السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ملوك الطوائف والصراع الأخير !....م . زهير الشاعر

في ظل رفض عارم من الفصائل الفلسطينية للمبادرة الفرنسية، تعج الساحة الفلسطينية في هذه الأيام بتحركات سياسية ورسم تحالفات مستقبلية وذلك تحسباً لأي طارئ على الساحة الإقليمية والدولية والمحلية ، ذلك بالتزامن مع خيبة الأمل التي عبر عنها وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي بخصوص التوقعات المخيبة للأمال من المؤتمر الذي عقد بالأمس في العاصمة الفرنسية باريس  والذي حضره عشرين وزير خارجية لدول أوروبية وعربية بجانب وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، والتي إتهم المالكي خلال التعقيب على البيان الختامي لهذا المؤتمر من وصفهم بـ"لاعبين كبار" من دون أن يسميهم، بالعمل على خفض مستوى التوقعات في البيان الختامي لهذا المؤتمر معطياً إنطباعاً بذلك أن المبادرة خلقت ميتة!، مستخفاً بذلك بتطلعات أبناء شعبه ومحاولاً التنصل من تحمل المسؤولية عن هذا الفشل ومتجاهلاً بأن الدبلوماسية الفلسطينية سجلت بذلك فشلاً ذريعاً إضافياً لسجلها الفاشل طوال فترة تواجد هذا الوزير على رأس هذا القطاع السيادي والمهم، كما علقت الرئاسة الفلسطينية على لسان الناطق الرسمي بإسمها بأن الموقف الفلسطيني والعربي، وفق قرارات المجلس الوطني والشرعية الدولية، يكمن بإنهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967 ، وبذلك يكون قد عبر عن خيبة أمل من تواضع ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر والذي كانت تطمح الرئاسة الفلسطينية أن يتمخض عنه تبنى لفكرة تشكيل مجموعة دولية مشابهة بمجموعة 5 + 1 التي رعت التفاوض بين المجتمع الدولي وإيران بشأن برنامجها  النووي حتى تستطيع أن تستعيد الثقة المتدهورة للحد الأدنى بينها وبين الشارع وتحصل بذلك على حبل النجاة من الوضع المتدهور سياسيا وإجتماعياً  ووطنياً على الساحة  الداخلية الفلسطينية.

في هذه الأثناء ومع فقدان الأمل بأي تطورات لتحقيق نتائج سياسية إيجابية بدأت تتبلور تحالفات جديدة في الساحة الداخلية الفلسطينية وتتعالى الأصوات وتنقسم المجموعات خاصة في الضفة الغربية ، التي تشير المعلومات بأن هناك تمرداً وشيكاً سيحصل داخل الأجهزة الأمنية ولربما تتدهور الأمور لحد المواجهة المسلحة بين أقطاب محسوبة على الرئيس محمود عباس وأقطاب أصبحت معارضة له ولسياساته بشكل علني.

وفي مؤشر على بداية إنفلات أمني خطير ، تم إطلاق النار مؤخراً على عضو لجنة تنفيذية ، ومدينة نابلس تشهد عمليات إطلاق نار شبه يومي،  وهناك فوضى إدارية في المؤسسات الفلسطينية،  كما أن أعضاء في المجلس الثوري لحركة فتح عبروا بصوت عال وعلني عن رفضهم لإستمرار الوضع القائم بكل حيثياته  ووقعوا على بيان لأول مرة وفي سابقة غير معهودة يطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالكف عن إتخاذ القرارات الوطنية الإنفرادية، كما أن إمبراطوريات المال بدأت تتحرك وتحشد بصمت ويقال بأنها بدأت تشكل مجموعات تخزن السلاح تحسباً من تحديات المرحلة القادمة.

بالرغم من وجود أطراف ذات نفوذ وقوة لا زالت ترفض عودته للساحة الفلسطينية إلا أن هناك أطراف كثيرة تتحدث عن تشكيل تحالفات بين عضو المجلس التشريعي محمـد دحلان الذي بدأ واضحاً بأنه وصل من النضج السياسي لمرحلة متقدمة حيث أنه بات يمارس دور رجل دولة له حضور قوي على الساحة الدولية والإقليمية والداخلية ، وبين كثير من أمناء سر حركة فتح في الضفة والقدس، وبالمقابل تتحسب المجموعات الرافضة لهذا التحالف وتستعد لمواجهته بكل قوة، مما ينذر بأن الوضع الداخلي الفلسطيني في الضفة بالذات لن يكون على ما يرام  في الأسابيع القليلة القادمة خاصة أن بوادر الصراع بين الأطياف المتناحرة والمتخاصمة بدأت تظهر على السطح بشكل جلي والغليان وصل الحد الأقصى للتحمل، لذلك هناك توقع في أي لحظة للإنفجار!.

بالمقابل يغفل الجميع من هذه الفئات المتناحرة عما يدور من حولهم وخاصة فيما يتعلق بتقاسم الولاية والسيطرة على مقدرات منظمة التحرير الفلسطينية حيث أن الفريق المحيط بالرئيس عباس وبعض وزراء حكومة الوفاق المقربين منه جداً والمحسوبين عليه وخاصة ممن يحسبون أنفسهم على التيارات الوافدة بدأوا يتقاسمون المنافع والأدوار ويفرضون أمراً واقعاً جديداً لخلق وقائع يصعب تغييرها في المستقبل وذلك للسيطرة على مفاصل هذه المنظمة التي من المفترض أنها  تمثل الطيف السياسي الفلسطيني بمجمله بدون تمييز أو إحتكار!.

كما أن التوجه لتحسن العلاقة كما يبدو بين القاهرة وأهل قطاع غزة هو مؤشر أخر على بداية تحولات جذرية تنتظرها الساحة الفلسطينية في القريب العاجل حيث أن مصر تدرك أن فلسطين والإستقرار فيها تمثل العمق الإستراتيجي لإستقرارها وبالتالي وفي ظل تحالفاتها العربية والإقليمية أصبحت بالرغم من ظروفها الداخلية تمارس دوراً طارئاً وملحاً نتيجة التخوفات مما تحمله الأسابيع  القادمة حيث أن مؤشرات الخلاف بين الطوائف الفلسطينية المختلفة بدأت تتصاعد بشكل ملحوظ ، لذلك تدرك القاهرة بأن هذا الصراع هو الأخير لهذه المرحلة لإفراز قيادة فلسطينية جديدة مما جعلها إتسعادة روح المبادرة والنشاط مرة أخرى في إبراز دورها  من خلال ممارسة ضغط كبير على جميع الأطراف وإصرار على قبول رؤيتها مستخدمة بذلك مبدأ العصا والجزرة!.

بالمقابل أيضاً الجميع بات يدرك بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بلغ من السن مرحلة مقلقة ولربما حرجة تتقاذفها الأيام لحظة بلحظة حسب المتغيرات والضغوطات وبأنه لن يستطيع أن يستمر بعيداً عن هموم شعبه ومكتفياً بالدفاع عن منظومته ونهجه كثيراً، خصوصاً بعد الفشل السياسي المتلاحق والكبير الذي سجله خلال مرحلته في ظل التحديات المحيطة به والخصومات الشرسة مع أولاده وقوة الهجوم على أسرته وفساد رجالاته وتخبط وضعف رؤيته وإنعزاله عن ألام وأوجاع الشارع،  ولربما تعبيراته المفاجئة والجارحة بين الحين والأخر عن إحتقاره لمعاناة أبناء شعبه،  وبالتالي بات واضحاً أن الأمور لم تعد في يده بل في يد ملوك الطوائف المحيطة التي جعلها متناحرة فيما بينها صاحبة المصالح الإقتصادية وأصحاب رؤوس الأموال التي أصبح من الواضح بأنها هي من تتحكم بالقرار.

صراع أخير بات على الأبواب بين ملوك هذه الطوائف المتناحرة حول القوة والسلطة والمال والنفوذ نتمنى أن يمر بدون إراقة دماء وأن يكون هناك كبار أمناء يدركون مصلحة الوطن ويعون معنى وحدته،  بدلاً من الإستمرار في نهج التشرذم والإنقسام  والتلذذ على حساب ألام وأوجاع شعب ومن خلال بيعه المزيد من الأوهام!.

2016-06-04