يمثل الشباب قوة كبيرة في الوطن الفلسطيني وذلك لارتفاع نسبتهم بين الجماهير، وان لهم تأثير على الحياة السياسية، ويعود ظهور أول تعبير للحركة الشبابية في الساحة الفلسطينية بعد "التطهير العرقي عام 1948" والمتمثل برابطة الطلبة الفلسطينين أو في الاتحاد العام للطلبة الذي تشكل في الخمسينيات، وسرعان ما انتشر في الدول الحاضنة لشعبنا الفلسطيني، ولهذا كان أول شعار حُمل في تلك الفترة "فلسطين اولاً، ولا يعني ذلك عدم وجود حركات سياسية أخرى متمثلة بحركة القوميين العرب، إلا أن طابع التنظيم والتمأسس عُبر عنه من خلال الحركة الطلابية والتي برزت وتأسست في خضم خطاب ومد قومي أثر على بنيتها وعملها، إلا أننا نستطيع القول أنها بدأت بالتشكل مع بداية تأسيس الكليات والمعاهد والجامعات الفلسطينية، وأول كلية كانت كلية بيرزيت عام 1972، وبعدها جامعة بيت لحم عام 1973، وبعدها كلية النجاح الوطنية عام 1977، وبعدها دشنت غزة والخليل والقدس وجنين جامعاتها ومعاهدها العلمية.
من المتسالم عليه ان فئة الشباب الفلسطيني، هي العصب الحساس لحركة وديناميكية المجتمع الفلسطيني، لأنهم يعيشون اطول فترة من متوسطي العمر والمسنين ولذلك يكون تأثيرهم في وطنهم أكثر من غيرهم، وكذلك بسبب تأثرهم بالأفكار والممارسات الوافدة ويتقمصونها ويستغلونها في ذاتيتهم اسرع من بقية الفئات وهم الاكثر تكيفاً للظروف المستجدة التي يشهدها المجتمع من عناصره الاخرى.
ولأهمية دور الشباب في كل مجتمع، وكونهم الثروة البشرية الإستراتيجية لكل شعب، يرى الباحثين الإجتماعيين إن الاهتمام بتنمية الشباب هو أهم المسؤوليات اليوم لضمان مستقبل زاهر.
ليحاول كل شخص وفي مجاله وبمقدار طاقاته في تحديد دوره في إدارة المؤسسات وملء الفراغات الكبيرة الموجودة فعلاً في المؤسسات، ولكن نرى أن هناك صراعاً بين الجيل السابق وجيل الشباب في مجال إدارة الوزارات والهيئات والسفارات والمؤسسات والدوائر الحكومية والغير حكومية، وهذا بالتأكيد لا يصب في تقدم هذه ضمن الرؤية المستقبلية الموضوعة للعمل.
لقد تكلمنا في مقالاتنا السابقة عن إدارة المؤسسات والصراع بين جيلين، وكان الهدف من الموضوع أن الجيل السابق يترك المجال للجيل الجديد وقد طرحنا آراء جديدة وأسباب بأن الجيل السابق عليه أن يتغير ويغير من أساليبه وأفكاره أو ان يسلم الراية لجيل الشباب، ابتداء من مؤسسات الدول مرورا بالمؤسسات الاهلية والمدنية، فالجيل السابق ليس نفس الجيل الحالي، ولا أبناء اليوم نماذج مكررة لأبناء الأمس، كما أن ثقافة الغد ليست تكراراً لثقافة اليوم، قد تتفق معها الأجيال الأخرى وقد تختلف.
لابد من خلق نوع من التوازن بين تطوير الشباب والاستعانة بأهل الخبرة، لأن كليهما مطلوب للإدارة ولتطوير ونمو الأداء وإنجاز المهام وتحقيق الهدف المنشود، فجيل يتبعه جيل وجيل يسلم الأمانة للجيل الذي يأتي بعده ويليه، وأجيال تذهب وتبقى في الذكريات وأجيال تأتى ومعها الأحلام والأمنيات، ويبقى بين هذه الأجيال خيوط وتواصل وارتباطات شئنا أم أبينا، وهناك بين الأجيال أمور ثلاث تسيطر أو سيطرت على العلاقة التاريخية بين جيلين مختلفين وتتفرع عنها أيضا الكثير من الأمور لكن نسلط الضوء على هذه الامور الاساسية الثلاث، الأول: الاحترام المتبادل والحوار، ثانيا: قمع الجيل القديم للجيل الجديد، ثالثا: تجاهل كل منهما للآخر.
وإذ نحن نتكلم وهمنا إدارة المؤسسات عموما سنحاول أن نغوص في أعماق هذه العلاقة الضرورية بين الأجيال الإدارية والعلاقة الجدلية بين جيل الخبرة وجيل الشباب الذي يتبنى الانفتاح، ولاشك كما أسلفنا سابقاً أن هناك أمورا تجمع الطرفين وأموراً هي محل خلاف كبير.
أولا: تجاهل كل منهما للآخر، هي أحد أسباب العلاقة السلبية بين الجيل السابق والجيل الحالي عند الكلام والدخول في النقاش عن إدارة الوزارات أو الهيئات أو الدوائر والسفارات والمؤسسات، وهذا النوع حقيقةً فيه من السلبية الكثير، فالجيل السابق الذي حقق الانجازات الوطنية في أوانه، لا يعجبه ما يحصل في الجيل الحالي من تدهور في المستوى والتخبط والنزاع والشقاق وغيره، وفي المقابل يهاجم الشباب وهم أصحاب ورواد الجيل الحالي أصحاب الجيل السابق ويقولون لهم أنكم تعيشون على الأطلال والذكريات، فالظروف اختلفت وغيرها من الاحتياجات لو تتوفر لنا الآن لحققنا أكثر ما حققه الجيل السابق، وهذا موجود وكل منهما يتجاهل الآخر ويهاجمه.
ثانيا: قمع الجيل القديم للجيل الحالي، وهذا أيضا نلمسه من خلال عدم إعطاؤه فرصة في النقاش والتعبير وحرية الرأي والحوار، والتعامل معه بفوقية بحجة القول لهم بأنكم ما زلتم صغار، ولا يحق لكم الكلام في الأمور التي تتعلق في مصير هذه الوزرات والمؤسسات والسفارات والقضاء والمحاكم والدوائر الحكومية والغير حكومية، بداعي عدم الخبرة وغيره من الجدل العقيم، لذلك تجد الكثير من أصحاب الجيل القديم يستهزأ بالجيل الجديد، وهذا مؤشر خطير في نسيج العلاقات، لأنه يسبب حقداً وكراهية للمدراء والمسؤولين الكبار وقد تصل للمؤسسة بكاملها، حتى وإن كان الماضي مميزا وجميلا وكان فيه من الانجازات الكثير، وكم شاهدنا ونشاهد نقاشات حصل فيها من المشادات الكثير بين الجيلين.
ثالثا: الاحترام المتبادل والحوار، علاقة الاحترام المتبادل بين الطرفين والحوار البنّاء، هدفه الحقيقي تقريب وجهات النظر بين جيلين مختلفين، وإيجاد قاسم مشترك، فتجد أصحاب الجيل السابق الذين عاصروا إنجازات كبيرة للوزارات والمؤسسات يبينون الأسباب التي ساعدت أو أدت إلى وصولهم إلى ما وصلوا إليه من إنجازات مازالت في ذاكرة الجميع، ويتمنون من أصحاب الجيل الحالي دراسة هذه المرحلة والاستفادة منها، وفي نفس الوقت يتعاملون مع المرحلة الجديدة ومع شباب المرحلة بكل ود وحب ويعتبرون أن جيل الشباب هو امتداد طبيعي للجيل السابق، وفي نفس السياق نجد الجيل الحالي يفتخر في ما حققه أصحاب الجيل السابق ويتغنون بتلك الانجازات وأن مسؤوليتهم اليوم كبيرة بعد هذا الإرث الكبير والأمانة الثقيلة التي تركها لهم الآباء المؤسسون، وعليهم أن يرسموا خطط ورؤى جديدة للمحافظة على الانجازات السابقة بل وتحقيق إنجازات أكبر.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل صراع الجيلين هو ظاهرة صحية؟ قصدت من الصراع الجدل بين جيلين والبحث عن الصواب، وأين نجد الصواب وأين نجد الخطأ، وكيف نمد الجسور بين الأجيال، وتحويل الصراع إلى حوار هادئ شفاف، ووضع جميع الملفات على الطاولة وإظهارها وحصر نقاط الخلاف ودراستها، وتحويل الخلاف بكل شفافية إلى خطط عمل من شأنها أن تجعل الأجيال تنصهر في جيل واحد، ولنطلق عليه مثلاً جيل الأمل وسنفرد له بعض المساحة لأهميته.
إن جيل الأمل هو الجيل الماضي والجيل الحالي "الشيوخ والشباب"، هو جيل من عاصر الانجازات السابقة وجيل يريد أن يرتقى ويحقق ما حققه الجيل السابق بل وأكثر من ذلك، وهذا لاشك يحتاج لتعاون بين الطرفين تعاوناً إيجابياً وتحمل الجميع للمسؤولية، وربما يتساءل البعض كيف يلتقي جيل بفكر قديم مع جيل بفكر جديد؟ وهذا ربما يحصل بأمور منها:
1- الحوار: الحوار وليس غير الحوار هو ما يقرب بين وجهات النظر، والحوار يجب أن يكون مستندا على تفهم كل جيل للآخر.
2- الإخلاص: لا يختلف اثنان على إن كل محب للوزراة أو الدائرة أو الهيئة أو السفارة أو المؤسسة ومبادئ الإدارة يريد أن تكون المجموعة التي تعمل في الإدارة تتمتع بالإخلاص والشفافية والنزاهة والخبرة وتكون بعيدة عن الشخصنة.
3- الجدية: يجب أن يكون كل شيء مطروح وبجدية وبعيدا عن الاستهزاء والسخرية وما نقصده النقد الايجابي لكل مرحلة.
4- المؤسسة قبل كل شيء: أن يكون العمل والحوار بين هذه الأجيال يقدم المؤسسة على كل شيء وعلى كل أمر، وهذا لاشك، ما يتمتع به أغلبية موظفي المؤسسات والمهتمين بها ومستقبلها.
فعلى الجيل الحاضر إن لا يتأخر في أي خدمة أو عمل يمكن أن يقوم به لأجل الأجيال القادمة، على إن لا يجري بنحو حيث تعود نفس المشاكل والمسائل لجيل المستقبل، فإن ما ينتخبه الإنسان ويختاره لحياته هو الأهم، علما إن المشاكل والآلام موجودة في جميع الخيارات، والشاهد من هذا كله أن التلاحم بين الأجيال هو الأصل والتراحم بين الأجيال هو الأصل ولاشك أن هناك من يعمل في الخفاء على شرخ هذا النسيج المهم بين الأجيال واتهام كل جيل للثاني.
إذا لابد من الاهتمام بالشباب باعتبارهم رجال الغد، وبُناة المستقبل، عبر تطوير أدائهم وتبني مواهبهم وأفكارهم والوقوف بجانبهم ومساعدتهم وإرشادهم ودعم قدراتهم، وعلى أصحاب القارا الفلسطيني تقديم الدعم الكامل لهم، وتوفير فرص العمل، وانتشالهم من البطالة والفراغ، وفتح آفاق المستقبل لهم، والتركيز على تحسين اوضاعهم الراهنة، من حيث العيش السليم، والترفيه والتعليم والتطوير ورعاية المواهب، واستثمار قدراتهم المختلفة، فهذا من شأنه زرع جذور الثقة في تربة المواهب الشبابية المتوقدة، والتأكيد على رعايتهم وتقديم كل الدعم لهم وفي جميع المجالات التي تجعل منهم في المقدمة دائما.
إن سبب هذا الاهتمام، أن الشباب هم القادة في معظم مجالات الحياة، وعلى الكبار الذين سبقوهم في العمر والتجربة، ان يضاعفوا في نفوس وقلوب الشباب الثقة بالنفس، والايثار، والتحدي، والإقدام، والصدق والمثابرة والامانة والاخلاص وكل القيم التي تضيء مساحة كبيرة للخير في حياتنا، وتكتب لنا التقدم في مضامير الحياة كافة.
لهذا أدعو من خلال هذا المنبر الإعلامي المتميز أصحاب القرار الفلسطيني، وخاصة الاخ الرئيس محمود عباس رئيس الدولة الفلسطينية، ورئيس الوزراء الدكتور رامي الحمدالله الى مضاعفة هذه الرعاية والاهتمام بالشباب، لأن الحاصل سيكون في صالح الدولة الفلسطينية العتيدة، حيث ينشأ في الشباب قادة أبرار وزعماء أخيار، ومدراء صالحون، ومسؤولين تنفيذيون مصلحون، وهذا الأمر بحاجة إلى همّة كبيرة وشاملة من قبل كافة شرائح الشعب، لتعطي أحسن النتائج، وأطيب الثمار.
كما اطالب جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية على تبني مشروع يشترك فيه جميع الشباب لإبراز ثقافة التفاؤل والأمل بين أوساطهم والتربية على الحوار واحدة من المشاريع الوطنية، حيث نمو لغة الشباب والرقي في مستوى الحوار وأسلوبه، استهداف فئة الشباب بتنمية مداركهم وغرس الثقة في نفوسهم من خلال تخصيص مشاريع خاصة بهم أمر مطلوب، ولا بد منه لأن فئة الشباب من الجنسين هم عماد المستقبل، وحماة الوطن، وهم السواعد التي سوف تبني هذا الوطن، فالاهتمام بهم من خلال المؤسسات والجهات ذات العلاقة بثقافة الحوار أو تطوير الذات أو المؤسسات المسؤولة عن التطوع وغيرها من المشاريع التي يجب أن تُفعّل حتى تستطيع تلك المؤسسات ملء أوقات الفراغ لدى الشباب بما يفيدهم وينفعهم في مستقبلهم ويسهم في بناء مداركهم وتقوية مهاراتهم.
واطالب أيضا في هذا المضمار أصحاب الشأن في المجال الشبابي للالتفات إلى الشباب وإقرار مشاريع فكرية وتنموية لهم يشكل مدخلاً حقيقياً للاستفادة من جهودهم وقدراتهم في عملية التنمية الوطنية وأيضاً مثل هذه المشاريع تنمي في شبابنا الحس بالمسؤولية وتغرس في نفوسهم روح التفاؤل والأمل والعزيمة وتبعد عنهم شبح اليأس والقنوط والإحباط.
وينبغي أن نقدم جميع أنواع الدعم المادي والمعنوي في مجال بناء فلسطين، وينبغي أن نخفف من آلام الشعب، كما علينا أن نتصدى بشرف لمسؤولية إعمار فلسطين، وهذه المسؤولية لا تقف عند حدود معينة، لأن ما تحتاجه فلسطين والشعب الفلسطيني كبير وكثير ومتعدد الجوانب، فكل مواطن فلسطيني يمكنه أن يكون (شمعة) لغيره من المواطنين في مجال حمل مسؤولية حماية فلسطين والدفاع عنها وبنائها، لاسيما في هذه المرحلة العصيبة التي يمر الوطن الفلسطيني، وهذه المسؤولية واسعة ومتعددة الأهداف والجوانب، والقليل القليل عندما يتراكم يكون مفيدا، لذلك يجب علينا جميعا كبارا وشبابا وصغارا وأن نقوم بدور مسؤولية بناء فلسطين، فإن مسؤوليتنا كبيرة وواسعة وبحاجة إلى جهود كثيرة وكثيرة، فكل كلمة لها قيمتها، وكل عمل، فإنها مثل قطرات المطر، فإذا كثرت القطرات يتولّد عنها السيل الجارف.
إن شاباً واحدا يمكنه ان يغير وطناً كاملا، الا ان هذا كله بحاجة الى همة وعزيمة ومواصلة لا تعرف اليأس والملل، لذلك أقول للشباب الفلسطيني صمموا واعزموا على ان تكونوا اصحاب همم عالية في ان تبذلوا قصارى جهدكم وقدراتكم وطاقاتكم وما لديكم من امكانات في بث روح الامل والتفاؤل، والعمل على تهيئة الاجواء الصالحة لكم ولوطنكم وشعبكم وقضيتكم المقدسة، فالشباب الفلسطيني يمتلك إمكانات كبيرة، وقادر على المساهمة بإيجابية إن أحسنوا توظيف قدراتهم.
أخر الكلام/
حياتنا بحاجة الى الترميم، لأسباب يعرفها الجميع، وهذه في الحقيقة مهمة صعبة، يمكن أن يتصدى لها الشباب وذوي الخبرات من الكبار، فالشيوخ الكبار يخططون والشباب يسعون للتنفيذ الدقيق، وفي جميع الاحوال يبقى الشباب في الصدارة للقيام بتطوير الوطن الفلسطيني، إقتصاديا وسياسيا وتأهيليا وأكاديميا وعمليا وعلميا وفكريا وثقافيا وإبداعيا، وهي مهمة كبيرة وشاقة وسوف يتمكن الشباب الفلسطيني من إنجازها بالمستوى المطلوب لها وبناء مؤسسات ووزارات وهيئات ودوائر وسفارات دولتهم القوية المزدهرة رغم العقبات الكبيرة التي تواجههم في الظرف الراهن.
*الإعلامي والباحث السياسي