل وأعطى له بعض الملاحظات حول التحقيق، وكانت قد أكدت هذه الحادثة أطراف أخرى كانت شريكة في التحقيق ورفضت نتائجه!.
الوسط الدبلوماسي الفلسطيني يتحدث اليوم عن فضيحة من العيار الثقيل جداً، وهي أن الوزير المالكي لم يفكر من الأساس أن يقدم للرئيس الفلسطسيني محمود عباس طلباً بإقالة السفير أحمد المذبوح بعد تحميله التقصير بالأمر وذلك من قبل الرأي العام الفلسطيني، أو حتى إستدعائه لمقر الوزارة للتشاور والإستماع لشهادته كإجراء مهني طبيعي وبديهي حسب ما تمليه الأصول المهنية في مثل هذه الحالات، وتقول هذه الأوساط بأنه أيضاً لن يجرؤ على ذلك أو يستطيع أن يفعل ذلك!، لأن الأخير كما يتم التداول في أوساط دبلوماسية مقربة منه، لديه تسجيلات بالمكالمات الهاتفية بينهما والتي توضح هذه المصادر على لسان السفير نفسه بأن الوزير المالكي أعطاه خلالها الضوء الأخضر للضغط على الضحية لترك السفارة وبذلك يبدو بأنه قد حصن نفسه جيداً، حيث أن الوزير بات يدرك بأنه أضعف من أن يواجه هذا السفير ، مما يؤكد على وجود شبهة التحريض ضد الضحية والتوافق على السيناريو الذي تم ، وبالتالي يتحمل الوزير نفسه المسؤولية عن ذلك، ولهذا السبب إكتفى فقط بالعمل على إنهاء مهام طاقم السفارة بالمجمل في العمل في سفارة فلسطين في العاصمة البلغارية صوفيا وسيتم نقلهم إلى دول أخرى كل حسب درجته وذلك في يونيو القادم من هذا العام حسب ما تشير إليه المصادر المطلعة بهذا الخصوص!.
لذلك لا يستبعد المراقبين بأنه أمام عملية الإبتزاز التي حاول أن يمارسها الوزير المذكور للسفير أحمد المذبوح وتدخل الجهة التي ينتمي إليها لمساندته، هو ما جعل الرئيس عباس لأن يتدخل بصرامة بإتخاذه قراراً بوقف مستحقاتهم المالية وذلك لإجبارهم على الصمت والقبول بالسيناريو الذي تراه مناسباً وزارة الخارجية ممثلةً في وزيرها ، للتغطية على الجريمة وإغلاق ملفها بدون أن يؤدي ذلك إلى إقالة الوزير المالكي أو تحميله أي مسؤولية في هذا السياق!.
السؤال هو ، ما الذي ستحمله الأيام القادمة خاصة بعد تطرقنا بالتفصيل في مقالة سابقة إلى حالة الفساد والإهتراء التي تجتاح سفارات فلسطين في العالم وبعد الأخبار التي تسربت عن نية التوجه لإقالة وكيل الوزارة د. تيسير جرادات بعد الحملة الموثقة التي لا زالت تستهدفه من قبل بعض الأطراف المتذمرة من أبناء السلك الدبلوماسي الفلسطيني بناءاً على معلومات موثقة تسربها أوساط من داخل وزارة الخارجية يقال بأنها بتوجيه وتواطؤ من الوزير نفسه لتوريط الوكيل وتبرأة نفسه من خلال حرف البوصلة عن المطالبة بإقالته وتسليط الضوء على ما يسمى بمخالفات الوكيل ، وإنضم لمباركتها ودعم فكرة إقالة د. جرادات بعض أعضاء المجلس التشريعي ، فهل سيصبح د. جرادات هو كبش الفداء للتغطية على هذه الجريمة بهدف الحفاظ على بقاء الوزير المالكي وهل سيستسلم لذلك؟! ، كما أنه ماذا لو تم الكشف من طرف أي جهة باحثة عن الحقيقة عن حيثيات هذه الجريمة بالوثائق المتعلقة بهذا الملف؟! .
في تقديري أنه قد حان الوقت للرئيس الفلسطيني محمود عباس لأن يتخذ القرار الصائب باقالة وزير الخارجية د. رياض المالكي فوراً وبدون تأخير وتحويله للتحقيق الذي سيستجيب للمطالب الشعبية بضرورة محاكمته، بدلاً من تبني فكرة تجاهل هذه المطالب وتشجيع فكرة التصادم معها والتي بدأ يتحدث عنها الكثيرين بأنها بدأت تلوح في الأفق، وذلك لسحب البساط من تحت أرجل الموتورين ولملمة الجراح وإحتواءالغضب ونزع فتيل التصعيد!.