الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الأطماع الصهيونية في الضفة الغربية الأراضي المصنفة (ج)....جمال ابو لاشين

 تستعر في السنوات الأخيرة حركة استيطان في الضفة الغربية مدعومة من حكومة إسرائيل، بحيث باتت قرارات مصادرة الأراضي، وهدم المنازل والمنشآت تتوالى بشكل مجنون ليتضخم عدد المستوطنات والمستوطنين بشكل لم يسبق له مثيل . ففي العام 1993م كان عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة 268 ألف مستوطن وبعد رحيل 8000 مستوطن عن القطاع في العام 2005م نجد أن عددهم في الضفة الغربية، والقدس حتى نهاية 2015 فاق الـ 600.000 مستوطن وهذا تقديراً للإحصاءات الإسرائيلية حيث يقدرون اعداد المستوطنين باكثر من 400الف مستثنين القدس من التعداد و بها ما يزيد عن 200 الف مستوطن بينما هناك من يقدرهم ب 700 الف مستوطن.

كما توسعت المستوطنات وازدادت إلى أضعاف مساحتها، وساهم جدار الفصل العنصري في العام 2002. بإيقاع 40% من أراضي الضفة تحت سيطرة إسرائيل وقد وصل الأمر بحكوماتهم المتطرفة ومستوطنيهم للدعوة إلى ضم أراضي (ج) أو (C) في الضفة الغربية، وتعدى ذلك بأن كشف قائد المستوطنين في الضفة الغربية (شيلا إلدار) عن تمرير مشروع قرار قريباً في الكنيست الإسرائيلي لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، وإلدار هذا هو ليكودي ويميني متطرف تحدث عن تعهدات حصل عليها من قادة حزب البيت اليهودي، ومن وزراء، ونواب الحزب بضمان تمرير هذا المشروع، وقد أكد ذلك نائب وزير الحزب الحاكم (إيلي بن دهان) القيادي في البيت اليهودي خلال احتفال نظم في الخليل قائلاً:  "ضم يهودا والسامرة (الاسم العبري الذي يُطلق على الضفة والغربية) هو أمر الساعة، والظروف الإقليمية والدولية تسمح بذلك".
أما صحيفة معاريف الإسرائيلية فقد لفتت أن وزراء بارزين مثل وزير التعليم (نفتالي بينيت) يقترحون ضم الضفة الغربية بشكل متدرج بحيث يضم مناطق (ج) التي تشكل غالبية مساحة الضفة الغربية ، وأن بينيت قال: "مناطق (ج) تضم 400 الف يهودي (وهو هنا لا يشمل في التعداد القدس)، و 70 ألف عربي، وسنعرض على العرب إما الحصول على المواطنة الإسرائيلية أو حق الإقامة".
كما أكدت صحيفة معاريف تشكيل لوبي استيطاني داخل الكنيست لهذا الغرض، وأن قادة مجلس المستوطنات مستعدون لتطبيق قرار الضم بالتدريج على أن يبدأوا بـ (معاليه أدوميم) التي تضم كل المستوطنات المحيطة بالقدس وتعتبر أكبر المستوطنات، ويرجعون هذه الفكرة بضم الضفة الغربية لتنظيم نسائي يميني يطلق عليه "نساء بالأخضر"
وقد ذكرت الصحيفة أن رفض المبادرة الفرنسية، واقتراب الانتخابات الأمريكية والانشغال الأمريكي بها سيسهلان على دورة الكنيست القادمة طرح ضم مناطق (C) وأنه في حال رفضها رئيس الوزراء سيتم حل الحكومة، والإعلان عن انتخابات جديدة.
وبذلك تدمر إسرائيل كل فرص تحقيق تسوية عادلة وشاملة وتتجه نحو الحرب والعدوان بكل قوتها ضاربة بعرض الحائط كل الاتفاقات السابقة وعلى رأسها إتفاق أوسلو الذي ولد قاصراً من البداية.
اتفاق أوسلو
ما بين عامي 1993 - 1994 وقعت اتفاقية أوسلو، وكانت مجموعة من الاتفاقيات جرى بموجبها الاتفاق على المبادئ التالية:
1- تستمر الفترة الانتقالية لمدة محدودة تنتهي في آيار 1999م.
2- لا يقدم أي من الطرفين على إجراءات تؤثر على نتيجة مفاوضات الوضع النهائي.
3- ستقود التسوية النهائية إلى تنفيذ قراري مجلس الأمن 242، و 338 اللذين يؤكدان على عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة.
وبنشوء السلطة إثر اتفاقية غزة- أريحا أولاً المرحلية قسمت المناطق الفلسطينية لثلاث مناطق رئيسية وهي:
منطقة (أ) / ويعيش معظم السكان الفلسطينيين في هذه المنطقة حيث تضم كافة المراكز السكانية الرئيسية وتتولى السلطة الوطنية الفلسطينية المسئولية الأمنية والإدارية فيها، وتتمتع بصلاحيات واسعة، وتقدر مساحتها ب 17.2% من مساحة الضفة الغربية وهي مقسمة لمناطق منفصلة ليس لها تواصل جغرافي وتحيطها الحواجز العسكرية الإسرائيلية.
منطقة (ب) / وتعيش نسبة كبيرة من باقي السكان فيها، وتتولى السلطة فيها المسئولية المدنية بينما تضطلع السلطات الإسرائيلية بالمسئوليات الأمنية فيها، وتشكل المنطقة (ب) 23.8% من مساحة الضفة الغربية وتتشكل من القرى والبلدات الملاصقة للمدن، وتوزع المسئولية بهذا الشكل أدى لخلل في تكامل بناء السلطة، فإسرائيل تتصرف بتلك المناطق وكأنها مناطق حدودية.
منطقة (ج) / وتشكل غالبية مناطق الضفة الغربية وتبلغ مساحتها 59% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية، وتتولى إسرائيل المسئولية الأمنية والمدنية فيها، وما يميزها أنها متواصلة جغرافياً على خلاف باقي المناطق، وتمثل عامل ربط لمدن وقرى الضفة الغربية كونها تحيط مباشرة وتتداخل بالمنطقتين (أ، ب). "أنظر الخريطة"
لم تكتفِ إسرائيل بعدم نقل هذه المناطق تدريجياً للسلطة حسب الاتفاقات الموقعة بل واصلت قضمها للأرض، وخصوصاً المنطقة (ج) ورغم أن اتفاق طابا الموقع عام 1995م دعا لنقل الصلاحيات والمسئولية في مجال التخطيط وتقسيم الأقاليم في المنطقة (ج) من الإدارة المدنية الإسرائيلية إلى السلطة الوطنية الفلسطينية تدريجياً بحيث تنتهي في فترة لا تتجاوز عام 1999م إلا أنه وحتى تاريخه لم تطبق إسرائيل أي من الاتفاقات، وبقي ما يخص التخطيط والبناء فيها يستلزم الحصول على تصريح إسرائيلي الذي يخضع في النهاية لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وتحظر سياسة التخطيط التي تطبقها الإدارة الإسرائيلية عملياً على الفلسطينيين إقامة أي بناء فلسطيني على حوالي 70% من المنطقة (ج) أي ما يعادل 44% من مساحة الضفة الغربية، وهي المخصصة للمستوطنين وجنود الاحتلال، وتقع ضمن اختصاص المجالس المحلية والإقليمية للمستوطنات الإسرائيلية، والتي أعلن عنها أراضي دولة، أو مغلقة لغرض التدريب العسكري، أو محميات طبيعية، هذا إضافة لما أحدثه الجدار من ضرر للأرض والسكان، وإن حدث وصادقت الإدارة المدنية الإسرائيلية على أي من المخططات فهي لا تتجاوز ما مساحته 1% من المنطقة (ج) وهي في معظمها مبانٍ قائمة أصلاً ولا تلبي الحد الأدنى من احتياجات التجمعات الفلسطينية.
كما أنه يتم تصنيف غالبية المنطقة (ج) لمناطق زراعية وفي هذا تحايل ظاهر على أي تطور إنشائي ممكن الاستفادة منه سواء سكانياً في التوسع الطبيعي أو اقتصادياً من منشآت تخدم الاقتصاد الفلسطيني.
لقد أدى قانون المحتل رغم مخالفته لأحكام لاهاي والقانون الدولي لأحكام السيطرة على الأراضي والسكان وهذا مر بمراحل عدة وهي :
المراحل التشريعية الأربعة للاحتلال:
إن أحكام السيطرة على الأراضي المحتلة عام 1967م تمتد منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وتشمل كل التغيرات القانونية التي أصدرتها إسرائيل بحيث أسس لنظام مزدوج ينطبق شقه العسكري على الفلسطينيين، وشقه المدني ينطبق على المستوطنين، وهذه المراحل هي:
1- مرحلة التشريع الأولى/ وتمتد من العام 1967 - 1971م، وهي الأكثر أهمية حيث أرست الأوامر التي صدرت في هذه المرحلة، والتي (لم تُنشر أو تتوفر للقانونيين) وشملت مختلف حياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة من أذونات سفر، ورخص سواقة، واستخدام المياه، وصلاحية احتلال الأراضي، ورخص ممارسة المهن، وبطاقات الهوية، واستيراد وتصدير المنتجات الزراعية ...الخ
وكان الهدف من كل ذلك السيطرة الكاملة على الفلسطينيين، وتضييق وكبت حرية التعبير من خلال إعادة تنظيم الجهاز القضائي لتشمل الأمور الحقوقية والجزائية التي هي من صلاحيات المحاكم المدنية لتصبح ضمن صلاحيات المحاكم العسكرية.
2- مرحلة التشريع الثانية/ وتمتد من العام 1971-1979م، وهي المرحلة التي سهلت الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية من خلال تعديل قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية الأردني ليتيح تخصيص مساحات واسعة من الضفة الغربية للاستعمال المطلق للمستوطنات اليهودية، وتم إعلان خمسة مجالس إقليمية يهودية بالأمر 783 وتشمل كل الضفة الغربية، وسهل استيلاء المؤسسات والهيئات القانونية الاجنبية على الأرض، وأُنشأ من خلال الأمر 569 (دائرة بشأن تسجيل صفقات بعقارات معينة) وذلك لتسجيل الأراضي للاستيطان اليهودي.
3- مرحلة التشريع الثالثة/ من تاريخ توقيع معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية 1979- 1981م ، وامتازت تلك المرحلة بتدفق كبير للمواطنين الإسرائيليين للضفة الغربية وكانت الأوامر في تلك الفترة تهدف للتالي:
1- إحكام العلاقة بين المواطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة وإسرائيل بتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين اليهود، وإعفائهم من تطبيق قوانين الضفة عليهم.
2- تنظيم إدارة المستوطنات اليهودية لتتوافق مع أنظمة الإدارة المحلية السارية المفعول في إسرائيل أي توسيع اختصاص القوانين الإسرائيلية المتعلقة بالمجالس الإقليمية والمحلية لتشمل المستوطنات في الضفة الغربية.
3- إعادة تنظيم الحكم العسكري في الضفة الغربية وتخصيص بعض الأعمال للإدارة المدنية حديثة النشأة.
4- مرحلة التشريع الرابعة/ من عام 1981 - وحتى إعادة الانتشار في الضفة الغربية مع قدوم السلطة الفلسطينية وقد تميزت تلك المرحلة بإصدار قوانين تنظيم تخولها التصرف في مساحات واسعة من الأرض كان ولا يزال يتم الاستيلاء عليها للاستيطان اليهودي، كذلك الأوامر التي لها علاقة بحركة الأموال وتحديداً السيطرة على دخولها للضفة الغربية إضافة لتعديل قوانين لها علاقة بالضرائب، وإدخال ضريبة القيمة المضافة خلال هذه الفترة، مما زاد تحصيل الأموال من الضفة لصالح إسرائيل بحيث بات احتلالها للضفة ذو نفع اقتصادي كبير لها.
لقد أُخضع الفلسطينيين في الضفة الغربية لسياسة إسرائيلية خبيثة بغية إحداث تغييرات ملموسة ومحددة في الأراضي المحتلة، ومن أجل إيجاد أكثرية يهودية هناك تمكن إسرائيل من ضمها.
وهنا يظهر سؤال مهم لو كان ضم الضفة الغربية بكاملها لإسرائيل يخدم يهوديتها لسارعت بضمها، ولكنها تتطلع أكثر لضم 60% من مساحتها، وهي المنطقة (C) حيث السكان الفلسطينيين أقلية وليس لهم تأثير على ديمغرافيتها، وما يتردد عن ضم الضفة الغربية بكاملها ليس هدفاً لإسرائيل حيث سيحدث خلل ديمغرافي يتعزز بالعرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بحيث تقترب الأرقام من التساوي مع اليهود، وهذا ليس طموحاً إسرائيلياً.
ويبدو أن الهدف الإسرائيلي القادم ينقسم لمرحلتين وهما:
1- ضم المناطق (C)  لإسرائيل حيث تعلو الأصوات المطالبة بذلك.
2- إبعاد القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس الشرقية من خلال الأسوار وضم القدس الشرقية مع الغربية لإسرائيل حيث ستدخل مباشرة ضمن دولة إسرائيل.
وهذه أهداف تم الإعلان عنها وليست بعيدة عن الطموح الإسرائيلي الذي يتوسع باستمرار ويحدث تواصل بين المستوطنات في الضفة الغربية مع بعضها البعض ومع إسرائيل، وهذا سيمزق بالتأكيد وحدة دولة فلسطين، ويحرم الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير.
(يائير لبيد) من حزب (هناك مستقبل) صرح قائلاً "معاليه أدوميم، والقدس المحتلة جزء من أرض إسرائيل هكذا يجب أن يفهم الجميع وهذا ما يحتم علينا الانفصال عن الفلسطينيين، أما (تساحي هنغبي) القيادي في حزب الليكود ورئيس لجنة الأمن والخارجية في الكنيست أيد بشكل مطلق الصلاة في المسجد الأقصى.
فيما أشار وزير الهجرة الإسرائيلي (زئيف إلكين) بتوسع الوجود اليهودي في الخليل، ودعا وزير الدفاع (موشي يعلون) لتقديم المساعدة للمستوطنين وعدم التراجع أمام مثيري الشغب.
كما قرر الجيش الإسرائيلي إعادة تشغيل الدُشَمْ العسكرية المهجورة وأعاد السيطرة على مواقع كان قد أخلاها منها موقع (عش الغراب) قرب بيت ساحور، والذي أخلاه في العام 2006م بهدف تحويله لنقطة تجمع استيطاني في تَقّوْع، والخليل على امتداد شارع زعترة شرقاً باتجاه جبل أبو غنيم، والقدس.
كما أعلن مسئولون في 20. 1. 2016م استعداد إسرائيل لمصادرة 1500 دونم من الأراضي الزراعية جنوب أريحا في أكبر عملية استيلاء على الأرض منذ العام 2014م عندما صادرت 4000 دونم جنوب بيت لحم عند تجمع غوتش عتصيون.
هذا فيما أعلن مكتب تنسيق نشاطات الحكومة الإسرائيلية التابع لوزارة الدفاع أن الأراضي في منطقة وادي الأردن في المراحل النهائية ليتم إعلانها أراضي دولة.
أما وزير الزراعة (أوري أريئيل) وهو متطرف من البيت اليهودي فقد أعلن أنه يكتفي بالمنطقة (ج) من الضفة، ورئيس المعارضة (هيرتصوغ) دعى لفصل القرى الفلسطينية وإعادة توحيد القدس بدون مئات آلاف الفلسطينيين.
الكاتب والبروفيسور في جامعة بنسلفانيا (إيان لاستيك) وهو من الكتاب المهمين كتب مقالاً مثيراً للجدل بعنوان (وهم الدولتين) حيث يقول: "إن السلطات الإسرائيلية تتمسك بفكرة الدولتين لأنها على ما يبدو تعكس مشاعر أغلبية اليهود الإسرائيليين كما أنها تحصن البلاد من الازدراء الدولي، حتى أنها تموه جهودها المستعرة لتوسيع رقعة إسرائيل في الضفة الغربية".
فلم تعد القضية قضية أين ترسم الحدود السياسية بين اليهود والعرب على الخارطة ولكن تكمن القضية في كيفية تحقيق المساواة في الحقوق السياسية وتعني نهاية الخط الأخضر المرسوم عام 1967 كخط التماس بين السيادة الإسرائيلية والفلسطينية المتحملة أن الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية سيشكل وصمة عار لكل إسرائيل"
أمام تلك الأطماع التوسعية الإسرائيلية، وفي حال أقدمت على تنفيذ مشاريعها التي باتت معلنة أمام الصمت الدولي المنشغل بالقضايا والصراعات الإقليمية، والدولية سيجد الفلسطيني نفسه مقيماً أجنبياً يحمل هوية إسرائيلية، ويتحرك على أرض لا يمكنه الخروج من المحيط المقرر له عليها إلا بإذن من إسرائيل، وهذه الإقامة الأجنبية لن تعطيه الجنسية كما يفهمها الغرب ويمارسها بل ستبقيه ضمن حدود الجنسية التي بإمكانه التحصل عليها سواء أردنية أو فلسطينية ولكن حقه في الحرية والتنقل سيبقى ضمن الشروط الإسرائيلية.

*** مركز عبدالله الحورانى للدراسات والتوثيق

2016-05-15