مع خفوت الضوء الذي كنا نلمحه ونراهن عليه من حين لآخر، نتساءل؛ متى ستستيقظ القيادات السياسية والنخب الحاكمة وولاة أمورنا والتي بيدها مقاليد كل شيء من أجل الإمساك بمقود ودفة القيادة بشكل مسئول وحقيقي؟ هل تنتظر أن يشكل الشعب قيادات جديدة من رحم المعاناة لتعلن لفظها لجميع من يمثل هذا الشعب؟ استغرقت هذه القيادات سنوات طوال والشعب المهيض الجناح ينتظر بارقة أمل حقيقية.. وفي الأخير، فان اليمنين أصبحا يمن واحد، وان اتفاق الطائف أنهى الانقسام اللبناني والحرب الأهلية، و"الوفاق المدني" أنهى الحرب الأهلية في الجزائر، وألمانيا الشرقية اتحدت مع ألمانيا الغربية بعد أن اسقط الشعب جدار برلين، وعليه؛ فان المصالحة الفلسطينية قادمة، والحزبية الضيقة ستتلاشى، والسياسات المكارثية الحزبية المقيتة ستموت كما مات صاحبها "جوزيف"، مهما طال الزمان وتمدد، و مهما هدرت تلك القيادات من عُمر هذا الشعب, وتذكروا بان نيرون قد مات، ولم تمت روما..
أعتقد بأن الأحزاب، وإن كان تعريف الحزب كلاسيكياً -تجمع أو تكتل هدفه الوصول للسلطة والبقاء فيها- إلا أن الأحزاب وسيلة "غير مقدسة" لتحقيق أهداف المجتمع وحاجاته.
وفي المجتمعات الراقية المتحضرة الفاعلة، لا يضير الإنسان أن يكون في حزب العمال وبعد فترة يذهب لحزب المحافظين "البريطاني"، أو يمثل خرقاً للمبادئ بأن يكون في الحزب الديمقراطي ويعمل ويتعاون مع الحزب الجمهوري "الأمريكي". أو كما في (إسرائيل)، حيث يتم اختراع حزب (كاديما) جديد، ليضم أحزاب تقليدية كبرى.
إن الانتماء لحزب ومساعدة أحزاب أخرى لتحقيق غايات سامية ليس كُفراً أو عيباً أو منقصة أو ذميمة، بل هدف نبيل يجب الوصول إليه، وليس كما دخول أحزابنا "العصماء" في خصومة تصل لحد العداء الأعمى، كما هو واقع بفلسطين بكل أسف.
في الحالة الفلسطينية، تتفوق السيرة النضالية للشعب على ممثليه بمسافات شاسعة، وبفعل الارتباط المصلحي بين القيادات الرسمية وبين المنظومة الخارجية القائمة على توفير سبل البقاء للأولى، فان تنازل كبير قد شهدته الحالة الفلسطينية لصالح الفصائل، وأصبح لكل فصيل أبناء يتسمون بـــــ "الموالاة العمياء" ينتمون له ويذودون عن حياضه في سبيل المنح والمميزات والرواتب، وغابت البرامج الطموحة المعنية بتحقيق أهداف هذا الشعب وتطويره وتثقيفه، والذي تتراكم وتتفاقم أزماته المتعددة مع استمرار سنوات الانقسام، وحيث يبدو بالكاد أن أحد يمثله من الناحية الخدماتية وتوفير مستوى مقبول من حد الكفاف والكرامة وحرية التنقل بين مدن الوطن من ناحية، ومن ناحية أخرى عبر الوطن والعالم الخارجي، مع تسجيلنا خطورة غياب تأثير الرأي العام الفلسطيني على صانع القرار والذي يعزى بسبب الانقسام أيضا.
جميع التجارب التاريخية في حياة الدول وخاصة الإسلامية تؤكد أن من أسباب سقوط تلك الدول هو "ترك الجهاد" وتقوقعهم في مشاكل الدولة الداخلية والصراع على السلطة، إضافة إلى استعانة بعض الممالك الإسلامية بدول العدو لكي تهزم تلك الممالك الإسلامية ممالك إسلامية أخرى!، فغزا العدو تلك الدول في عقر دارها، وسلبها السلطة والسيادة والأرض والتاريخ، وسقطوا في خطيئة ضياع الأمم، وسجلت كُتب التاريخ أسماء هؤلاء المفرطين في قوائم العار.
والفلسطيني مطلوب منه في هذا الوقت أن يبدي أي شكل من أشكال "الجهاد" الذي يمكن أن يتمثل في توحيد الصف، وتوحيد القيادات ضمن مفهوم وحدانية التمثيل بناء على أسس المشاركة السياسية ونبذ الإقصاء، والوقوف صفا واحدا أمام مخططات الدولة الصهيونية، بدءاً بتوحيد حركة فتح وعدم السماح بإضعافها وتفتيتها، وانتهاءً بدمج حماس ضمن مفهوم وحدانية التمثيل السياسي والخدماتي، حيث الجميع في خندق واحد، وأمام خطر واحد. وحيث هذا المدخل هو الأسرع والأضمن والأوحد لاستعادة القضية الفلسطينية صدارة الأولويات، و دون ذلك خرط القتاد.
أستاذ جامعي
كاتب ومحلل سياسي
فلسطين- غزة