هم السواعدُ القوية للوطن، وهم بناته ومصدرُ قوته وعظمته، إنهم ثروته الحقيقية!!
هذا الغزلٌ اللغويٌ يُكرَّر بمناسبة عيد العمال في أول مايو من كل عام، ويمكن أن نقرأه في كثيرٍ من المقالات والصحف وفي بيانات الأحزاب والفصائل الفلسطينية بمناسبة اليوم العالمي للعمال!!
إن عمال فلسطين هم من الفئات المنكوبة في عالم اليوم، وبالتأكيد فإن نكبتهم لا تنبع من ضائقتهم الحياتية فقط، بل تنبع من أنهم ما يزالون يتعرضون للسخرة في أشكال عديدة، وأول أشكال السخرة التي يتعرضون لها من قبل الاحتلال في الضفة الغربية، وحتى الصامدين في وطنهم منذ عام 1948 هي أنهم يعانون من القهر والبطش، ليس في الحواجز الاحتلالية العسكرية فقط، بل من استغلال أرباب العمل الإسرائيليين لهم ، فما يزال أرباب العمل في إسرائيل يستغلون ظروفهم الحياتية، فيمنحونهم أدنى الأجور، كما أنهم هم الوحيدون في العالم الخاضعون لتعاليم الجيش الإسرائيلي، فالجيش هو رب العمل الرئيس، فهم يمضون ساعات طويلة كل يوم أمام الحواجز العسكرية لتفتيشهم والتدقيق في هوياتهم، وهذه الساعات لا تحسب ضمن مسيرتهم اليومية، وهم أيضا ممنوعون من استخدام الحافلات المدنية العمومية، ويخشون ركوبها، وقد عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى إرغامهم على ركوب حافلات خاصة بهم، كأبشع ألوان التمييز العنصري، على الرغم من أن كثيرين منهم يحملون بطاقات الهوية الإسرائيلية!
لعل أبشع مظاهر قهر عمالنا الفلسطينيين، هو أن حاجتهم وفاقتهم وجوعهم يُرغمهم على العمل في بناء المستوطنات المقامة فوق أرضهم، وعلى أنقاض بيوتهم، وهذا أبشع أنواع القهر في الألفية الثالثة!!
كما أن عمال قطاع غزة مقهورون أيضا، عندما يودون فلاحة أرضهم القريبة من سياج الفصل العنصري الذي أقامه جيش الاحتلال على طول غزة، فهم يغامرون ويعرضون حياتهم للخطر عندما يصلون إلى أرضهم عندما تطاردهم رشاشات الاحتلال.
أما عمال الصيد البحري الغزيون فهم يودعون أطفالهم كل صباح، كما قال لي أحدهم: أُقبِّلُ أطفالي قبل ركوبي البحر.
فرحلة الصيد مخاطرة قد يكون نهايتها القتل أو السجن أو الاعتقال!!
وعمالُ غزة أيضا يقهرهم مسؤولوهم الفلسطينيون أيضا، فيوقفون مرتباتهم، ويجعلونهم يعيشون حياتهم شهرا بشهر ويوما بيوم، ففي كل شهر نظام جديد لصرف المرتبات والأجور، وقد يفاجأ كثيرُ منهم بأن مرتبه الشهري لم يصل إلى المصرف، فيبدأ مسيرةً قهرية، قد تستمر شهورا وسنوات لإصلاح هذا الخطأ! وعمالُ غزة مقهورون ، وهم يُرغمون من قبل مشاريع الدعم الخارجية على مطاردة غبار الشوارع بكنس ترابها من جهة اليمين ووضعه في جهة الشمال، نظير أجرٍ زهيد، ليعود بعد ساعات إلى موضعه السابق، حتى تأتي مجموعة أخرى مدعومة من الدول المانحة لتعيد كنسه مرة أخرى في عملٍ عبثيٍ قهري!!
وعمالُ غزة ومساكينها وعجائزها مرضاها مقهورون، عندما يُرغمون على الاصطفاف أمام المصارف والبنوك ومخازن الغذاء ساعات طويلة للحصول على مخصصاتهم في طوابير من الإذلال والقهر في كل فترة من الفترات!!
وعمال غزة وفلسطين من أكثر دول العالم قهرا وظلما، حينما لا تُحدد ساعاتُ العمل والأجور، بحيث تصل ساعات عمل كثيرين إلى عشر ساعات يوميا، ويتلقون أجرا زهيدا يقل عن أربعة دولارات!
إن عمال فلسطين ما يزالون يبحثون عمن يُحررهم من السخرة والاضطهاد بعد مرور أكثر من قرن على حادثة هاي ماركت في شيكاغو1886م، عندما تظاهر العمالُ في تلك المدينة وطالبوا بتحديد ساعات العمل القصوى ثماني ساعات فقط، وعندما تدخل الجيش لفض اعتصامهم وفجَّرتْ بينهم قنبلة، قتلت عددا منهم ومن الشرطة، وأعدم سبعةٌ من زعماء العمال بعد أن أُلصقتْ بهم جريمةُ القنبلة ظلما، غير أن ضابط الشرطة المسؤول اعترف وهو على فراش الموت بأن الشرطة هي التي فجرت القنبلة، وبرَّأت المحكمةُ الضحايا بعد إعدامهم بإحدى عشرة سنة، وصار أول مايو 1897م عيدا للعمال!!
فمتى يأتي عيد حرية العمال الفلسطينيين، وانعتاقهم من رِقِّ الاحتلال، وسُخرة أهلهم الديكتاتوريين؟!!