الثلاثاء 14/7/1446 هـ الموافق 14/01/2025 م الساعه (القدس) (غرينتش)
رواية 'المشرط 'لكمال الرياحي ، أو ورقة التوت ... فوزي الديماسي

 نصوص كثيرة متداخلة ، متنافرة ، وحكايا الشبق ، والبغايا ، والمؤخّرات ، أسرار المبيتات الجامعية للفتيات ، وحكايا القرى المسحوقة المقهورة ، وأحاديث شارع باريس ، وشارع الحبيب بورقيبة ، وجراحات المهمّشين في أرض العاصمة ، و" الخرّوبة " العجيبة ... عمل يسفّه انتظاراتك بفوضاه ، تتدافع فيه حكاياته ، وتتدفّق ، وتتنوّع في الزمان والمكان والمصادر، تجيء على ألسنة تراوح مكانها ووجوهها بين الخيال والمرجع ، بين الواقع والتهويم السردي ، هكذا هو النصّ في كثير من منعطفاته .
ينطلق ” المشرط ” منذ بداية النصّ في تشريح حياة الناس خفيّها ومعلنها ...
نصّ لا يعترف بأفقيّة الزمان والأحداث ، وإنمّا هو' قطع / ألاخبيلات ' من هنا وهناك . يتجوّل بك في الطرقات ، والذهنية الجماعية ، ومعتقدات الناس ، وكيفية تصريف حيواتهم بشقّيها / مقدّسها ومدنّسها ، وفي الجرائد وأعمدتها ، وفي المقاهي والحانات . ذلك هو المناخ السائد في ” المشرط ” ، يأكل عقلك كما ”المخّاخ ” ، فتلهث وراء الأحداث ، وطرق السرد ، وملامح الشخصيات ، لكنها عوالم ضبابية تطلبها ولا تدركها . ويتعدّد الرواة كتعدّد الفواعل ، وتتنوّع الأصوات . ”كابن خلدون في الرواية ” تنزل من علياء سكينتك ، وتنزع عنك وقارهدوئك ، وتلتحم بهموم الناس ، هموم تتنازعها أمواج عالية عدّة ، تتفنّن في تعذيبهم تارة ، وفي منحهم لذّة مختلسة أطوارا 'سعاد مومس المقهى ، وراكبة الحافلة ' . كما غلب على النصّ حديث المؤّخرات ، أو حديث خديجة 'خديجة هي تسمية شعبية للمؤخرة في لغتنا المحكيّة التونسية ، أو هكذا أوردت الرواية '، فكان الحديث المركزيّ في الرواية وهمّها في أغلب فصولها ، وحضورها ' خديجة ' كحضور ”المشرط ” السالب لجمال المؤخّرات ولسكينة الاطمئنان المزيّف في أفئدة الناس المتحرّكين في فضاء الرواية .
تلعب الأحاديث والتداعيات والمقالات الصحفية المبثوثة في كامل العمل لعبة الريح العاتية ، والكاشفة لخبيء الوجوه ، ويأتي فعل السرد حياة الشخصيات من دبر، من مكان محرّم ، مسكوت عنه ، منذور للنسيان وعبث الأيّام ، كما الكوخ ، ذاك الذي التهمته ” الخروبة ” انتصارا لثعبانها المقدّس المغدور، وكذا تلتهم الحياة الناس / الأكواخ لتمنح واجهتها البرّاقة ” فرجها - لذّتها ” للغارقين في سعادتهم السرمديّة ، مصعّرة خدّها في الآن نفسه لشورّب ، ونيقرو ، وبولحية ، والثابة ، ولطفي زوزو ، وسعاد ، وغيرهم من المعذّبين في الأرض .
" المشرط " نصّ مبعثر كعوالمه ، لا تكاد تقف له على وجه واحد ، أو خيط رابط ، نصّ بلا نهاية هو ، كتاب مفتوح على حكايا أخرى ، وهموم أخرى ، فعله في القارئ كفعل رقعة الزيت في الثوب الأبيض . حكايات تتناسل كما الدوائر ، ينتظنها خيط واحد شعاره ”الحياة مأساة وألم في حلّها وترحالها ، وزيف ، وخيانة ” ، ولسان حالها يقول الحياة كمؤخرات الناس أشكال وألوان ودرجات وطبقات ، فثمّة من يؤمّن على مؤخرته بمئات الدولارات 'الممثّلة الأمريكية ' ، وثمة مؤخّرات وخزها شوك الحصير والفقر، وقدرها أن تعيش على هامش الفعل والتاريخ 

 

2016-06-01