على الرغم من كل الملاحظات المقدمة على قانون إنتخاب تجريبي ، تمت صياغته على خلفية قواعد برلمانية وقانونية وحزبية غير ثابتة وغير مستقرة ، مما يُربك الطامحين للترشح ، مثلما يُربك الناخبين ، وعلى الرغم من تشتت وضعف القوى الاجتماعية المنظمة ، نظراً لأن المدن ذات الكثافة السكانية ليست حاضنة لأثقال إجتماعية مستقرة ، فإتجاهاتها سرعان ما تتغير مع رياح تهب عند كل منعطف سياسي ، فلا هي حاضنة لعشائر ، ولا هي حاضنة لأحزاب فاعلة ، وحراكاتها غير ثابتة تميل حيث عوامل مؤثرة كحدث سياسي صارخ ، أو تمويل مالي فاقع ، أو رغبة دفينة تنفجر ، وهكذا لا نجد المدن بأحيائها صاحبة تقاليد في الانحيازات الانتخابية أو صانعة لقيادات بارزة مؤهلة ، ورجال الاعمال هم الاكثر قدرة على التأثير في العملية الانتخابية ، وهم الذين يجنوا ثمارها ، وهم ناشطون لأنهم أصحاب المصلحة في أن يكونوا في مؤسسة تخدم مصالحهم وتحميها ، ويمكن أن تكون مناكفة للدوائر الحكومية ومزعجة لهم ، إذا تعارضت مصالح بعضهم مع سياسات حكومية ، وهم مؤثرون نظراً لما يتوفر لديهم فرص عمل للباحثين عنه في مشاريعهم ، ويمتلكون قدرات مالية لمن يسعى لجنيها ، وهكذا يغلب على المترشحين مظاهر رجال الاعمال ونفوذهم وإمكانياتهم .
أجواء الانتخابات بدأت تسخن لعدة أسباب :
أولاً : مع إقتراب موعد الترشيح ، وإظهار حملات المرشحين الاعلامية والدعوية والتكريمية ، مع نشاطات إنتخابية بائنة .
ثانياً : قرار الحكومة بتقديم دعم مالي لأنشطة الاحزاب الانتخابية .
ثالثاً : إعلان الجناح الاقوى لحركة الإخوان المسلمين الذي يقوده الثنائي همام سعيد وزكي بني إرشيد ، خوض الانتخابات ، وهو إعلان غير مشروط ، ولا يحمل صفة الصفقة التقليدية المتبعة بين الإخوان المسلمين والسلطات التنفيذية ، كما كان يحصل بينهما تاريخياً ، حينما كانوا في خندق سياسي واحد ، في مواجهة قوى اليسار والقومية داخلياً وخارجياً ، طوال سنوات الحرب الباردة ، وطوال سنوات الاحكام العرفية ، حيث كان الإخوان المسلمون وحدهم دون غيرهم يتمتعون بالعلنية والنشاط طوال خمسين عاماً ، وكانت مؤسسات ووزارات الاوقاف والتعليم والتعليم العالي والجامعات حاضنة لهم ورافداً لمؤسستهم الحزبية الاخوانية ، قبل أن يقع الفراق والخلاف بينهما ، بين مؤسسات الدولة من طرف ، وحركة الإخوان المسلمين من طرف .
أقدم الإخوان المسلمون على قرار المشاركة ، بعد أن أحنوا رؤوسهم لعاصفة أخلت بنتائج الربيع العربي بعد أن إستفادوا منه ، وإنعكاسات هذه النتائج السلبية على المشهد السياسي الاردني برمته ، فأقدموا على قرار المشاركة في الإنتخابات رغم تحفظهم على القانون ، وبعد أن بدلوا إجرائياً وشكلياً قيادتهم التنفيذية المتنفذة الممثلة بالثنائي همام سعيد وزكي بني إرشيد ، حيث تم إستبدالهما بقيادة تنفيذية مرحلية مؤقتة ممثلة بالسيد عبد الحميد الذنيبات وصحبه ، وذلك بهدف توصيل رسالة لأصحاب القرار أن لديهم الاستعداد للتبديل والتغيير والتكيف مع المستجدات ، وقد أقدموا على هاتين الخطوتين : 1- المشاركة في الإنتخابات و2 – تبديل القيادة بعد أن فشلوا في كسر حالة القطيعة والجمود بينهم وبين مؤسسات الدولة ، وبعد محاولاتهم المتكررة لفتح حوار مع أصحاب القرار ، عبر فيصل الفايز رئيس مجلس الاعيان ، وعبر عاطف الطراونة رئيس مجلس النواب ، ولكنهم لم يجدوا التجاوب والترحاب ، وبقي حائط الصد مغلقاً ، وفشلوا في إيجاد ثغرة للتسلل منها إلى مواقع صنع القرار ومصادره .
يملك الإخوان المسلمون أوراقاً قوية ، مازالت بين أيديهم ، ولها تأثير على قواعدهم الانتخابية لتحفيزهم ، وعلى المحيط الصديق لهم كي يدفعوه نحو خوض معركتهم وهي كما يلي :
أولاً : حضور حزبي منظم نشيط وكامن وهو السلاح الاقوى بيد حزب وتنظيم له باع طويل في العمل الجماهيري والدعاوي والانتخابي .
ثانياً : قدرة مالية لتغطية إحتياجاتهم ومعركتهم الانتخابية .
ثالثاً : مظاهر من التحدي تشكل حوافز لهم في مسعى لرد الاعتبار لأنفسهم بعد حالتي الانقسام التي عانوا منها ولازالوا ، فيرغبون لتثبيت شرعيتهم السياسية رداً على كل محاولات التشكيك والطعن بشرعيتهم القانونية .
رابعاً : أنهم جزء وإمتداد لأكبر وأقوى حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي تختلف مع أحزاب ولاية الفقيه وتصطدم مع تنظيمي القاعدة وداعش ولا تنسجم وسياسات حزب التحرير الإسلامي .
[email protected]