السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
دلالات قرار المحكمة الاسرائيلية في قضية ريتشل كوري/أ‌. عصام يونس

قرار المحكمة المركزية الاسرائيلية في حيفا يوم 28 أب (اغسطس) الحالي المتعلق بقضية ريتشل كوري الذي برأ جنود الاحتلال من دمها لم يكن مفاجئا بالنسبة لي ولآخرين لما هو معروف عن القضاء الاسرائيلي من اصطفافه إلى جانب قوات جيشه عندما يتعلق الأمر بالأراضي الفلسطينية المحتلة ويتخلى عن نزاهته وأي مرجعيات قانونية واخلاقية.


ريتشل كوري المتضامنة الامريكية قتلها جيش الاحتلال في 16 آذار (مارس) من العام 2003، بينما كانت تحاول منع هدم منازل الفلسطينيين في رفح على الحدود المصرية الفلسطينية. حيث دفنتها الجرافة الإسرائيلية تحت التراب وهي على قيد الحياة.

يحمل قرار المحكمة الاسرائيلية سيء الذكر عددا من الدلالات مهمة:


اولا: القرار يمثل سقوطا أخلاقيا جديدا وفضيحة بكل المقاييس ويظهر ضعفا مؤكدا ولا يمكن لقرار من هذا النوع أن يصدر من موقع القوة الأخلاقية مطلقا فالجريمة مكتملة الأركان بل انها نموذج لجرائم القتل العمد التي تدرس لطلبة القانون وهي جريمة ترتقي الى مستوى جرائم الحرب التي تستوجب ملاحقة من نفذها ومن أمر بتنفيذها.


ثانيا: ان القضاء الاسرائيلي كما باقي المؤسسات السياسية والأمنية توفر الغطاء السياسي والقانوني والأمني لجرائم الاحتلال وما يرتكب بحق الفلسطينيين شعبا وأفرادا، أرضا وممتلكات. وهي جزء من عملية متواصلة لمنح الجنود الاسرائيليين حصانة وافلاتا من العقاب وضوءا أخضرا للمضي قدما في ارتكاب المزيد من الجرائم، طالما ان الجندي محصن وانه فوق القانون وانه لا يمكن أن يخضع إلى أي شكل من أشكال المحاسبة.


ثالثا: القرار يؤكد على السياسة الذرائعية للنظام السياسي الاسرائيلي والذي يصل به إلى حد لوم الضحية وتحميلها مسئولية ما يرتكب من جرائم. إن الضحية (ريتشل كوري) هي المسئولة عما الم بها وهي المسئولة عن دمها لأنها لم تنأى بنفسها عن نشاطات الجيش الاسرائيلي، ولوم الضحية قائم في الممارسة الاسرائيلية، وهو يعني أن الجندي الاسرائيلي المتفوق أخلاقيا عما سواه لا يمكن له أن يقتل بل الضحية تقتل نفسها، وكذا سكان غزة يفرضون حصارا على الفلسطينيين.


رابعا: ان القرار ومن قبله قتل ريتشل كوري نفسها، يهدف إلى ايصال رسالة إلى المتضامنين الأجانب مع الفلسطينيين أنهم غير محصنين وان عيونهم الزرقاء وجوازات سفرهم المتعددة الألوان لن تجعلهم بمنأى عن جرائم الاحتلال حتى لو وصل الامر إلى القتل. وهي رسالة واضحة بأن الاقتراب من الفلسطينيين رجس من عمل الشيطان ومن يقترب منهم يتحمل وحده المسئولية عما سيلحق به وبالتالي هي محاولة يائسة لوقف التضامن الدولي مع الفلسطينيين وبث الرعب في قلوبهم من خلال رسالة الدم وفضيحة القرار.


خامسا: هي رسالة للمجتمع الدولي بان استمرار حالة الصمت تجاه ما يرتكب من جرائم في الأراضي المحتلة وغياب الارادة لوقف نزيف الدم والقتل والتدمير الذي تقوم به دولة الاحتلال، هو ما يعطي دولة الاحتلال رخصة للتحلل من قواعد القانون الدولي ويوفر للقضاء الاسرائيلي غطاء ليحلل ما هو محَرم ويقنن ما هو مُجَرم.


إن دولة الاحتلال لم يكن لها أن ترتكب ما ترتكبه من جرائم، لولا انها تشعر انها دولة محصنة وانها فوق القانون وأن هناك من يوفر لها الغطاء السياسي والقانوني على المستوى الدولي. وكلنا يتذكر فشل مجلس الامن العام الماضي في تبني قرار يدين الاستيطان في الأراضي المحتلة من قبل دولة الاحتلال حيث استخدم حق النقض الفيتو واحبط مشروع القرار على الرغم من ان المجتمع الدولي بمن فيه الولايات المتحدة التي استخدمت الفيتو لازلت تعتبر الاستيطان غير قانوني.


إن المجتمع الدولي مطالب بالوفاء بواجباته القانونية والاخلاقية بمقتضى القانون الدولي والمتمثلة بحماية السكان المدنيين وممتلكاتهم في الأراضي المحتلة وضمان احترام قواعد القانون الدولي وهو ما يقتضي ملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين ممن نفذ أو أمر بتنفيذ تلك الجرائم. إن عدم القيام بذلك من جانب المجتمع الدولي يعني ان دولة الاحتلال لديها ضوءا اخضرا للاستمرار في ارتكاب مزيد من الجرائم وهو ما يهدد الأمن والسلم الدوليين في انتهاك خطير لميثاق الامم المتحدة.


إن خطورة الحالة القادمة إذا ما استمر هذا التسييس لقواعد القانون الدولي والتوظيف السياسي النفعي لمعاناة الفلسطينيين تكمن في أن ما هو اسوا آت لامحالة لاسيما في ظل التهديدات المتواصلة التي يطلقها قادة الاحتلال من سياسيين وعسكريين، طالما ان دولة الاحتلال او أي من مسئوليها او جنودها للمسائلة والعقاب.


إن العدالة المطلوبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي العدالة الكاملة ويجب ان تكون بحجم الدم الذي لازال يسيل فيها، ولا بديل عن العدالة الا العدالة التي تضمن النصفة للضحايا ومعاقبة مجرمي الحرب الاسرائيليين على ما ارتكبوه من جرائم. إن العدالة في قضية ريتشل كوري تستوجب عقاب من امر ونفذ جريمة قتلها، عندها فقط يمكن لريتشل كوري ان ترقد بسلام.

2012-08-30