جاءت القمة العربية الأخيرة في أجواء عربية غاية في التعقيد وتشابك المصالح الفردية للبلدان العربية والتي من الطبيعي إن جاز لنا القول بأنها قمة عربية يعنى ذلك أن مصالح العرب واحدة, ولكن وبقراءة متأنية وواقعية لهذه القمة من حيث الشكل والمضمون تجد أنها وبكل أسف نقلت المواطن العربي من قمة التفائل كما أرادها البعض إلى نتيجة طبيعية ومتوقعة وهى الاحباط, وفى سياق هذا المقال المتواضع لابد من الوقوف على سبب تسميته بهذا العنوان لأننا ببساطة نشعر بان كل ما تقدم العمر الافتراضي لكيان ما يسمى بالجامعة العربية هو حقيقة الأمر ليس تقدم في شيخوختها فقط بسبب عنصر الزمن بقدر ما تقترب من طباعة شهادة وفاة هذا الكيان, وهنا لا أفترض خيالا ,فالمغرب التى اعتذرت عن استضافة هذه القمة كانت قد عقدت فيها قمم سابقة وكان لها تأثير انعكست على سياسات دولية وهنا اضرب مثالا واحدا . في القمة العربية التى عقدت في مدينة فاس بالمغرب عام 1969 اتخذت قرارا بوحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني الأمر الذى دفع بالجمعية العامة للأمم المتحدة اتخاذ القرار 3237 والقاضي باشراك منظمة التحرير الفلسطينية في المداولات كممثل شرعي للشعب الفلسطيني مركز مراقب بتاريخ 22/11/1974, فأين نحن اليوم من قمة فاس المغربية؟ ثم إذا كنا نتحدث عن قمة عربية أى أن القادة العرب سيجتمعون ويقررون مصير مستقبل وحدة الأمة, فكيف ذلك وهم يتامرون على بعضهم البعض في تفاصيل لها علاقة بسيادة وشرف دولهم؟ لم يتذكروا كعرب مسلمين ومسيحيين لغة حب الأخ, لقد قال الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحي لنفسه" , وقال المسيح علية السلام : " طهروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الأخوية العديمة الرياء، فأحبوا بعضكم بعضا من قلب طاهر بشدة" (بطرس الأولى 1 : 22 ), فأين العرب الذين يكيدون المكائد لبعضهم البعض من هذا الكلام؟ كيف الادعاء بأن القمة حققت أهدافها بعد أن ذهبت بعض الدول لاتخاذ مواقف ضد سيادة بعض الدول" قضية الصحراء نموذجا "؟ أليس من الأفضل لبعض الدول أن تبقى على الحياد إن لم تستطع فعل أى جهد تقاربي لحل هذه الأزمة؟ كيف حققت أهدافها وفلسطين التى ما زالت تئن تحت أخطر هجمة استيطانية في ظل وجود طغمة عنصرية تحكم في اسرائيل باعتراف قيادات سياسية وعسكرية اسرائيلية تمارس قتل البشر والشجر والحجر؟ أليس من المنطقي الدفع باتجاه حل مشكلة الانقسام الفلسطيني الذى أضعف مكانة القضية الفلسطينية برمتها, والذى تلعب فيه دولا عربية دورا خطيرا لكل ما هو وطني وأخلاقي؟
أليس من المنطقي أن تقر القمة آليات تنفيذية وبأدوات ضاغطة على اسرائيل المبادرة العربية التى أقرتها قمة بيروت بدلا من التأكيد على المبادرة الفرنسية؟ ثم كيف حققت أهدافها وسوريا الشام ما زالت تنزف بفعل التشابك الإقليمي الدولي ودعم دول عربية لبعض فصائل دموية تمارس القتل بتلذذ وتصرف المليارات فقط لتمرير مشاريع استعمارية في الوقت الذى يوجد الملايين من الشعوب العربية لا يتعدى دخل الفرد اليومي دولارين؟ وليبيا التي تقف على حافة الانهيار بالمعنى الحقيقي للدول والتي باتت لا ملامح لها بفضل بعض ممولين امراء الحرب فيها؟ واليمن الذى كان سعيدا لم يبقى كذلك بفضل عدم ادراك مفهوم مصطلح "الدول القاطرة", " ومشروع مارشال"؟ والعراق الذى يتم العمل على تقسيمه طائفيا على حساب الدولة الوطنية بإشراف دولا اقليمية وبرعاية أمريكية, ولبنان الذى لا رئيس له بسبب حالة الحرب الباردة الطائفية المدعومة اقليميا, إن التمثيل الذى حظيت به القمة كان دليلا على عدم رضى البعض من قادة الدول العربية إلى ما آلت إليه هذه الظروف التى سقناها في تساؤلات المقال , وعليه فإذا كانت هذه القمة بكل مخرجاتها قد حققت نجاح فأعتقد أن القمة القادمة بنفس الدينامية سوف تُقِر شهادة وفاة حقيقية لكيان ما يسمى بالجامعة العربية.