يكمُن أهمية الإعلام بوسائله المتعددة (المسموعة والمقروءة والمرئية..)، كونه أحد أهم الوسائل العصرية والمتطورة في عصرنا الحديث في مخاطبة العقول والتأثير على سلوكياتها ومفاهيمها ... وبالتالي يُؤثر على نتاجها الفكري بما يتميز به من قدرة فائقة في التأثير من خلال مخاطبة الحدث وتحليل مجريات الأحداث ، فهل ساهم الاعلام الفلسطيني بشكل عام في لبنان في نقل صورة معاناة اللاجئيين الفلسطينين أم هي حالة من الفوضى التي يعيشها هذا الإعلام أم هي أزمة صحفيين ومنابر ؟؟؟
هذه الاسئلة وغيرها يحملها الأستاذ وسيم وني لعدد من الكتاب والصحفيين الفلسطينين فكان التحقيق التالي :
فوضى الاعلام الفلسطيني في لبنان:
أكد " الكاتب السياسي علي بدوان" نعم هناك فوضى بشكلٍ عام في الإعلام والأداء الإعلامي الفلسطيني في لبنان، ومَرَدُ ذلك يعود لتضارب المواقف، وحالة الإنقسام، واستمرار سيادة منطق العصبيات التنظيمية، ومحاولات الإستحواذ من قبل البعض بالحضور الفصائلي على حساب الإعلام الوطني العام، حيث شكل غياب الإعلام الوطني الموحد الذي يَخدِمُ الأهداف المتوخاة والمُبتعد عن خدمة الأهداف التنظيمية الخاصة لهذا الفصيل أو ذاك، فضلاً عن فقدان المؤسسة الوطنية الإعلامية الجامعة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية منذ خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت نهاية صيف العام 1982 ، وبدوره أعرب "المنسق الإقليمي للمنطقة العربية / مركز العودة الفلسطيني لندن علي هويدي" عن اعتقاده بأنه لا يوجد إعلام موضوعي محايد سواء فلسطيني أو غير فلسطيني وفي لبنان أو في اي من دول العالم ، وطالما أن هناك توجهات مختلفة للإعلام الفلسطيني فبطبيعة الحال الكل سيغني على ليلاه، ويحاول أن يجد التبريرات التي تؤيد توجهه السياسي ، بينما رأى " الكاتب والصحفي عبد معروف "بأن الإعلام الفلسطيني في لبنان يعيش حالة من التخبط والفوضى لأسباب كثيرة أبرزها هو حالة الفوضى والتخبط السياسي الذي يعم الساحة الفلسطينية على الساحة اللبنانية ، وخاصة داخل برامج وقيادات الفصائل السياسية الفلسطينية . وإذا كان المسؤول الفلسطيني في لبنان لا يحمل هما اليوم إلا إمتيازاته وموقعه وقوته ، فإن هذا المسؤول الذي يمتلك الإمكانيات والقدرات (بإسم الله والشعب والوطن )يريد إعلاما لشخصه ولنفسه بعيدا عن قضايا الشعب والقضية الوطنية وهذا الواقع المرير الذي نعيشه في لبنان ولد حالة من الترهل الاعلامي ، وأدى إلى إعلام عاجز وغير منتج ، وساهم في وجود إعلاميين لا يعرفون من الاعلام سوى القرار الذي أصدره مسؤول أو قيادي بنقله إلى العمل الاعلامي، من جهته رأى " الكاتب والصحفي طارق حرب" بأن أهم اسباب حالة الفوضى التي يعيشها الاعلام الفلسطيني في لبنان هو عدم الفهم الحقيقي لرسالة الاعلام فهي مقتصرة على رسالة تعبوية موجهة حزبية أو رسالة انتقادية وليست نقدية بناءة ذات مهنية إعلامية، الأمر الثاني هو عدم القدرة على التفريق بين وسائل الإعلام ووسائط التواصل الإجتماعي، والخلط بينهما وعدم معرفة مهام كل واحدة منهما.
نقل صورة عن واقع المخيمات الفلسطينية ودور الإعلام الفلسطيني فيها :
وهنا تكمن الضرورة على تركيز الإعلام الفلسطيني على نقل صورة وواقع المخيمات الفلسطينية حيث قال علي هويدي أعتقد بأن جزء كبير من الإعلام الفلسطيني يدخل في سياق عمل الهواة البعيد عن الإحتراف وهذا يوفر مُناخ للفوضى وفقدان البوصلة وبالتالي يصبح التركيز على نقل الخبر وصياغته دون التحقق من صحته أحيانا وهذا يأتي على حساب صناعة الحدث الإعلامي نفسه، وهذا يشمل كافة الوسائل الإعلامية ليس إبتداء بالواتس اب وليس إنتهاء بالوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة ، وأشار طارق حرب إلى أنه لا يمكننا أن نقول أن الإعلام الفلسطيني نجح في نقل صورة عن واقع المخيمات ربما ما يشفع له هو الفارق الذي أحدثته وسائط التواصل الاجتماعي، وهذا لا يبنى عليه لأنه وإن كان جزءاً من المنظومة الاعلامية إلا أنه لا يحل مكان وسائل الإعلام الرئيسية التي تقوم بإنتاج المواد الإعلامية المبنية على قواعد مهنية وهو ما نفتقده ، وأكد عبد معروف على أنه إذا كان الإعلام الفلسطيني في لبنان يعيش حالة كالتي يعيشها اليوم ، فإنه ومهما كان حسن نواياه ، لم يستطع أن ينقل صورة واقعية عن مأساة مخيمات شعبنا في لبنان ، وإذا كان استطاع أن ينقل أو ينشر تصريح وبيان مسؤول أو تنظيم ، إلا أنه ولعدم توفر مصادر دقيقة لم يستطع أن يبحث في جوهر قضايا شعبنا ومعاناته ، وأصلا فإن الكثير منهم ، لا يشعر بأن المطلوب منه هو نقل أو نشر هذه الصورة ، فالعدد الكبير منهم إذا كان مراسلا لوسيلة إعلام فلسطينية فإن ما يهمه هو متابعة أخبار وتنقلات وتصريحات المسؤول وإذا كان مراسلا لوسيلة إعلام لبنانية ، فإنه يسلط الضوء على القضايا الأمنية والارهاب والسلاح ولا يطلب منه البحث والدراسة والخبر في إطار المعاناة، ولفت علي بدوان إلى مساهمة الإعلام الفلسطيني في لبنان، وأغلبه اعلام فصائلي بنقل صورة واقع الفلسطينيين في لبنان ، لكنه مازال مقصراً في هذا المضمار، فنقل صورة الواقع الصعب لللاجئين الفلسطينيين في لبنان تقتضي من الإعلام الفلسطيني توجيه الرأي العام، وحث القيادات الفلسطينية والعربية على المبادرة للتحرك من اجل إنقاذ اللاجئين الفلسطينين في لبنان من واقعهم المأساوي المعيشي والحياتي اليومي الضاغط. كما في المبادرة لتصحيح الصورة الخاطئة التي تبثها بعض الوسائل الإعلامية بشأن المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث اعتادت بعض الوسائل الإعلامية بما فيها بعض الفضائيات على فبركة الأكاذيب والمس بفلسطينيي لبنان.
أزمة الإعلام الفلسطيني في لبنان هي أزمة صحفيين أم أزمة منابر صحفية :
في إطار تعليقه على أزمة الإعلام الفلسطيني في لبنان قال طارق حرب أنه من الواضح هناك أزمة إعلام فلسطيني في لبنان هل هي أزمة صحفين أم أزمة منابر صحفية هي أزمة صحفيين ومنابر صحفية مجتمعة، بصراحة لا يمكننا أن نطلق كلمة صحفي كيفما كان، فليس كل كاتب أو صاحب رأي أو مغرد أو ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي هو صحفي مهني وهذا ما نفتقده، كما أننا لا نملك مؤسسات إعلامية مهنية ذات إدارة سليمة وأهداف واستراتيجية واضحة بل هي منابر إعلامية فردية، في حين شدد علي بدوان بأنها أزمة مزدوجة، أزمة صحفيين مازالوا يحتاجون لدرجة متقدمة من المهارات، ومن زيادة المخزون المعرفي لديهم، كما في ضرورة تخليهم عن التعصب الفصائلي أو الإيديولوجي لصالح العمل العام ،كما هي أزمة منابر إعلامية، حيث يفتقد الفلسطينيون في لبنان بما في ذلك الفصائل لإعلام رصين، يتجاوز المطبوعات الحزبية التنظيمية وثقافة البلاغ ، وبدوره رأى عبد معروف أنه من الواضح أن هناك أزمة إعلام فلسطيني في لبنان والحقيقة هي أزمة صحفيين الكثير منهم لم يحترف العمل وعمل في المجال الإعلامي بناء على رغبة أو قرار مسؤول ، وهي أزمة صحفيين إرتهن عدد منهم لقيادي يقدم لهم الفتات مقابل أن يكون إلى جانبه ، وهي أيضا أزمة منابر إعلامية مرهونة ، وأصلا تأسست لخدمة تنظيم أو قائد هو اليوم عاجز عن التعبير عن مصالح الشعب ، وغير مستعد لنقل صورة المأساة التي يعيشها شعبنا . فأزمة الاعلام الفلسطيني في لبنان هي أزمة الصحفيين وأزمة المنابر التي تعيش وتدور في فلك القائد والفصيل ، وعلق علي هويدي قائلاً على الرغم مما يقوم به الإعلام الفلسطيني في نقله لصورة المخيمات وحالها السياسي والإنساني، الا أنه حتى الآن لم يحقق إختراقات نوعية من شأنها أن تساهم في الضغط على صانع القرار اللبناني بضرورة توفير الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للاجئين، أو تغيير الصورة النمطية لدى فئات كثيرة من الشعب اللبناني سواء على المستوى الرسمي او الشعبي.
المخاطر التي يمكن لها أن تنتج عن حالة الفوضى في الإعلام :
هناك العديد من المخاطر التي تنتج عن حالة الفوضى الإعلامية بتأكد المشاركين في هذا التحقيق حيث يعتقد عبد معروف بأن ما ينتج عن حالة الفوضى والترهل التي يعيشها الإعلام الفلسطيني في لبنان هي مخاطر تهدد مصداقية ونقاء ودقة ومواصفات العمل الصحفي المهني والوطني، وتهدد مهمته ، ومن أبرز هذه النتائج أولا أنه يصبح إعلاما ضعيفا وعاجزا ، لا ينقل للرأي العام سوى أصداء الرصاص وصور المسؤول بعيدا عن مأساة الشعب ، وثانيا ، يجعل الاعلام مرهونا للمسؤول السياسي وبالتالي لا يعبر عن مصالح الشعب والقضية ، هذا إلى جانب أن حالة الفوضى تدخل إلى ميدان العمل الصحفي منابر وصحفيين لا يملكون الكفاءة وبوجهة نظر علي بدوان بأن المخاطر كبيرة، أولها تغييب واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عن الرأي العام ونقل حقيقة الواقع، ثانياً استمرار تضارب المواقف بشأن واقع شعبنا في لبنان والمعالجات المطلوبة، ثالثاً استغلال أطراف كثيرة لحالة التضارب والغياب والتشرذم الإعلامي الفلسطيني في لبنان لصالح تقديم وتبرير كل الفبركات التي تلجأ اليها العديد من وسائل الإعلام بالنسبة لواقع شعبنا في لبنان ، وبدوره أعرب طارق حرب عن رأيه مضيفاً بأن هناك مخاطر عديدة تنتج عن حالة الفوضى في الإعلام أهمهما المساهمة في عدم إستقرار الأمن الاجتماعي في المخيمات، لأن المعالجة الإعلامية الخاطئة لأي موضوع ستكون له نتائج سلبية وتفتح المجال واسعاً امام التحليلات والتأويلات والدعايات المغرضة، وردات الفعل غير المحسوبة
ويستند الإعلام برأي علي هويدي على طرق علمية ومنهجية ويأخذ بعين الاعتبار الدراسة الجامعية أو المعاهد المتخصصة في ذلك، خاصة إذا أن هناك قيود على الفلسطيني في لبنان من دراسة الإعلام في الجامعات اللبنانية الرسمية، ودراسة التخصص في الجامعات الخاصة مكلف للغاية، لذلك تكون ممارسة الإعلام أحيانا بالفطرة، أو من خلال بعض الدورات التدريبية غير المتصلة، أو بالاستناد على خبرات الغير، هذا ناهيك عن غياب الحوافز المادية غير الكافية التي يحصل عليها الإعلامي الفلسطيني مما يضطره عدم رفض الطلب للسفر والعمل خارج لبنان.