الإثنين 3/4/1446 هـ الموافق 07/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
وداعا يا أخي...مجد مالك خضر

 كنتُ في الخامسة عشر من عمريّ عندما تحملتُ مسؤوليتيّ، ومسؤولية أخي الذي يصغرني بخمس سنوات، فقد رحل والديّ في حادث سيارةٍ، وبقيتُ وحيدًا مع أخي بعد تخلي الأقارب عنا بحُجةِ مشاغل الحياة، وأُرغمتُ على تركِ المدرسة، والتي قررَ أخي تركها أيضاً، ولكني رفضتُ بشدة، وطلبتُ منهُ متابعة تعليمه حتى نجح في دراستهِ وتخرج من الجامعة مهندساً معمارياً... والآن أجلسُ بجانب سرير أخي في المستشفى... وهو فاقدٌ للوعي بين الحياة والموت.

أصبحتُ أعملُ ميكانيكيًا في محلٍ لتصليح السيارات، وكنتُ أعملُ من السابعة صباحًا حتى السادسة مساءً لأوفر نفقات المنزل كافة، وأقدم مصروفًا يوميًا لأخي الذي كنتُ أرى تفوقه الدراسي، وأخبرني بأنه يتمنى دراسة الهندسة في الجامعة، فصرتُ أدخرُ من راتبيّ لجمعِ تكاليف دراسته الجامعيّة... وما زال تنفسُ أخي بطيئًا جدًا، وهو مستلقٍ غير مدركٍ للأشياء من حوله.

تمكن أخي من الالتحاق بالجامعة، ولكنه لم يعد ذلك الأخ الصغير الذي كنتُ أعرفه، فكان يغضبُ عندما يشاهدني أنتظرهُ على باب الجامعة، ويتجنبُ تعريف أصدقائه بي، ويتجاهلني كثيرًا، ولا يتحدثُ معي إلا نادرًا أو عندما يطلبُ المال، وقبل حفل تخرجه من الجامعة أخبرتُهُ بأنْي لن أتمكنَ من المشاركة في الحفلِ صباحًا، بل سوف آتي من العمل مباشرةً، فغضبَ غضبًا شديدًا ورفض ذلك، وقال: لا تيجي على الحفلة، ما بدي حدا يشوفك بملابسك السودا، أو يعرفوا إنه أخوي ميكانيكي! ... الدموع تتساقطُ من عيونيّ الآن، كما تساقطتْ في ذلك اليوم... ونبضاتُ قلب أخي غير مستقرة.

حصلَ أخي على عملٍ مناسبٍ، وأصبح مهندسًا مشرفًا على الإنشاءات المعماريّة، وفي يومٍ من الأيام سمع جميعُ العاملين في موقع العمل صوتًا قويًا اهتزَ له المكان، وكان أحدُ الأعمدة الحديديّة قد سقط على أخي مباشرةً، مما أدى إلى فقدانِهِ للوعي كليًا، وركضتُ نحو المستشفى بعد معرفتي بما حدث له... حاول الأطباء علاجه، ولكنه ظلّ لا يستجيبُ للعلاج... فجأةً سمعتُ صوت الأجهزةِ الموجودة في الغرفة والمتصلة بجسمِ أخي قد أطلقتْ أصواتًا مرتفعة، صرختُ طالبًا من الطبيب المساعدة، وحاولتُ تحريكه وطلبتُ منه الاستيقاظ، ولكن لا فائدة توقف قلبه للأبد، دموعيّ لا تستطيعُ أن تصفَ مدى حُزني... وداعاً يا أخي.

 

مجد مالك خضر

2016-10-06