خلال أقل من عشرة أشهر ، زار نتنياهو روسيا ثلاث مرات، والقاسم المشترك بين كل تلك الزيارات هو الملف السوري، ولتفسير طبيعة التقارب الروسي الإسرائيلي يجب أن نتعرف على الحقائق التالية، بمناسبة آخر زيارة له يوم 6/6/2016:
رفعتْ إسرائيل شعارا للزيارة،: "هذه الزيارة تأتي بعد خمسةٍ وعشرين عاما على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين"
بعد أن أصبحتْ إسرائيل لاعبا دوليا في العالم، ومشاركا في المحاور الدولية الآخذة في التبلور.
فإنَّ مَن يتابع سياسة إسرائيل يجد سهولة في تحليل أبعاد هذه الزيارة، فهي تأتي في إطار إغاظة الساسة الديموقراطيين الأمريكيين، والضغط عليهم، في الوقت المناسب، وقت الانتخابات الأمريكية، وعقب الاتفاقية النووية مع إيران، ومن منطلق الضغط، تسعى إسرائيل لمكافأتها عن صمتها على الاتفاقية، والمكافأة المرجوَّة، هي تفكيك مشكلة فلسطين، والكف عن مطاردة إسرائيل في ملف الاستيطان، وملف القدس، وملف الدعم السنوي لإسرائيل وزيادته ليصل خمسة مليارات دولار!
ومن فقه تحليلات الزيارات، أنَّ إسرائيل غدتْ قريبةً جدا من الحلف السني الجديد في الشرق الأوسط، والجامع المشترك لهذا التحالف هو العداء لإيران!
ومن فقه الزيارة أيضا، أن روسيا نفسها تبحث عن دورٍ في الشرق الأوسط، لاستعادة نفوذها السالف، ومَن يرغب في هذا الدور عليه أن يبدأ بإسرائيل أولا!
ومن فقه الزيارات أيضا، ملكية المخابرات الإسرائيلية لكثيرٍ من الملفات العسكرية، فإسرائيل كانت المستفيد الأكبر مما يجري من أحداث، فقد تمكنت من تفكيك منظومة الأسلحة السورية التي كانت تهدد أمن إسرائيل، وهي تملك ملفات استخبارية دقيقة عن وضع التنظيمات المتحاربة في سوريا، كما أن إسرائيل ليست قريبة فقط من كثير من تيارات الحرب في سوريا، بل إنها حليفٌ لعدة جبهات، منها جبهة النصرة وغيرها.
إنَّ الملف السوري ملفٌ ضروريٌ لروسيا ، التي دخلتْ شريكا قويا في منطقة الشرق الأوسط،، ويبدو أن نتنياهو يودُّ إجراءَ مقايضة مع روسيا في سوريا، معلومات وتعاون استخباري مشترك ، وتنسيق عسكري بين الدولتين، مع مشاركة الطائرات الإسرائيلية بلا طيار في المعارك الجارية في سوريا؛ في مقابل منع تسريب الأسلحة الروسية إلى حزب الله، والضغط على النظام السوري لإنجاز اتفاق بين سوريا في المستقبل بعيدا عن قضية فلسطين. وكذلك إبعاد إيران وحزب الله عن الحدود السورية الإسرائيلية.
ولا يجب أن نُغفل في تحليل فقه الزيارات الملف الاقتصادي، فنتنياهو يحمل ملفا من ليبرمان، يقضي بمنح كل العاملين اليهود المهاجرين من روسيا 1990 مرتباتٍ تقاعدية، ويمكن إضافة ملف آخر ، وهو ملفٌ تجاري بين البلدين، في مجال الطاقة، والتجارة، والزراعة.
وإذا أضفنا إلى ذلك ملف الجالية اليهودية في روسيا، والتي يُحركها ليبرمان، ووزيرة الاستيعاب الجديدة، صوفا لاندفر، فإننا نستنتج مجموعة من الأرباح المضافة إلى ما سبق!
ومن أبرز أهداف إسرائيل من توثيق التعاون بين البلدين، هو إجهاض (مؤتمر باريس) الذي عقد يوم 3/6/2016 فالمؤتمر لا يحظى برضا الطرفين، لأن لروسيا دورا ثانويا في المؤتمر، بينما ترفض إسرائيل المؤتمر كله، وفي نهاية الزيارة، صرح نتنياهو بأنه يشجع دور الرباعية الدولية، حيث لروسيا مكانة مميزة في الرباعية!
أخيرا، إن الربح الأكبر من مسلسل الزيارات يجنيه دائما الأقوياء، ممن يملكون الخطط والاستراتيجيات بعيدة المدى!!