لم أنس في مثل هذا اليوم , قبل خمسة عشر عاما حين أخرجت رأسي من نافذة شرفة بيتي في عمان على صوت صديق لي كان يناديني وهو يقف مبتهجا في منتصف الشارع ليقول : (( العراق ضرب وسط أمريكا . . افتح التلفزيون لترى )) . تمنيت لو ان ذلك كان صحيحا وان لدى العراق القدرة ولو نسبيا على ذلك , وأنا على يقين تام في قرارة نفسي ان هذا الخبر لاصحة له وان النار والدخان والغبار والأنهيار الذي أراه على شاشة التلفزيون في برج التجارة العالمي سيصل قريبا جدا الى بلداننا .
ولابد أن نسأل : من المسؤول عن ذلك ؟ . ومن وراء هذا الحدث الذي أصبح ذريعة ووسيلة لقلب موازين الشرق الأوسط ومناطق عدة من العالم ؟ .
من متابعة الأحداث التي جرت على الشرق الأوسط والعالم خلال هذه ال (( 15 عاما )) ربما نتمكن من التشخيص والوصول الى قناعة مختلفة عن خلفيات هذا الحدث والدوافع التي أدت اليه وبالتالي توفير الأجابة على أنفسنا .
فبعد أحداث هذا اليوم تحركت (( منظومة سياسية ودولية واسعة الشأن وواسعة التأثير والنفوذ )) , لها أساطيل من الجيوش والخبراء العسكريين والعلماء والسياسيين والأستخبارات ومراكز البحوث والعملاء والجواسيس والحكام التابعين في كل العالم . وكانت نتيجة تحرك هذه المنظومة التي تتزعمها وتديرها الولايات المتحدة الأمريكية اسقاط حكومات – تمزيق دول – تعميق التناحرات والأنشقاقات في المنطقة – قلب موازين وقيم وممارسات وايدلوجيات وأفكار وأخلاقيات في بلدان كثيرة وبالأخص في الشرق الأوسط والدول العربية (( المحاذية )) لأسرائيل وتفتيت مقدراتها وذبح أية مناهضة للمشروع الصهيوني ومشروع (( شرق أوسط جديد )) , والأستيلاء بشكل مباشر أو غير مباشر وتبديد مقدرات شعوب المنطقة .
وبالعودة الى سؤالنا : من وراء هذا الحدث الذي كان ذريعة ووسيلة لقلب موازين الشرق الأوسط ومناطق عدة من العالم ؟ . فأني أجد الأجابة بأن (( تنظيم القاعدة )) هو المنفذ والمخطط وهو المسؤول الأول والأخير عن هذا الحدث تبدو اجابة ساذجة بسذاجة ادعاء صديقي وهو يناديني من منتصف ذلك الشارع , اذا ماعدنا الى الوراء قليلا فكلنا يعرف ان القاعدة هي صناعة أمريكية بحتة تمت لأغراض أمريكية مائة بالمائة على أثر اجتياح الأتحاد السوفيتي لأفغانستان , وقد انقلبت عليها ظاهريا بعد أن وفرت لها الحجة والوسيلة لأحضار الجيوش الأمريكية والتواجد في المنطقة بشكل مباشر بحجة محاربة القاعدة والأرهاب , كما انقلبت على بعض الأنظمة العربية التي جاءت بها ومنها نظام الحكم في العراق وصدام الذي وفر لهم الحجة والوسيلة لدخول الخليج واجتياح العراق .
من خلال مراجعة الأحداث التي حصلت خلال 15 عاما نلاحظ مدى الأمكانيات والقدرات التي تمتلكها هذه المنظومة الأمريكية التي تحركت فورا بعد أحداث 11 سبتمبر وفعلت مافعلت بالمنطقة سواء بجيوشها المباشرة أو بأيديها الخفية وجيوشها التابعة التي تلبس من حين لآخر وجوه وأقنعة متعددة ومختلفة . وعليه فأن دولة ومنظومة دولية بهذا القدر من الأمكانيات قد يكون من الساذج والمضحك أن نقول ان القاعدة قد اخترقتها وقامت بتدمير برج التجارة العالمي في قلب أمريكا وبالطريقة التي رأيناها والتي تحتاج الى أذرع متعددة وهيمنة وحرية حركة في مراكز كثيرة داخل السلطة الأمريكية – مطارات – طائرات – وسبل الوصول الى توفيرها .
كلنا يعرف ان هنالك طرف مستفيد مما حصل من أحداث على المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر , وهذا الطرف قد استفاد وحقق مصالح كثيرة مماجرى علينا وعلى بلداننا بذريعة تفجير هذا البرج كأحدى الذرائع الأساسية التي تبنتها أمريكا بمنظومتها وتوابعها ليس مصادفة وانما عن تخطيط سابق بكثير وممنهج لتمزيق المنطقة العربية وكل مراكز القوة التي تراها مناهضة لمخططاتها التابعة للمخطط الصهيوني بتثبيت أركان ودعائم دولة اسرائيل وتحقيق (( شرق أوسط جديد )) يقاد بطرف الحبل كما تقاد النعجة . هذا الطرف المستفيد هو نفسه الذي يقود هذه المنظومة الهائلة ، وهو نفسه الذي مزق برج التجارة الجميل لكي يوفر لنفسه الذريعة ليمزق بلداننا الجميلة .
كريم عبدالله هاشم