الإثنين 13/10/1445 هـ الموافق 22/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
دحلان.. مثالب على طريق الصعود...د. فهمي شراب

 

 إن النائب محمد دحلان عندما يشارك في مؤتمرات أمنية وإستراتيجية دولية وإقليمية لا يشارك من تلقاء نفسه، أو يحضر متطفلاً ومستمعاً، بل يحضر بناء على دعوة تلك الدول له، وثقتها الكبيرة به. فهو شخصية تجمع عليه القوى الإقليمية والدولية، وليس بين الطامعين بالرئاسة من يعلوه شأنه أو حضورا أو تأثيرا أو رصيدا جماهيريا. هذه حقيقة سواء عجبت الخصوم أم لم تعجب، مثلما حقيقة أن غزة تعادل قبيلة تميم في البيت التالي: (إذا غضبت عليك بنو تميم... وجدت الناس كلهم غضابا). فلا رئيس أو مستقبل لرئيس بدون موافقة غزة بشعبها وقياداتها المختلفة سواء بالانتخابات، أو بأي شكل من أشكال الاتفاق الذي قد تبتكره بعض قرائح الحرس القديم.

لقد قطع دحلان شوطاً كبيراً في معركة البقاء، وواضح من التحركات الأخيرة قبل أيام و التي تقوم بها دول عربية بأنه يهيئ لإدخاله ضمن النظام السياسي الفلسطيني الرسمي مرة أخرى، ولكنه ما زالت أمامه عوائق لن تمكنه من عبور بحر الظلمات السياسية دونما تذليلها. وبرغم انه متهم بشكل مباشر من قبل بعض فئات المجتمع الفلسطيني فيما شهدته غزة من أزمات، إلا أنه يهمني كمواطن فلسطيني بسيط لا ينتمي لأي حزب، ويدرك انه ليس لها من دون الله كاشفة، في زمن أصبح الحليم فيه حيران، أن لا يظل الناس حبيسة الحدود، و في غفلة عما يُرادُ بهم، وان يتوقف نزيف الوقت والجهد والدم الفلسطيني، وان تتوقف جميع أشكال المهاترات والسجالات بين الإخوة فتح وحماس. وليس مطلوباً من حماس  بخصوص حالة دحلان إلا أن تسير وفق البيت التالي: (ومن نكد الدنيا على المرء... أن يرى عدواً ما من صداقته بُدُ).

وأمام سياسات مؤسسة الرئاسة الراديكالية الحالية، وسلوكها الدوغماتي، حيث  باتت لا تستوعب نبض الشارع الفلسطيني ولا تسعى لتلبية احتياجاته، ووسط انفضاض الكثير من حول الرئيس،  يتقدم دحلان بقوة عبر بوابات الفقر والعوز ونوافذ المعاناة و الحرمان التي تسطر ملامح غزة اليوم. وهي نوافذ عريضة قطع فيها دحلان شوطاً كبيراً، وفي رأيي أن ذلك ايجابي، والموقف السليم يحتم علينا دعم أي شخص يسعى لرفع الحصار و لمد يد  العون الحقيقية لغزة وأهلها المكلومين المحاصرين، وبرغم حالة التصارع السابقة التي خاضها مع التيارات الأخرى، والتي تسببت في خروجه من غزة على أيدي حماس، ومن ثمة من الضفة الغربية على أيدي الرئيس ودائرة الحرس القديم الضيقة، ومغادرته للجغرافية الفلسطينية برمتها،، إلا أن الموقف يحتم علينا ببساطة تبني مبدأ "اذهبوا فانتم الطلقاء" و"عفا الله عما سلف"، فمسار الدولة لا يتوقف عند صراع قديم أو حوادث انتهت تداعياتها، خاصة إذا كنا أمام مرحلة جديدة، ولكنه وبرغم ذلك، ما زال حسب مراقبتي ومتابعتي أمامه ثلاث تحديات:

1- إيجاد سبيل لكسب التيارات الإسلامية المعتدلة والتعايش معها، والمتمثلة في حماس والجهاد في ظل المجتمع الدولي الذي ما زال يضع تلك الفصائل في قوائم المنع والإرهاب، لان استمرار المناكفات لن يفيد أي طرف، والدخول في صراع مع طرف قوي كحماس  (برغم ضعف مواردها الاقتصادية) سيفضي إلى ما أفضت إليه سياسات السلطة بعد فوز حركة حماس. فالموقف الصحيح هو الموقف الوطني التصالحي الاستيعابي البناء وليس الاقصائي.

2- أنه محصور بعملية تموضع عمودي مهملاً التمدد الأفقي"،  بمعني أن نطاق تواصله وعطائه و خدماته المادية واللوجستية محصورة بمقربيه ومريديه وأصدقائه وأفراد عائلته فقط،(عشيرته)، مهملاً بذلك الشرائح الأخرى، و باقي أبناء الوطن، وهو فكر لا يليق بمسئول كبير على وشك أن يصبح رئيساً للدولة. فكشوفات المساعدات المادية واللوجستية التي يدعمها محسوبة على تلك الفئات المذكورة فقط، وينفق عليها إنفاق من لا يخشى الفقر، وهذا ثابت بالدليل والكشوفات والأسماء، علما بأنه نجح في انتخابات 2006 بفضل الجميع.

3- انه كان جزءً من حالة الانقسام، ووقف في وجه الخيار الديمقراطي عام 2006 ورفض نتائج الانتخابات من أول يوم، ولم نشهد أي تغير في موقفه وحتى قبل فصله من حركة فتح بشكل تعسفي انتقامي، ووقوع الخلاف مع ابو مازن، المشهد كله كان يدينه ويقر بأنه متورط في توسيع دوائر الخلاف بين فتح وحماس، في الوقت الذي يعتبر رأب الصدع بين فتح حماس جزءً من تقدم القضية الفلسطينية وإعادة الاعتبار لها إقليميًا ودوليًا. ولكي ينجح يجب أن يكون جزءً من إتمام المصالحة نظراً لثقله ودوره الكبير على المستوى الدولي والإقليمي وخاصة الخليجي، فهو محل ثقة ودعم كبيرين من دول الخليج.

فهل يا ترى سيعمل دحلان على الإقرار أولا بان لديه ما أسلفنا من التحديات؟  وهل سيقوم بتعديل مسار سياساته وتوجهاته وتحسين خطابه السياسي والإعلامي، وإيجاد سبيلاً لاستيعاب الجميع والتعامل كقائد حريص على جميع أبناء فلسطين؟

وهل يستطيع أن يفرض إفرازات المصالحة الفلسطينية- إن تمت- بأطرافها على المجتمع الدولي؟ وفي حالة الوصول لمصالحة مع الرئاسة فهل سيكون له تأثير ايجابي أم سلبي في نفس مواضيع أزمات غزة؟ أتشوق لأرى رداً و دوراً ايجابياً ومختلفاً ورائداً، لان غزة تستحق بكل أهلها وبجميع مكوناتها أن تعيش كما الشعوب الأخرى -على الأقل- بدون حصار ومؤامرات..

*كاتب وأكاديمي فلسطيني من غزة.

2016-05-28