الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الإتفاق 'التركي- الإسرائيلي' يربك السلطة الفلسطينية !...م . زهير الشاعر

بعد الإعلان عن التوقيع على الاتفاق التركي الإسرائيلي حول إعادة التطبيع بينهما وملحقات الاتفاق الخاصة بقطاع غزة ، خرجت أصوات عالية من القيادة الفلسطينية تنوح وتصيح وكأن الاتفاق وليد اللحظة، متهمين تركيا بأنها اختلست حق الوصاية على قطاع غزة وكانت معظم هذه التصريحات غير مرحبة بهذا الاتفاق.                   

من المعلوم أن تركيا كانت تقيم علاقات دبلوماسية رسمية واستراتيجية مع إسرائيل منذ نشأتها في عام 1949 ، ولكن حصلت قطيعة في عام 2010 بسبب هجوم إسرائيلي على نشطاء أتراك حاولوا كسر الحصار على قطاع غزة عبر البحر الأبيض المتوسط ، وبعد مرور ما يقارب ستة أعوام من هذه القطيعة شبه الكاملة بين الدولة التركية ودولة إسرائيل أعلن الطرفان بالأمس اتفاقا ينهي أسباب هذه القطيعة التي نشأت بسبب قتل عدة مواطنين أتراك في ذلك الوقت على أيدي كوماندوس البحرية الإسرائيلية.

كما يرى المراقبين بأن تركيا حاولت وما زالت وبكل الطرق تعمل من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة ، لذلك وضعت من ضمن شروطها لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل القطيعة مع إسرائيل التي حصلت بسبب الاعتداء على سفينة مرمرة،  رفع الحصار عن قطاع غزة الذي يعاني أهله ويلات الحصار والألم والوجع وفقدان الأمل ، وبالرغم من عدم تحقيق ذلك بشكل كامل ، إلا أن المراقبين يعتبرون بأن هذا الموقف لم يسبق تركيا إليه أحد، بل ارتضته وسط التحديات التي تواجه المنطقة دعماً لقطاع غزة المحاصر الذي يبدو بأنها تتحالف مع أهله تحالفاً استراتيجيا وتدعمهم تعليمياً وطبياً وفي كثير من المجالات الأخرى بكل قوة ، وقد أكدت في هذا الاتفاق على ضرورة حل مشكلة البنية التحتية لشبكتي الكهرباء والماء وبناء مستشفى كبير في قطاع غزة.

في هذا السياق لوحظ خروج د. رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني بتصريحات صحفية ملغومة تدل على حالة إرباك في المؤسسة الفلسطينية خلال تعليقه على هذا الاتفاق،  فمن ناحية رحب به قائلاً " نحن نعتبر أن الاتفاق التركي الإسرائيلي شأن مرتبط بقرارات سيادية بين دول لإعادة تفعيل علاقات ثنائية فيما بينهما، ولذلك فإننا لا نتدخل في مثل هذا الجانب"، ومن ناحية أخرى وضع شرطاً عندما قال "أن أي جهود تركية في قطاع غزة يجب أن تمر عبر الحكومة الفلسطينية الشرعية، وذلك بعد الاتفاق التركي الإسرائيلي الذي يتضمن خطوات لتخفيف حصار القطاع"!.

لو تم التدقيق في كلام الوزير المالكي سنجد انعكاسا لارتباك واضح في صفوف القيادة الفلسطينية وعدم رضى عن هذا الاتفاق ، حيث أننا لم نسمع منه كلمة واحدة بالترحيب بالجزئية المتعلقة بتخفيف الحصار بغض النظر عن الألية التي ستتبع لتنفيذ ذلك، وكأن حصار قطاع غزة بات فيه مصلحة فلسطينية لبقاء منظومة فاقدة الشرعية وتستمد شرعيتها من المتاجرة بألآم وأوجاع شعبها المحاصر في هذا القطاع البائس.

بالنسبة لحديثه عن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين ذات السيادة فهو نأى بنفسه عن نقدهما لأنه يدرك بأنه سيخرج خارج تغطية حدوده وأن الأمر أكبر من حجمه ، أما بالنسبة لتخفيف الحصار عن قطاع غزة فيبدو أن ذلك المه وأوجعه لأنه يدرك كمنظومته بأن هذا الحصار وبقائه ومد أجله هو البيضة التي تجلب له ولهم ذهباً وتبقيه في منصبه وتمد من عمر هذه المنظومة!.

أيضا لا يمكن تجاهل أنه من المؤلم أن يتم الحديث عن تدخلات وسلب وصاية ولا يتم الحديث عن ترحيب والعمل على بناء ما تم تحقيقه لاستغلاله بطريقة تؤدي إلى رفع الحصار الظالم عن هذا القطاع كهدف أساسي بشكل شامل وكامل، وأن يكون هناك مبادرة فورية منه كوزير للخارجية وغيره باتخاذ قرار لزيارة قطاع غزة الذي يبدو بأنه على علم بأن أهل هذا القطاع لا يرحبون به ولا يريدون أن يرونه فيه ، حيث انهم لا ينسون بأنه هو من كان يطالب بوقاحة أثناء الحرب الأخيرة عليهم بخنقهم من خلال قطع الكهرباء عنهم!.

قطاع غزة اليوم ينتظر إنفراجة حتى لو كانت بطيئة وجزئية ولكنها حتماً ستساهم في تخفيف ألامه وأوجاعه وستسجل الأيام بأن صبر أهله لم يذهب هدراً وبأن الفوز في النهاية لهم وسيبنون مدنهم ويحققون احلامهم ويعيشون بمستقبل أكثر أمناً مع أطفالهم بعد أن تنفضح حقيقة المنظومة الانفصالية المتغولة على مقدراتهم  والتي تتاجر بألآمهم وأوجاعهم وعملت على تكريس انقسامهم وتجسيد حصارهم!.

قطاع غزة اليوم يجب على أهله إعادة النظر في مكونات العلاقة التي تتحكم بمستقبلهم ، فمن أراد له أن يكون جزءاً من الوطن ولا يريد لأحد من خارج منظومة الوطن أن يتدخل بشؤونه أو أن يأخذ حق الوصاية عليه ، عليه أن يبادر بتحمل مسؤولياته الأخلاقية والوطنية اتجاهه واتجاه أبنائه أو أن يبقى بعيداً اسيراً لرؤيته الانفصالية الضيقة والمفضوحة ليذهب خاسئاً مكسوراً  ذليلاً  خائباً إلى مزابل التاريخ بدون عودة ولا ذكر لصفحته الملوثة بفساده وسقوطه الوطني والإنساني!.

قطاع غزة اليوم يجب أن يدرك بأنه جزء من سلطة هي جزء من منظومة إقليمة ودولية عليه أن يحترم مقرراتها السياسية حتى تتحقق تطلعات أبنائه للعيش بأمن وامان وسلام، والتي لا تأتي بالتمني ولا بالتحدي ولا بالعاطفة ولا بالأحلام بل تأتي بفهم الواقع ومتطلباته والعمل بمرونة على تذليل العقبات التي تواجهه!.

قطاع غزة اليوم بات لا يحتمل أهله أكثر مما تحملوا وتضحيات أكثر مما ضحوا، لذلك يجب عليه أن يدرك أولاً بجدية وشفافية أن بوابته الحقيقية هي الشقيقة مصر العربية وأن ترميم العلاقة معها يجب أن يكون مطلباً مقدساً وفي سياق حفظ أمنها وتفهم متطلباتها الإستراتيجية، كما يجب أن يكون هناك ألية منطقية في التعاطي مع التحديات التي تواجهه، والاعتراف بأن الواقع يريد رجالاً مرنين لا تهزهم الرياح ولا يتشبثوا بحكم من خلال أسر شعب من أجل بقاء مزيف وهزيل ، لا بل عليه أن يفتح ابوابه واسعة أمام عمليات استثمار وبناء نظيفة بعيدة عن الشبهات ومسببات الحصار!، فمن يظن بأنه يمثله عليه أن يأتي إليه ويساهم بشكل عملي على حل مشاكله وأن ينهي معه حالة الانقسام التي تنهشه لا أن يبقى متفرجاً ولا يؤلمه حصاره!.

2016-06-28