الأربعاء 15/10/1445 هـ الموافق 24/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
غربة ..د.سناء عز الدين عطاري

كيف باعد بيننا الزمان؟

سنواتٌ تتلوها سنوات

والغربة تتسلل إلى أعمارنا

`تسرق صبانا

وتنهب زهوة شبابنا

وفي كل عام يضاف خطٌّ فوق جباهنا

وفي كل عام حين نلتقي

نتفاجأ بأن شعرنا قد باغته البياض

وما عاد كما كان

أسود اللون شاب

وفي كل عام

تفتر الابتسامة على شفاهنا

حتى ما عاد القلب يفرح

وما عادت الأذن تطرب

ونزداد شوقاً وحنيناً

ونبحث عن ضحكة غابت في عمر الطفولة

كيف سمحنا للغربة أن تحتال علينا؟

لماذا صدقنا أنها نزهة؟

وأنها ثروة؟

لماذا صدقنا أن تلك البلاد أجمل من قدسنا؟

وأن شوارعها الواسعة

أجمل من أزقة قريتنا؟

وأن أضواء مدنها

أجمل من قنديل زيتٍ في ذاكرتنا؟

كم تمنيت أن أرى جدران بيتك

وأن أكون شريكة فرحك وحزنك

وألا تكون أخوتنا مكالمة هاتفية

نتبادل فيها الأسئلة الروتينية

كم احتجت إليك

حين حزنت

وحين بكيت

وكم تمنيتك

حين فرحت

وحين ضحكت

وكم تمنيت أن تزورني في العيد

كما هي عادة الناس في بلدنا

الحزن يملأ قلبي

فلم تعد بيننا ذكريات مشتركة

ولم تعد لغتنا مشتركة

وصارت في عينيك عاداتنا غريبة

وثقافتنا عجيبة

أصبحت ترى الأهل أغراب

وهؤلاء..في بلاد الغربة أهل وأصحاب

لقد صدّقت وصدّقنا

أنك عائد غداً

وأن غيابك لن يطول

وأنك هناك زائر لا تلبث أن تعود

ولكن الغربة كالأفعى

تتقن ابتلاع فريستها

يقولون...

أنت هناك مريض

حزين

غريب

وعبثاً أمد يدي

لألمس جبينك

وأربت على كتفك

ولا يمكنني سوى أن أقرأ لك آيات الشفاء

وأن أتلو من أجلك تعويذة

تطرد شرَّ الأشرار

فبيننا بلاد وحدود

لا يقطعها إلا كل مارد جبار

اليوم أدركت أن العمر قد فات

وأن الأمل في العودة قد مات

وأتساءل...

لماذا قدمت نفسك قرباناً

لبلادٍ غريبة قاسيةٍ

لا ترحم؟

ولم ترض بك يوماً مواطناً

ولو من الدرجة العاشرة

لماذا رضيت أن تراهن على وفائها؟

وهي التي لم تقدم لك يوماً

دليلاً على محبتها

وهل قدرنا الغربة

والنزوح عن الأوطان؟

آه وألف آه

من وجع الغربة

ومن هجر الأوطان             

2016-07-01