الإثنين 10/4/1446 هـ الموافق 14/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
البرابرة، مدمرو الآثار التاريخية...بقلم توفيق أبو شومر

نشرتْ بعضُ وسائل الإعلام، يوم 15/10/2016 على حياء خبرا يقول:

"دمَّرت جرَّافاتُ إرهابيي داعش مقبرةً شهداء مخيم اليرموك في دمشق، فيها قبورُ ألاف المناضلين الفلسطينيين، منها قبر الشهداء، خليل الوزير، سعد صايل، الشقاقي، والمبحوح، وغيرهم" للأسف، لم يُوضع الخبر في سياقٍ تحليلي لما يجري من أحداثٍ في بقية بلاد العرب،  لغرض فهم المؤامرة.

لم تكن الثوراتُ العربيةِ ثوراتٍ على الأنظمة الديكتاتورية، وسياسة التوريث العربية الجارية في دول العرب، وفق ما يُردده المحللون السياسيون.

ولم تكن أحداث العالم العربي التي جرت منذ خمس سنوات تهدف لإزالة القهر والظلم، وتحقيق الديموقراطية والعدالة، وفق مفاهيم خريجي أكاديميات العلوم السياسية.

لقد أصبح واضحا أن كلَّ ما جرى يَصُبُّ في هدفٍ واحدٍ هو، تدمير المخزون التاريخي للعرب، وطمس حضارتهم في نفوس أجيالهم الجديدة، حتى لا يتحولوا إلى قُوَّةٍ عُظمَى، تُنافس القوى الكبرى في العالم، ولا سيما أنَّ في البلاد العربية والإسلامية مخزوناتٍ هائلةً من الثروات البشرية، والطبيعية، قادرةً على إنهاضهم، وجعلهم منافسين للسيطرة على العالم.

بدأتْ الخطةُ الأولى في بداية الألفية الثالثة، وهي نزع التاريخ من البلدان التاريخية، كانت خطةً تجريبيةً، فقد بدأتْ بعيدا عن البلاد العربية، عندما استنبتَ الأقوياء منظمة (طالبان الأفغانية) التي قامتْ بتدمير آثار باميان، وتمثالي بوذا، مارس 2001، بحجة أنها أصنامٌ، ومرَّ الخبرُ بدون أن يُثير سوى عددٍ قليل من المحتجين، ثمَّ جرى تنفيذ الخطة في بلاد العرب وفق التواريخ التالية:

بني الجيشُ الأمريكيُ عام 2003 مقراتِه وقواعدَه في المركز الأثري الأكبر في العالم، فوق مقابر وآثار مدينة بابل العراقية، وأقام أكبر قاعدة عسكرية فوق الآثار.

 أسس الجيش الغازي ست عشرة قاعدةً عسكرية، فوق ست عشرة مقبرة أثرية عراقية في بابل، ولم يكتفِ بذلك، بل صمتَ عن نهب الآثار العراقية، مع العلم أنَّ  السرقاتِ كانتْ تُصوَّر بالبثِّ الإعلامي المباشر، والجنود الأمريكيون يتفرجون!

يوم 25 يناير 2011 سُرقتْ آثار المتحفِ الوطني المصري أمام عدسات الكاميرا، وقامتْ عصابة، أبو عطية المصرية بسرقة آثار الأقصر!

اغتال مواليد الدفيئات الأمريكية، الداعشيون تمثالَ أبي العلاء المعري، في معرة النعمان بسوريا يوم 10/2/2013 ولم يستثرْ الحدثُ سوى فئةٍ قليلة من المثقفين!

وبعد ثلاثة أيام بالضبط، قُطعت رقبة تمثال، د. طه حسين في المنيا، مِن قبلِ أنصار داعش في مصر، وفي شهر اكتوبر 2015 جرى تدمير أعمدة أثرية في مدينة تدمر، من المجموعة البربرية السابقة نفسها!

قامت المجموعة الإرهابية نفسُها بتدمير نُصب الجندي المجهول في غزة، وقد بدأ تدمير الآثار التاريخية في غزة مبكرا مع قدوم السلطة، عام 1994 حينما جرى اغتصاب مناطق أثرية في جنوب دير البلح، وبنيتُ فوقها منتجعاتٌ للمسؤولين الفلسطينيين، بقوة السلاح! ثم قامت مجموعات مسلحة في عهد سلطة حماس في غزة بتجريف مساحات أثرية شمال مخيم الشاطئ، لغرض إنشاء مقرات للمقاومة المسلحة، وهذا الهدفُ لا يجرؤ أحدٌ أن يحتجَّ عليه!!

لم يكتفِ مدمرو الآثار بما فعلوه من جرائم، بل أوعزوا إلى كتائبهم من حائكي الفتاوى الدينية بأن يُحرضوا أتباعَهم على تدمير مقابر الزعماء التاريخيين، لإزالة تاريخهم النضالي، ولم ينسَوْا الأهراماتِ المصرية، فأصدروا فتاوى دينية، بأنها أوثانٌ جاهليةٌ، ينبغي تدميرها! وكذلك أفتوا بأن مومياوات الفراعنة ليست سوى أصنامٍ، ينبغي حرقُها أيضا!

ملاحظة أخيرة:

شجَّع المتآمرون عصاباتِ في دول (الموات)! على نهب وتهريب الآثار إلى دول العالم الكبرى، لتخزينها في متاحفهم، لغرض إنعاش ذاكرة أجيالهم التاريخية، وتعزيز انتمائهم الوطني، لأن كلَّ مَن يُحافظُ على الآثار وتواريخ العالم والأمم، ويُنقذها من أيدي البرابرة المُخربين، فإنَّه يُعلِّمُ أجيالَه الإبداعات والفنون. وكلَّ من ينقذها من أيدي قبائل الهون الإرهابية التخريبية، فإنه إنسانٌ متحضرٌ يسعى للنهوض والتطور، ويستحقُّ الحياة!

2016-10-18