السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الحياة الدنيا هي جسراً لخلود طويل!....بقلم محـمد شـوارب


إنني أشعر بالأسى والخزي، أقول ذلك لإحساسي بأن الناس قد تزرع ولا تحصد، اختلفت الألوان والأشكال والبشر ومازال الشر قائم بدرجة اتغت على الخير، ولكن سوف يظل الخير قائم ومنتصر إلى يوم الدين.
فرب زارع لحاصد في هذه الدنيا، لكن عندما أتمعن ويمعن معي الإنسان النظر في الدنيا وما فيها من أحداث، فقد يروعه مقدار السابقون للاحقين، وماذا جنى الأخلاف في أعمال الأسلاف، فهنا يستوي الخير والشر والماديات والأفعال، فالإنسان يولد ويخرج إلى هذه الدنيا وهو يحمل أثقالاً من تبعات آبائه، كما يولد ليأخذ الكثير من ثمرات جهودهم ونتائج أعمالهم، فهذه طبيعة الحياة فرضت علينا فرضاً، فياليت كل من يزرع بنفسه يحصد بنفسه، ولكن سنة الوجود على غير ما يهوى، والثروات التي يزجيها الأولون للآخرين تبقى في أعشاق من يطوقونها ماداموا راضين بها ومقيمين عليها. فبلاشك أن التشبع والطمع والجحد والظلم والنصب والكذب والخداع والثرثرة من الحياة قبل أن تنتهي وينتهي معها الوجود كله هو تفكير جاحد. فالفضائل كلها تذهب وتتهاوى وتفقد رصيدها من السماء عندما نقارنها بالغش والرياء والكذب والنصب والخداع على الناس. فالأديان وضعت الدنيا في موضعها الصحيح، فلا بخس ولا غالي بها، فلو كان عمر الآخرة أضعاب عمر الدنيا لوجب ووجبت توزع الشؤون والاهتمام على شئون الدنيا والآخرة بهذه النسبة. فالدين ما  أستهان بالدنيا وإنما رفض كل الاغترار بها والتكاثر فيها والاحتباس في مآربها.
... فالآخرة هي حق علينا، مثلها مثل الإنسان الذي يفكر في مستقبله وكيفية الإعداد له، وهذا يعني بداهة إعلانية للفته عن حاضره وصرفه عن مواجهته. فإننا نرى أن التخلف الذي أصاب وأهان الإنسان في المشارق والمغارب تجاهله لحقائق الحياة وقوانين وسنة الله، وإختلال الميزان العقلي في المسائلة السيئة لإنشأ أجيالاً لا تفقه ديناً ولا تملك دنيا. وأن القصور في امتلاك زمام الحياة، هذا كله لا يدل على التقوى، ولعله يدل على طفولة فكرية غائبة تضار ويضار بها الدين ومن هنا يسقط الإنسان من فوق ظهرها طريح الثرى والعجز.
فهل فكر الإنسان الذي ينصب ويكذب ويثرثر وعديم الضمير في حياته وعمله؟ أن هناك عندما تقوم الساعة يحاسب أولئك الذين لا تتعدى اختصاصهم فقه (دورة المياه) (مع الاحترام). فهل فكر هذا الإنسان أن الوسيلة أو الغاية من الحياة الدنيا هي دار امتحان وربما اختبار واختيار، فتضييع الوقت سُدى، والانشغال بالتوافه والجدل والجدال والثرثرة مع الناس على غير طائل  يختار القهر والظلم والنصب فبتصرفاته وأفعاله خرج عن علم الله. 
... فالحياة هي جسد، لكن بلا روح وهي دنيا وليست آخرة، والحياة هي جسر لخلود طويل، فالأسلوب الذي نحيا به في دنيانا هو الذي نضع به المستوى الذي نحيا به في آخرتنا. فلكي تصلح أعمالنا لابد لنا من صدق النية والإخلاص في العمل والمعاملات واستخدام العقل فيما وكل إلينا شكله وموضعه، والعجيب والغريب أن الأعمال الصالحة في ميدان العقل هي أضعاف مثيلاتها في الميزان النقلي. ما من أي عمل مهم وذات قيمة إلا وله حساب يضبط دخله وخارجه، والربح والخسارة أيضاً، لكن حياة الإنسان هي وحدها تسير على نحو مبهم لا يدري فيه من ربح أو خسر. فهل فكر كلاً منا أن يسجل لنفسه ما فعله من حسن أو سوء؟ هل عرف كلاً منا رصيده من الخير والشر؟ فهناك تخبط في الدنيا وقد يكون تخبط عشوائي ونتصرف على ما يحلو لنا دون معقب أو حسيب. فالحياة مملؤة بالدسائس والحاقدين، والمكائد والمؤامرات التي لا تنتهي حتى تبدأ. فكم من هؤلاء يصلون إلى ما يشتهون ولكن بسوء، فاليعرف كلاً من هؤلاء بأن الحياة أقصر من أن نقصرّها نحن. ونحن نعيش في هذه الدنيا إما أن نغرق أو أن نعبر إلى بر الأمان.
محمد شوارب
كـاتب حـر
[email protected]

 

2016-04-17