يأتي معدن الماس بعد الكولتان كمعدن نقمة أيضا على الشعوب الإفريقية التي تترض لنهب متواصل ومنظم لثرواتها وبدل أن تكون هذه الثروات مصدرا للرخاء والتطور جاءت لتكون مصدرا للتدمير والإفقار والحروب المتواصلة وهو ما ترغب به الشركات الدولية الكبرى للإبقاء على مصادر ربحها وفيرة وتقول تقارير البنك الدولي مثلا عن الحال في الدول الإفريقية الغنية بالمعادن الثمينة والضرورية للصناعات الحديثة أن تعداد الفقراء يصل في نيجيريا إلى 68% وفي انغولا إلى 43% والى 75% في زامبيا وحوالي 88% في الكونغو وفي مقارنة أخرى تقول هذه التقارير انه مقابل كل امرأة فرنسية واحدة تتوفى أثناء الولادة مثلا تموت مائة امرأة في دولة النيجر وهذا فقط على سبيل المثال والمقارنات تطول مما يوضح أن ثروات هذه البلاد تنهب لصالح هذه الشركات وعبر وكلاء محليين.
يقول صاحب كتاب " آلة النهب – أمراء حروب السرقة الممنهجة لثروات إفريقيا" أن مصدر المآسي في تلك البلاد – يقصد إفريقيا ليست الحروب الداخلية فقط بل أيضا عمليات نهب مبرمجة تمارسها الشركات العابرة للجنسيات بالتواطؤ مع الطبقات الحاكمة ويذهب إلى حد القول أن الراحة الحياتية التي تعيشها المجتمعات الغربية ثمنها شقاء لا نظير له في دول إفريقيا ويوضح أن مصدر ثراء البعض وعوز الغالبية هو العولمة التي لم تجلب الراحة لشعوب قارة تشتهر بثرائها بالمعادن والموارد الطبيعية ويرى المؤلف أيضا أن هناك خيطا رفيعا يربط العولمة بثراء الأغنياء وتعاسة الفقراء المتزامنة وهو يرى ان الحالة المتردية التي تعيشها دول جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية تقع مسئوليتها على الدول المستعمرة هناك وعلى املاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في حين يرى منظرون رأسماليون من خدم الامبريالية أن السبب يكمن في عدم قدرة هذه الشعوب على إدارة شؤونها وعلى تخلفها وعدم قدرتها على حكم نفسها وانشغالها بالحروب القبلية ويتناسى هؤلاء المنظرين أن هذه الأسباب إن وجدت فان المحرك الرئيس لها ومسببها هم المستعمرون أنفسهم لإبقاء البلاد في حالة من التردي والتخلف ليسهل السيطرة عليها وسرقة ثرواتها.
اتهم طاقم خبراء تابع للأمم المتحدة إسرائيل بالاتجار بما يعرف ب "الماس الدموي". " وتطلق هذه التسمية علي الماس الخام الذي يتم الحصول عليه من دول أفريقية مقابل تزويدها بشحنات أسلحة من إسرائيل لاستخدامها في الحروب الأهلية في الدول الإفريقية مثل الكونغو وأنجولا ودول أخرى عديدة, ومن جراء هذه الحروب فقد قتل وهجر مئات الآلاف من الأفارقة الأبرياء. ونشرت صحيفة (هآرتس) العبرية أن السفراء الإسرائيليين السابقين في غرب أفريقيا مهدوا الطريق أمام شركات محلية في عملية تصدير السلاح الإسرائيلي إلي نيجيريا وغيرها من الدول الأفريقية، ويدير حركة إنتاج وتصدير الماس تاجر الماس الإسرائيلي باني شتاينمتز، الذي تقدر ثروته بأربعة مليارات دولار، ويوزع نشاطه بين سيراليون وبوتسوانا والكونغو وزامبيا، عن طريق شركات أجنبية، كما انه يملك منجما للماس هو الأكبر في سيراليون ويمول بناء مستوطنات جديدة في القدس وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة, وقد ذكر تقرير للأمم المتحدة انه خلال الفترة من 1997 حتي 2003 تصاعدت الحروب الأهلية في أفريقيا بفعل الشركات الإسرائيلية وشركات بيع السلاح، وكان هدف الحروب السيطرة علي مناجم الماس هناك، واشتهرت هذه الحروب بتجنيد الأطفال ،والعديد من الرؤساء السابقين لسيراليون وليبريا وجنرالات الحرب في وسط وغرب أفريقيا انخرطوا في تهريب الماس وخصوصا رئيس ليبريا السابق تشارلز تايلور الذي اتهمته محكمة دولية بتلك التهمة في عام 2004 ، وقد فشل مشروع (كمبيرلي برسس سيرتفكيشن) الساعي إلي منع عمليات استغلال الماس لتمويل الصراعات والحروب الأهلية في أفريقيا بسبب خلافات في داخل المنظمة بين مجموعات الضغط ولوبي الماس الذي يضم مليارديرات إسرائيليين لهم نفوذ داخل الكونجرس الأمريكي. وقد جاءت فكرة مشروع (كيمبرلي) نتيجة للغضب العالمي من الحروب الدائرة في دول مثل ليبيريا وسيراليون والتي تمول من عائدات الماس، وقد اصدر مجلس الأمن الدولي العديد من القرارات في نهاية التسعينات علي خلفية هذه الصراعات بهدف تقييد استيراد الماس الخام من مناطق الحروب والصراعات في أفريقيا وذلك لمنع استخدام العائدات في الصراعات الإفريقية الداخلية، وقد فرضت الأمم المتحدة علي الدول المصدرة للماس شروطا علي عمليات البيع عرفت بشروط "كمبرلي" تجبر بموجبها هذه الدول التصريح عن كميات وأسعار الماس المصدر والسجلات التي توضح طرق إنفاق عائداته، لكن الأمم المتحدة وكعادتها حين تكون قرارتها ضد إرادة قوى الرأسمال والامبريالية تبخرت لأنها اصطدمت بالرفض الإسرائيلي والأمريكي عبر الالتفاف علي القرار من خلال وسطاء محليين هم أصلا جنرالات أفارقة سابقون وحاليون يتاجرون في الماس لمصلحة التجار الإسرائيليين الكبار الذين يسيطرون علي 36مليار دولار هي حجم تجارة الماس في السوق العالمية سنويا.. وأشهر تجار الماس هم جاكوب باندا رئيس نادي تجار الماس في الولايات المتحدة وروني فريدمان رئيس جمعية مصنعي ومستوردي الماس في أمريكا، وديفيد أبراهام نائب رئيس نادي الماس في نيويورك وجميعهم من الأمريكيين اليهود ،وثيقي الصلة ب"الايباك" وهي اكبر منظمة يهودية في الولايات المتحدة والأكثر نفوذا في البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الدفاع الأمريكية, وفيما بعد فقد اعترفت رئيسة ليبريا إلين جونسون-سيرليف، أن تجارة الماس لعبت دورا كبيرا في الماضي ليس في خدمة حاجات الشعب ولكن في تأجيج النزاعات بدلا من المساعدة في تمويل المشروعات التنموية ومعالجة الفقر وقالت إلين جونسون " في الحقيقة، بالنسبة إلينا وبعض البلدان المجاورة لنا والغنية بالموارد، فإن اللعنة أصابت هذه الموارد " ومن المعروف جيدا أن رئيس ليبيريا السابق، تشارلز تايلور، اتهم بتأجيج النزاعات في البلدان المجاورة وذلك بتزويد المتمردين بالسلاح المستورد من إسرائيل وتوفير التدريب لهم علي يد خبراء ومرتزقة إسرائيليين ومدهم بالمال مقابل حصوله علي الماس المستخرج من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها.