الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
من وحي الذكرى.... بقلم إيناس زيادة

سئلت قبل أيام عن سبب نشري لمقالة يتحدث كاتبها عن إنجازات فلسطينية في لبنان، وكيف أن الكاتب سرد أسماء لشخصيات ومعالم فلسطينية.  شعرت إحدى متابعاتي على حد قولها وكأن قصدي من المشاركة هي إنكار الإنجاز والنجاح على اللبناني. 

أذهلني رد الفعل هذا لأن الغرض من المقالة التي صادف نشرها  في ذكرى صبرا وشاتيلا هو بالـتأكيد أبعد من ذلك.  لم أتمالك نفسي من الرد والإيضاح أننا في هذه الأيام والذكرى الموجعة المتواصلة، لو راجعت نفسها ولبنانيتها لأدركت مدى الألم الذي يتعصر فؤاد مكلومينا والأمهات الثكالى في أعقاب تلك المجازر التي وقعت على الأرض اللبنانية وبيد لبنانية، وما من ضير بأن يستذكر الكاتب بعض الفلسطنيين الذين قدموا لوطنكم. 

يا للإدراك العربي المريض القائم على التمييز والعنصرية، فنحن في زمن تتجلى فيه حالة بغض شديد بين أشقاء الدم.  إن وقع هذا فرح ذاك وإن تأزمت العلاقات بين هذا وذاك، يهلل ويحتفل كل هؤلاء.

عالمنا العربي هذا بني على أنقاض حضارة كانت عريقة، لكن فتكت بهذا العالم أمراض مستعصية منذ أن ابتلاها رب العباد باستعباد السلاطين والمحتلين لشعوبها. 

لست ممن علت أصواتهم مؤخراً بأننا ضعفاء وتراثنا دموي، بل نحن أصحاب حضارة تشهد انتكاسة كما هي الحضارات جميعها.  وهنا أتحدث عن الحضارة العربية وليس الإسلامية فحسب.  إذ أن منطقتنا جمعتنا شعوبا وقبائل من شتى المنابت والأصول.

تناسينا ولم ننس، ولا يحق لأحد أن يمسح ذاكرتنا الجمعية. 

فلسطين هي وجعنا الأول في العصر الحديث وستبقى الجرح الذي يأكلنا حرقة مع كل نقطة عرق تتسلل إليه.  وما من شك أن نكبتنا العظمى بدأت منذ ذلك الحين، وعندها أصبح دمنا كلنا مستباحاً لمن لديه القوة.

ما زلت أقول أننا أكلنا يوم أُكل الثور الأبيض، وأن ما يحصل اليوم ما هو إلا تداعيات لما حصل بالأمس. 

كم يصعب علينا أن نؤمن بالتسامح والتصالح ونحن نعيش في وسط غير متصالح مع ذاته، وذاكرتنا مثقلة بمجازر وحروب وضحايا كثر سقطوا بنيران وخناجر اعتقدنا أنها صديقة.  ونحن على رغم ما حل بنا من مجازر، ما زلنا شعب يحب الحياة والنجاح والإنجاز.

كيف تربت هذه المجتمعات ومن زرع فيها الحقد هذا كله؟  كم أنت عظيمة يا أمي إذ حرصت دوما على تذكيرنا أن العائلة هي العلاقة الأبدية التي لا غنى لنا فيها عن بعضنا بعضا، ومهم تزاعلنا أو اختلفنا، لا بد أن نسامح أو حتى نتغاضى كي تبقى شعلة الحب في قلوبنا ونتسارع لنجدة من يقع منا.  وكان ذلك عن العائلة الممتدة، أي العشيرة والقبيلة والقرية، وليس فقط عن الأسرة الواحدة. 

كانت فلسطين، ثم كانت العراق وسوريا واليمن، والبقية لا أظن أنهم في مأمن، لكنها كانت فلسطين وستبقى فلسطين إلى أن يدرك من سيستيقظ من غفوته أنها هي الثور الأبيض.

 

2016-10-15