كتب أودي سيغال : عندما استدعينا هذا الاسبوع لاستعراض لدى مصدر امني رفيع، فوجىء المراسلون العسكريون باكتشاف وجود يافطة واحدة كتب عليها «اسرائيل بيتنا» على الطاولة، الى جانب اسماء المراسلين الذين يمثلون وسائل إعلامية مختلفة ومتنوعة. مندوب الحزب الى جانب الصحافيين! والتفسير الغريب الذي تلقوه إن هذا هو المندوب المؤقت الذي يربط بين وزارة الدفاع والاعلام الروسي. روح جديدة. لقد جاءت البشرى بالتغيير في الاجواء وفي الاسلوب.
«المصدر الامني» لم يخيب الامل. فقد وفر عناوين رئيسة واثار الاهتمام حين روى عن سحب بطاقة الشخصية رفيعة المستوى من محمد المدني، رجل السلطة الفلسطينية الذي شجع في الاشهر الاخيرة الحوار والاتصال مع المجتمع في اسرائيل، ضمن امور اخرى من خلال التعاون مع منظمة سليلي المغرب لدعم الطوائف الشرقية لفكرة السلام. وشرح المصدر الامني بان المدني حاول اقامة حزب سياسي. ان تدخل اجهزة الامن في النشاط السياسي، مهما كان مغيظا، هو منحدر سلس. والمصدر الامني يحب مثل هذه المنحدرات. ولكن القصة عن المدني كانت مجرد التمهيد للرسالة المركزية التي خرجت عن المصدر الامني. «المواجهة التالية مع حماس محتمة»، قال واضاف: «المواجهة التالية يجب أن تكون الاخيرة من ناحية حكم حماس».
والان هناك سبيلان لتفسير هذه الاقوال: التعاطي معها كاقوال تبجح او أخذها على محمل الجد. السبيل الاول هو التفكير بان هذه الرسالة هي «حقيقية لحظيا»، عنوان رئيس واحد من بين عناوين كثيرة ستتبدد مع مرور اليوم، تبجح، نفخ صدر، واقوال وقحة ومهددة. ثمة لهذا حتى منطق عملياتي. فاذا كانت هذه تبجحات ذات نزعة قوة، فيدور الحديث عن مفهوم آخر أكده لنا التعيين المفاجىء لافيغدور ليبرمان وزيرا للدفاع، بعد أن أقسم هو ورئيس الوزراء بان هذا سيناريو غير معقول. وجوهرها الحقيقي هو أن ليس للكلمات اي معنى وليس هناك ثمن سياسي او جماهيري لان الجمهور ينسى، يسامح ومعتاد على اكاذيب سياسية أكبر من هذه. المنطق الامني الذي في مثل هذه الخطوة هو في كونها جزءا من الحرب النفسية والردع الاسرائيلي. فحماس تتلقى اشارة بان احتمال الانجرار الى جولة اخرى من المناوشات مع اسرائيل سيعرض استمرار حكمها في القطاع للخطر. هذه رسالة صحيحة ورادعة.
تحذير موجه للاساس الاكثر حساسية لكل حزب، حتى لو كان حزبا ارهابيا عنصريا ووحشيا مثل حماس. الامكانية الثانية للتعاطي مع اقوال المصدر الامني هي كما أسلفنا، اخذها على محمل الجد. هذا ما هو متبع هنا، ولا سيما في ضوء تاريخ جهاز الامن والجيش. اذا كان هذا هو الوضع، فاننا نكون سمعنا هذا الاسبوع عن تغيير دراماتيكي في سياسة حكومة اسرائيل. استراتيجية حكومة نتنياهو في السنوات الستة الاخيرة كانت بسيطة: ادارة النزاع والحفاظ على حماس. وقد شددت هذه السياسة الهدف في كل الجولات القتالية للجيش الاسرائيلي حيال حماس في غزة منذ الجرف الصامد. وحسب هذا الخط فالهدف ليس التصفية، القضاء، السحق والمعك لحماس؛ بل الحفاظ عليها كعنوان فاعل، ناجع، ضعيف ومردوع بعد الضرب الشديد له. بمعنى، قبول عملي لحماس كعنوان سلطوي ناجع والتصدي للشيطان المعروف، بدلا من الفوضى وخطف الحكم من قبل جهات اكثر تطرفا واقل نجاعة. ما وجه هذا الخط السياسي كان الخوف من الفوضى، مثلما في سورية. لا يكون هناك عنوان مسؤول واحد بل جملة من الجماعات التي ينبغي المناورة في ما بينها من اجل الحفاظ على الامن الجاري. لقد وعد نتنياهو في سلسلة من التصريحات بان سياسة الامن سيقررها هو، وما كان هو ما سيكون. بمعنى أن لا تغيير في سياسة اسرائيل في الساحات المختلفة. اما قول «المصدر الامني» فيفيد بان هناك تغييرا في السياسة أو محاولة كهذه، وان الخط الجديد هو اسقاط حكم حماس في الجولة التالية. حاول المراسلون العسكريون الاثقال على المصدر الامني وسألوه ما هو البديل ومن سيحتل مكان حماس في الحكم. قال فقط انه توجد بدائل. على المستوى المبدئي يوجد هنا تخوف من أن هذا التغيير في السياسة – اذا كانت هذه بالفعل امور جدية – فقد تم مرة اخرى دون اي نقاش معمق في الكابنت وقرار في الحكومة. يوجد وزير دفاع جديد وهو يملي الاستراتيجية. * * *
من يرغب في فهم خط السياسة الجديد هذا يتعين عليه أن يعود الى ما قاله افيغدور ليبرمان حين كان وزيرا للخارجية في الكابنت في زمن حملة الجرف الصامد. فقد صرح قائلا: «يجب السير على كل شيء أو لا شيء. أو حتى النهاية أو عدم عمل أي شيء». وفي اثناء الحملة تحدى فكره الوضع عدة مرات في المداولات. كانت جدالات وصراخات، ولكن بعد العرض المفصل للجيش الاسرائيلي والذي طرح فيه الثمن الهائل للسيطرة او الاحتلال للقطاع، جرى تصويت صوت فيه الجميع، بمن فيهم ليبرمان ضد خطوة برية لاحتلال غزة. وادعى بان هذا بات متأخرا، واضاف بان لديه خطة. وهذه هي الخطة: المواجهة التالية مع حماس ستؤدي الى خطوة برية فورية يجري الاعداد لها مسبقا، وسيكون هدفها اسقاط حكم حماس. الجيش الاسرائيلي يحتل أهداف استراتيجية في القطاع، بما فيها مستشفى الشفاء، محطة التلفزيون ومراكز حكم اخرى. الجيش الاسرائيلي يسيطر ويحكم القطاع، وينزع سلاح حماس في ظل المفاوضات مع الامم المتحدة ومع جهات في العالم العربي عن حكم بديل، مؤقت او دائم. ويدعي ليبرمان بان هذا سيكون محدودا بالزمن.
في الجيش الاسرائيلي يخافون من حل مؤقت. عندما رسمت اسرائيل حزاما أمنيا في لبنان كحل مؤقت، كانت حاجة لـ 15 سنة للخروج من هناك. فأي عنوان بديل يرى ليبرمان في غزة؟ فهو يدعي بان هذا ليس محمد دحلان، الذي هزمته حماس والذي يستخف به وزير الدفاع الجديد. وهو يبحث عن حكم على نمط الشيشان.
اي حلف مع رجل عصابات عربي محلي، أزعر قوي مثل كادريف، الذي عقد صفقة مع بوتين وهدأ المنطقة بدون المحكمة العليا وبدون «بتسيلم». مطلوب طاغية عميل يعالج القطاع. هذه الفكرة الاساس، حتى لو لم تنجح في الماضي مع اسرائيل. في كل الاحوال، فان هذه بشرى صعبة لسكان القطاع. كما أنها اشارة تحذير: اذا كان هذا ما تريدون، فايدوا حماس والحرب التالية مع اسرائيل.
واذا لم يكن يطيب لكم، فيجدر بكم ان تفعلوا كل شيء كي تمتنعوا عن الجولة التالية. في مكتب نتنياهو رفضوا التعقيب على السؤال اذا كان هناك تغيير في السياسة تجاه غزة. فللغموض ايضا دور في المعركة. وهو يشوش الفوضى.
عن «معاريف» -