الخميس 20/10/1444 هـ الموافق 11/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
عـُقــدة الخــَواجه !!...عبد الهادي شلا

 الإستعمار بوجهه التقليدي القبيح قد غاب عن المشهد العام في عالمنا الجديد إلا أنه لم يمت ، وجاء بوجوه جديدة ومتعددة الأشكال والصور. قوانين الطبيعة تحتم أن يبقى الطمع في خيرات ما عند الآخر الضعيف غريزة عنيفة عند الأقوياء الذين يتفننون في إبتداع الطرق للوصول إلى مبتغاهم بصور وأشكال لا تعد ولا تحصى وبعبقرية تجبر الطرف الضعيف على الإستسلام والخضوع حين تقيدة مواثيق شديدة لا يمكن الفكاك منها بسهولة. ذات صيف في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي كنت في زيارة لمدينة بافوس القبرصية لما فيها من آثار وجمال الطبيعة وفي الطريق الجبلي وسط المناظر الخلابة قلت لسائق السيارة : إن بلادكم جميلة ! التفت نحوي وهو يرد بحسرة شعرت بها في نبرة صوته :إنهم البريطانيون يحولون كل شيء يملكونه إلى ما تراى من جمال،وكان يقصد البريطانيون الذين يملكون أكبر قاعدة لهم في الشرق الأوسط وهو المكان الجبلي الذي نسير فيه . فهل كانت "عقدة الخواجة " هي التي دفعته لقول مثل هذا الكلام أم الحسرة التي استشعرتها في نبرة صوته؟! رغم تحرر البلاد العربية واستقلالها وذهاب الإستعمار إلى غير رجعه - كما نظن- فقد ورث فيها "عـُقــدة " تحولت إلى مرض أصبح العلاج منها شبه مستحيلا. و أن البعض ممن لا يجيد التصالح مع نفسه مازل يعاني من " عـُقدة الجواجة " التي باتت سلوكا في زمن تغيرت فيه معالم الحياة وصورها ومتطلباتها . حين كانت بعض البلاد العربية ذات نظام اشتراكي وبها مصانع ومنتجات بجودة عالية عالميا كان مواطن تلك البلاد يتطلع إلى ما هو" أجنبي" رغم القيود الجمركية العالية ويتباهى بما يملكه منها .أليست هذه بــ " عقدة الخواجة" أيضا ؟! من الطبيعي التمسك بما هو جيد ومميز مهما كان مصدره ولكن حين يتوفر هذا الشيء بنفس المواصفات محليا فالأولى أن يتوجه الإهتمام إليه لما يترتب عليه من منافع كثيرة تفيد الوطن والمواطن. هناك من لا يقنع إلا ببعض العلامات التجارية لشراء منتجاتها،وقد يكون محقا لأنها حافظت على جودتها وإن إرتفع ثمنها،ولكن الذي لا يملك القدرة على ذلك فالأولى أن لا تلاحقه " عقدة الخواجة" لمجرد علامة تجارية أو بلد الإنتاج فقط بعد أن إكتظت الأسواق بمنتجات عالمية متعددة بنفس المواصفات والمقاييس ومنها المحلية. غاب الإستعمار التقليدي وجاء إستعمار "الروح" التي يسكنها الإنتماء والحب للوطن وللفرد،فالغزو التجاري من قبل المؤسسات والشركات العالمية الكبرى التي تقيم المشاريع العملاقة في طول الوطن العربي وعرضه هي إستعمار إمتلك الأرض والفرد الذي أصبح يعمل فيها ويبدع في جلب المزيد من الأرباح لها في الوقت الذي هو المستهلك الذي يمد مصانعها كي تستمر في الإنتاج. هذه العقدة ليست فقط في الأحتياجات اليومية بل إمتدت إلى سلوكيات" الخواجة" أيضا وتتبع خطاها في كل صغيرة وكبيرة حتى كادت معالم الشخصية العربية أن تذوب ونحن نشاهد الشباب يبالغون في استخدام الكلمات الأجنبية ومصطلحاتها وسط الحديث الأمر الذي يفقد المعنى أصله ويصبح هجينا إعتقادا أنه الأكثر تطورا والأقرب إلى الحضارة السائدة في العالم المفتوح. قد نغفر - أحيانا - للبعض من الذين تعلموا في المدارس والجامعات الأجنبية بحكم تغليب العادة ولكن هذا عذر لا يجب السماح له بأن يكون هو السائد حتى لا يتحول في روح جيل يتلوه أخر إلى عقدة خواجة بمضمون جديد أكثر قسوة على النفس وأشد إستعمارا لها.!!

2016-06-19