الشّاعر ابن بيئته و لحظته التاريخية منصهر في واقعها ، منغمس في حيثياتها ،هوامشها
، مشغول بتفاصيلها اليومية،يحترف النظر الى قروحها ، الشّاعر حين ينبش حاويات القمامة لا يبحث فيها عن "عظمةأخرى لكلب القبيلة " بل يشتهي فضيحته الكبرى " لا وجود لحداثة في الادب ،طالما الفضيحة لم تُكتشف بعد ،فالكتابة التي لاتجرؤ على امتـــلاك مشـروع فضيحتها المعاصرة ، يجب أن لايعول عليها ولو بتلمـــيحٍ عابر ،أمّا الكاتب المُتخفي عن مستقبله فهو غير فضّاحٍ بالمرة " على حدّ قول شاعرنا محمود عوّاد، و برغم هذا الانغماس
و الانصهار الشّاعر خلّاق او لا يكون ، لو يممّنا وجوهنا شطر نصّه لادركنا قدرته العجيبة على الخلق ،لان مهمّة الشّاعر هي اعادة تشكيل الواقع جماليا و من فشل في هذا لا يحقّ لنا ان نقول عنه شاعر ، الجمالية هنا قد تكون في قحبها ،في جنائزيتها، في فضحيتها المدوية و عوراتها المربكة.
الشاعر العراقي محمود عوّاد شاعر فضّاح قد يكون تاثّره بالواقع العراقي تاثّرا جليّا في طيّات النصوص الشعرية الصادرة بديوانه "أكزيما" :فضيحته المدوية ، غسيله المنشور ، امراضه المعلنة لم تسقط اسقاطا على الشعر فقد نجح في تحويل كل تلك الادران ،الاوجاع ، القروح الى مشاهد شعرية مدشهة برغم جنائزية المعاجم المعتمدة وسوداوية الصور الملتقطة بكاميرا الشاعر:
الجنائزُ جيوب المدن
المدينة التي
ليست بحوزتها على الأقل عشر سفرات للمقبرةِ في اليوم ، لاتمتلك جيباً ،
هذه اﻷيام أصبحت جيوبُ المدنِ كثيرةً ، ومتنوعةً
جيبٌ عن الكاتم ،وعن القناص ،وعن الذبح ،وعن الفيروسات، وأخرى عن التهجير ، وفي الآونة الأخيرة أضافوا جيباً للقنابل الحرارية ربما يقول البعضُ ثمّة
استخافٌ واستهانةٌ،بالجيوب الصغيرة حين تضعونها تحت التراب أبداً ، أبداً ، نسلمهم إلى أخيهم الأكبر
ديوان "أكزيما" بقروحه و جراحه المفتوحة ، رحلة وجع لم تغب فيها المشهديّة المبتكرة
و الواعية في آن فالشاعر لا ينقل مآسي واقعه المحموم و المحكوم بالتناقض الصارخ بل يفكك البنى السببية ممجدّا الخراب ،محتفيّا بالموت لان الخلاص في تحدّيه الم يقل قبله مظفّر النواب " هذه الامة تحتاج دروسا في التخريب " ، هذا الخراب المشتهى لم يكن دعوة فوضوية عدمية بل هو سبيل خلاص هذا ما يؤكده محمود عوّاد في احدى تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي : "فن الموت،وأدب الخراب ، هو خلاصنا أُكرر"