السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ولتكن وحدتُنا باقةَ وردٍ...د. حاتم عيد خوري

فقدَ المجتمعُ العربي في حيفا، قبل نحو شهر، عَلما من أعلامه الاجتماعية هو المرحوم الاستاذ حسين مصطفى إغبارية(ابو فراس). لن أعيد الان واكرّر ما قد قيل وكُتب، وربما  سيُقال ويُكتب حاضرا ومستقبلا، عن فقيدنا هذا الذي "حملَ همَّ مجتمعِه...فاسّسَ مع رفاقه جمعيةَ التطوير الاجتماعي لعرب حيفا وتولّى مهامَ إدارتها...وقام من خلالها بمشاريع التمكين المجتمعي، ومسْحِ إحتياجات التعليم في المجتمع العربي الحيفاوي، وتعزيزِ مكانة المعلم، ومحاربةِ ظاهرة العنف، ووضْعِ مؤلفاتٍ عديدة لتوثيق رواية التاريخ العربي الحيفاوي.....الخ". لكنّي ساتوقف عند تجربةٍ شخصيةٍ اخيرةٍ  كانت لي معه.

كان ذلك قبل ثلاث سنوات ونيّف، عندما بادرتُ قبيل الانتخابات الاخيرة لبلدية حيفا، فسعيتُ الى توحيد القوتين السياسيتين العربيتين المُمثلَتين في المجلس البلدي، اي "الجبهة" و"التجمّع"، في قائمة انتخابية واحدة. لقد مهدتُ لهذا المسعى بمقالٍ مستفيضٍ نُشر في جريدة حيفا بتاريخ 28 حزيران 2013، بعنوان " هل نحن شركاء في بلدية حيفا؟" اختتمتُه بقولي: "إنني لا أسعى الى صهر الحزبين في بوتقة واحدة وطمسِ خصوصية كل منهما. إن جلّ ما اسعى اليه الان، أي عشية الانتخابات للبلدية، هو خلق آليّةٍ ولو لمرة واحدة، تشكّلُ رافعة ً نحقّق لمجتمعنا العربي بواسطتها ومن خلالها، إنجازاتٍ كان قد سعى لتحقيقها، على امتداد عشرات السنين، كلٌّ من الحزبين على انفراد، لكنَّها لم تتحقق، وما زلنا نلهثُ وراءها".

لقد كان أبو فراس اولَ المتفاعلين المتجاوبين مع مبادرتي تلك، فسارع الى مهاتفتي واضعا نفسه وجمعيةَ التطوير الاجتماعي في خدمة هذه القضية الحيوية. تكاتفت  جهودُنا، حسين وانا، وعملنا سوية وبالتعاون مع القوى الشعبية الفاعلة في الوسط العربي الحيفاوي وفي مقدمتِها مجلسُ لجان الاحياء، بتجرّدٍ واخلاصٍ، على إقناع الجبهة والتجمع باهمية وحدة الصفِّ بينهما في انتخابات البلدية، وعلى دفعهما باتجاه التقدم للانتخابات بقائمة عربية واحدة.

لقد استمرت جهودُنا الحثيثة النزيهة المجردة عن أي مصلحةٍ ذاتية، بضعة اسابيع متواصلة، حيث قطعنا شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، بلغ قمّتَهُ في الليلة التي سبقت تقديم القوائم الى لجنة الانتخابات المحلية، بِ 48 ساعة. تمّ التلاقي في بيتي باشتراك وفدٍ من التجمع وآخَر من الجبهة برئاسة سكرتير كل منهما وبدعمٍ وتفويضٍ – كما قيل لي – من القيادة القطرية لكل من الحزبين. بعد مناقشة بعض النقاط التي كانت ما زالت عالقة، تمَّ الاتفاقُ بين الطرفين على كافة الامور، منها: اسم القائمة المشتركة، رمزها، ترتيب اعضائها بالاسماء، نيابة رئيس البلدية، مبدأ العضوية في اللجان والشركات البلدية وتوزيع المستحقات المالية  الخ......تصافح الطرفان وشربنا نخبَ الاتفاق عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل. سارعتُ مع انبلاج صباح اليوم التالي، لازفّ البشرى الى حسين، فتبادلنا التهاني، معتبرين ان قيادتنا السياسية المحلية قد حققت لنا إنجازا تاريخيا يجعلنا نراهن على الفوز بخمسة مقاعد فما فوق، في المجلس البلدي الحيفاوي، مع كل ما يترتب على ذلك من مكاسب تاريخية للمواطن العربي في حيفا.

لكن هذا الاتفاق لم يلبث أن تبيّنَ انه ليس اكثر من جليدٍ تكوّنَ ليلا ليذوب ظهرا، او إنه مجرد "حديث ليلٍ يمحوه النهارُ" ليبقى العربُ في حيفا "عَرَبان" او "عُرْبان"، ولنخسر كمواطنين عرب في مدينة مختلطة (لفترة ولاية كاملة على الاقل) المكاسبَ المؤكدة التي كنّا قد  راهنّا عليها.

لا اريد في هذا السياق ان ادخل في التفاصيل ولا أن احمّلَ طرفا معينا مسؤولية ما حدث، فالبكاء على الاطلال لا يُجدي نفعا، عِلما بان ما حدث كاد  يزعزع  ثقتَنا (حسين وانا) بالقيادات السياسية في مجتمعنا العربي ويخفض سقفَ توقعاتِنا منها. لكن ما أريدُه الان واتمناه فعلا، هو ان تكون وحدةُ صف تلك القيادات المحلية في الانتخابات القادمة لبلدية حيفا ولكافة المدن المختلطة الاخرى، باقةَ وردٍ نضعُها على ضريح فقيدنا  المرحوم حسين إغبارية. رحمَهُ اللهُ رحمة واسعة.

[email protected]

30/9/2016

 

2016-09-30