أثناء بحثي في مقالاتي القديمة وجدتُ مقالين يعود تاريخهما إلى عشرين عاما، وقد كتبتُ فوقهما: 'رفَضَهُ الرقيبُ'.
كتبتُ المقالين بعد بضعة أيام من حادثة موت، أميرة ويلز، دايانا سبنسر، وهو يتعلَّق بالظاهرة الإعلامية الجديدة، إعلام الأميرة دايانا، وكانت تلك الظاهرة الإعلامية، هي بواكير عصر العولمة، ثمانينيات، وتسعينيات القرن الماضي.
انتقدتُ في أحدهما تجييش الإعلام لمشاهدة حفل زفاف الأميرة، دايانا سبنسر على الأمير، تشارلز، أمير ويلز يوم 29/7/1981 حيثُ قُدِّرَ عددُ مشاهدي حفل الزواج أكثر من سبعمائة مليون مشاهد تلفزيزني!!
انفصلت دايانا عن زوجها، 28/8/1996 أي بعد خمسة عشر عاما، واتخذت لها خليلين من الشرق، أحدهما باكستاني، وهو جراح القلب، حسنت خان، والثاني مصري، هو عماد الفايد، ابن الثري المصري، وقد كتبتُ عن ظاهرة ارتباط دايانا الغربية بالشرق، وأرسلت المقالين بعد حادثة قتلها، مع عشيقها المصري، دودي الفايد، 31/8/1997 ، غير أن محرر الصحيفة رفض نشر المقالين، وطالبني بمقال آخر، ولم أعرف سبب الرفض حتى اليوم، إليكم أحد المقالين، كان بعنوان:
دايانا، شهرزاد!
إن قصة الأميرة دايانا في نظري، تصلح أن تكون نموذجا للدلالة على علاقة الشرق بالغرب، وهي تشبه في المضمون رواية، الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال.
وهي أيضا تشبه قصص ألف ليلة وليلة، فعلاقة الأميرة، دايانا بالفتى العربي، عماد الفايد، وبالباكستاني خان، تصلح أن تكون نموذجا للعلاقة بين الشرق والغرب.
فالأميرة بجمالها الأخاذ هي في الواقع 'أوروبا' التي سئمت آلية البشر، وأصبحت تبحث عن العواطف، خارج قصر بكنغهام، حتى بالخيانة الزوجية الصريحة، في قصرٍ يُدار بآلية كاملة، مجردة من العواطف والأحاسيس منذ قرون.
فالأميرة، دايانا كانت كالفيلسوف فردريك نيتشة، الذي اقتنع بأن السوبرمانية، لا توجد إلا في الشرق، حيث مذهب زرادشت.
دايانا أيضا، حتى وإن لم تكن تعرف، فهي من أنصار الفيلسوف الألماني، يوهان غوته، الذي كان يرفع شعارا يقول:
من لم يُولِّ وجهَه للشرق، فإنه لا يستحق الحياة!
فالجمال الذي حظيتْ به دايانا، هو في الواقع رمزٌ، فدايانا، هي أوروبا، أوروبا جميلة الغلاف الجسدي الخارجي، ولكنه في الواقع مصابٌ بالشُحِّ العاطفي، بسبب الواقع العملي الآليّ المرير، وهو خالٍ من الرغبة والإحساس، والعاطفة الجيَّاشة، فشرعت الأميرة، دايانا، أي أوروبا، تبحث عن لذة أخرى في علاقتها بالشرق، تعوِّضها عن برودة أوروبا العاطفية، في محاولة منها أن تستعيد عواطفها المفقودة، فرسالة دايانا هي ذاتُها، رسالةُ الفيلسوف غوته.
كما أن عماد الفايد، والباكستاني، خان، هما شهريار ألف ليلة وليلة، فهما قد اختصرا الشرق في عواطفهما وصورهما.
كما أن حادثة موت الأميرة، دايانا تحت الجسر، أو مؤمرة قتلها، يوم 31/8/1997،مع عشيقها الشرقي تماثِلُ صدام الحضارات، بين حضارتين مختلفتين، بين حضارة الغرب، وهي جسدٌ يفتقر إلى لذة، وبين حضارة الشرق، وهي لذةٌ تبحث عن الجمال، والثراء، والمتعة، فالنهاية المأساوية بينهما صورة الصدام المُتوقَّع، الذي يترواح بين كونه حادثة مرور، وبين كونه مؤامرة لقتل هذا الحب، بين الشرق والغرب، وحتى اليوم سيظل حادث موتها لُغزا من الألغاز.
وما العشيقان، عماد الفايد، وحسنتْ خان، بالنسبة لأوروبا، سوى لذةٍ، يجب أن تُمتص حتى نهايتها، ثم تموت، بلا تحقيقٍ موثوق، وبلا مراسم عزاء!
وهكذا كان، فقد مات الفايد بلا زهور، أو مراسم عزاء، وشيَّعتْ أوروبا فقط أميرة ويلز، وأغفلتْ أمير الأحلام الشرقي، لأنه لا يستحقُّ العزاء!